قيادي في «الاستقلال» المغربي: أدعو لتأسيس لجنة للإصلاح السياسي

الخليفة لـ «الشرق الأوسط»: مهام وزارة الداخلية يجب أن تتقلص حالا حتى تصبح في حجم الدستور الجديد

محمد الخليفة
TT

دعا محمد الخليفة، الوزير السابق، وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال المغربي، متزعم الائتلاف الحكومي الحالي، إلى تأسيس لجنة اقترح تسميتها «لجنة تنزيل الدستور» أو «لجنة الإصلاحات السياسية»، تكون ممثلة بعضوين من كل حزب له فريق في البرلمان، وأن تنضم إليها الرموز البارزة في حركة 20 فبراير، وأن تسند رئاستها إما إلى شخصيات برهنت على أنها قادرة على إدارة الحوار السياسي مثل إدريس الضحاك (الأمين العام للحكومة) وأمثاله، وكذلك شخصيات لها وزنها السياسي مثل عبد الرحمن اليوسفي (أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي الأسبق)، ومحمد بوسته (الأمين العام لحزب الاستقلال الأسبق)، من أجل وضع كل مشكلات الإصلاح السياسي في سلة واحدة. وقال الخليفة، في حوار خص به «الشرق الأوسط»، على هامش مشاركته أخيرا في مدينة أصيلة، في الندوة التكريمية للكاتب والسياسي المغربي عبد الكريم غلاب، إن الدستور الجديد أنهى مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب بالنسبة للإصلاحات بيد أنه يفتقر إلى الإصلاحات السياسية، مشيرا إلى أن ثورة المغرب الحقيقية هي غير كل الحراك الذي يعرفه الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، ذلك أن هذه الثورة قادها الملك محمد السادس بخطاب 9 مارس (آذار) الماضي. وذكر الخليفة أن حركة 20 فبراير يجب ألا نعطيها أكثر من حجمها، ويجب أيضا ألا نبخس الدور الذي تطلع به، لأن كلا الموقفين سيؤدي إلى وقوع شرخ في المجتمع المغربي.

وأبرز الخليفة أن العاهل المغربي استجاب للجميع بالنسبة لدستور أول يوليو سواء تعلق الأمر بالأحزاب السياسية أو بالحركة الشارعية بما فيها حركة 20 فبراير. وقال الخليفة إن حديث الناس فقط عن الانتخابات، وهل تكون في أكتوبر (تشرين الأول) أم في السنة القادمة، وهو طرح لا يستوعب حجم المشكلة في حد ذاتها. وأضاف «علينا أن نفكر تفكيرا جيدا بأن الدستور الجديد وضع المغرب أمام مسؤوليته، ووضع كل المؤسسات الدستورية أمام مسؤولياتها في التأهيل، ووضع أيضا الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني أمام مسؤولياتها.

وتمنى الخليفة أن يقود العاهل المغربي مرحلة الإصلاحات السياسية كما قاد ثورة الإصلاحات الدستورية.

واعتبر الخليفة أن الانتخابات في حد ذاتها ليست هي الهدف «بل الوصول ببلادنا إلى بر الأمان، وإلا فستبقى المؤسسات تؤسس بينما يظل الشارع في حالة غليان». وفي ما يلي نص الحوار.

* تجاوز المغرب مرحلة الإصلاحات الدستورية، و هناك على الساحة مطالب للقيام بإصلاحات سياسية. ما العمل الآن؟ وما هي الإصلاحات السياسية التي ينوي حزبكم المطالبة بها؟

- إن المغرب بتصويته على الدستور في أول يوليو (تموز) الحالي قطع الشوط الأول أو الأكبر، أي الإصلاح الدستوري، ذلك أن الدستور الذي أعلن عنه الملك محمد السادس يوم 9 مارس الماضي، والذي تأسست له لجنتان، اللجنة التقنية واللجنة السياسية، وذلك في إطار توافق كامل لاول مرة في تاريخ المغرب.هذا الدستور الذي نعتبره دستورا جديدا، يمكن دون تردد القول إنه أنهى مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب بالنسبة للإصلاحات، ونعتبره دستورا جديدا بكل ما للكلمة من معنى، ولكن هذا الدستور يفتقر إلى الإصلاحات السياسية، ومن هنا أؤكد أن ثورة المغرب الحقيقية هي غير كل الحراك الذي يعرفه الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه. فثورة المغرب قادها الملك محمد السادس بخطاب 9 مارس، الذي كان خطابا تاريخيا وثوريا بكل ما للكلمة من معنى، وبطبيعة الحال أدت الآليات التي استخدمت إلى إنهاء الشوط الأول بالنسبة للإصلاحات التي يجب أن تكون في المغرب.

لقد سبق أن قلت إن حركة 20 فبراير، وهي امتداد لكل الحركات التي تعرفها الشعوب العربية، يجب ألا نعطيها أكثر من حجمها، ويجب أيضا ألا نبخس الدور الذي تطلع به، لأن كلا الموقفين سيؤدي إلى وقوع شرخ في المجتمع المغربي. واعتبر أن الملك استجاب للجميع بالنسبة لدستور أول يوليو سواء تعلق الأمر بالأحزاب السياسية أو الحركة الشارعية بما فيها حركة 20 فبراير، ويمكنني أن آخذ الدستور وأدلكم فصلا فصلا على كل الإجابات عن كل المطالب التي عبرت عنها الأحزاب السياسية وعبر عنها المجتمع المدني.

* لكن حركة 20 فبراير ما زالت في الشارع. كيف تفسر ذلك؟

- بطبيعة الحال. وبكل أسف، الناس الآن يتحدثون فقط عن الانتخابات. هل تكون في أكتوبر أم في السنة القادمة، وهذا طرح أعتقد أنه لا يستوعب حجم المشكلة في حد ذاتها. علينا أن نفكر تفكيرا جيدا بأن الدستور الجديد وضع المغرب أمام مسؤوليته، ووضع كل المؤسسات الدستورية سواء تعلق الأمر بالبرلمان أو بالسلطتين القضائية أو التنفيذية أمام مسؤولياتها في التأهيل، ونفس الأمر بالنسبة للأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني وكل الحركات التي تتحرك في الشارع، وبالتالي على المغاربة التفكير بصوت واحد مفاده أنه ليس بالانتخابات السابقة لأوانها أو الانتخابات التي تجري في وقتها سنكون قد بنينا الأرضية الحقيقية التي سينزل عليها الدستور. وفي تصوري، كما قاد جلالة الملك ثورة الإصلاحات الدستورية أتمنى من الأعماق أن يقود المرحلة الثانية أي مرحلة الإصلاحات السياسية.

* كيف ذلك؟

- أعتقد أن المنهجية التي اتخذت في الإصلاحات الدستورية يمكن أن نبحث عما يشابهها أو ما يقاربها، وذلك بالإعلان عن تأسيس لجنة، لنسمها، لجنة تنزيل الدستور أو لجنة الإصلاحات السياسية، إن الإصلاح السياسي هو في البدء والنهاية بلورة لكل ما يعتمل داخل المجتمع، وبعبارة أكثر وضوحا أريد أن تكون هذه اللجنة السياسية ممثلة بعضوين من كل حزب له فريق في البرلمان، وأن تنضم إليها الرموز البارزة في حركة 20 فبراير، وأن تسند رئاستها إما إلى شخصيات برهنت على أنها قادرة على إدارة الحوار السياسي، واستحضر هنا السيد إدريس الضحاك (الأمين العام للحكومة) وأمثاله، وكذلك شخصيات لها وزنها السياسي من أمثال عبد الرحمن اليوسفي (أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي الأسبق)، ومحمد بوسته (الأمين العام لحزب الاستقلال الأسبق)، من أجل أن نضع كل مشكلات الإصلاح السياسي أمامنا في سلة واحدة، ونقول إن الانتخابات في حد ذاتها ليست هي الهدف. نحن نريد الإصلاحات السياسية، وفي مقدمتها الانتخابات النزيهة الحرة والشفافة، كما أعلن عن ذلك الدستور، وأن نصل ببلادنا إلى بر الأمان، وإلا فستبقى المؤسسات تؤسس بينما يظل الشارع في حالة غليان.

نريد أن تكون جميع الإرادات متطابقة من أجل الوصول إلى الإصلاح السياسي وهو إصلاح بطبيعة الحال تتصدره قضية الانتخابات. وأعتقد أن هذا الملف ينبغي ألا يتم النقاش فيه من خلال أجهزة وزارة الداخلية فقط، وإن كانت هي المختصة قانونيا. ولكن هذا حوار وطني يجب أن نبدأه من جديد. ونتساءل هل ما زالت مثلا هناك أهمية للانتخاب باللائحة بدل الاقتراع الفردي، ذلك أنه يجب أن نعترف بأن النمط الأول لم يؤت أكله، وأن التقطيع الانتخابي هو عبارة عن تقطيع اختلطت فيه المدينة بالقرية والقرية بالمدينة، حتى إنه يمكن أن نقول إن مدنا كثيرة في المغرب غير ممثلة في البرلمان إلا بالعالم القروي، وبطبيعة الحال، وأكثر من هذا، فإن بعض رجال السلطة الذين ألفوا أن يتحكموا في صعود هذا وإسقاط ذاك، سهل لهم هذا النمط من الاقتراع التحكم في الخريطة السياسية، ولا أدل على ذلك مما وقع في انتخابات سنة 2007 التي أدانها الجميع تقريبا.

وبالنسبة لموضوع التقطيع الانتخابي أرى أنه يجب إعادة النظر بصفة نهائية فيه لأنه يجب ألا نربط المنتخِب بالمنتخَب لأنه لم تعد هناك تلك العلاقة التي كانت قائمة، بحيث أصبح المنتخب ينجح في لائحة تشمل المئات أو العشرات من الدواوير (القرى) ومن الأحياء في المدن، وبطبيعة الحال فإن الناس لا يعرفون من يمثلهم في البرلمان، وبالتالي التقطيع الانتخابي يجب إعادة النظر فيه بصفة نهائية، وأكثر من هذا فإنه يجب أن تتقلص حالا مهام وزارة الداخلية لتصبح في حجم الدستور الجديد، أي أن تكون وزارة الداخلية المغربية شبيهة ومثيلة لكل وزارات الداخلية في العالم الديمقراطي سواء تعلق الأمر بالملكيات أم بالجمهوريات لأننا عندما نقول ملكية برلمانية، ونلاحظ حجم الاختصاصات الواسعة والقطاعات التي تتصرف فيها نفس الوزارة، فإن هذا يجعل الأمر بعيدا عن الفهم، وعن تطبيق روح الدستور.

وفي سياق عملي، وضمن الإصلاحات السياسية، يجب أن يكون الأمر واضحا بأن الاعتقالات الاحتياطية والأحكام غير العادلة المدانة من القضاء يجب تصفيتها، وأن يطلق سراح الكثيرين ممن ظلموا، وأن لا يبقى شخص مثل رشيد نيني (الصحافي) في السجن بمقتضى حكم لا يتطابق مع القانون، متمنين صدور عفو شامل عن الكثير من المعتقلين الذين كانوا ضحية محاكمات غير عادلة، وصفت حتى من قبل جلالة الملك، في تصريحات له، بأنها كانت مشوبة ببعض الأخطاء، فهذا ملف يجب الانكباب عليه.

إن ملف الإصلاح السياسي هو الملف الذي يجب أن تعطى له الأهمية الكبرى ويجب ألا يقصى أحد، ويتم الاستماع للجميع بهدوء، وسعة صدر، ورحابة فكر. يجب أن نقيم الحجة فيما بيننا وعلى بعضنا البعض، أي بين من يريد حقيقة أن يبني المغرب على أسس دستورية، وإصلاحات سياسية متوافق عليها، وبين من لا يريد ذلك. هذا يجب أن يكون واضحا أمام الشعب، وفي اعتقادي أنه حتى دعاة التسريع بإجراء الانتخابات، فإنها حتى وإن أجريت بسرعة لن تحل المشكلة في الشارع، ذلك أن الشعوب التي سبقتنا في الإصلاحات سعت إلى حل المشكلات القائمة وليس فقط الالتفاف عليها خاصة أن الغليان ما زال سائدا في كثير من الأقطار العربية، وبالتالي فإنني أدعو إلى تأسيس لجنة تكون مهمتها الاضطلاع بالإصلاح السياسي في شموليته بدءا من الانتخابات، ومرورا بإطلاق سراح الكثير من المعتقلين، وصولا إلى تأكيد الإرادة القوية والفعالة في كون ملفات محاربة الفساد والرشوة أخذت طريقها إلى التنفيذ.

* هذه الأشياء التي تطالب بها وتدعو إليها هل ناقشتموها على مستوى حزب الاستقلال، وهل تنوون المطالبة بها؟

- بكل صراحة.. إنني أجيب هنا انطلاقا من تحليلي فقط للوضع الحالي لأنني لا أريد أن يعيش المغرب هذه المرحلة فقط انطلاقا من التساؤل هل ستجري الانتخابات في أوانها أم في أكتوبر القادم؟ إنني بكل وضوح لا أرى أي دافع للتسريع، ورغم أنني كنت دائما ضد الانتظارية فموقفي الآن ليس موقفا مختلفا ولكنه موقف البحث عن مخرج سياسي عميق متوافق عليه من الجميع حتى ننهي في بلادنا الكثير من الاحتجاجات التي أؤكد أنه قد يكون لا تأثير لها بيد أنه في نفس الوقت يجب قول الحقيقة أي إنها ما من شك سيكون لها تأثير أيضا.

* أفهم من كلامك عدم إقصاء أي أحد، وأنك تريد إدخال حركة 20 فبراير في المعادلة السياسية القائمة الآن، لكن هناك قناعة لدى كثيرين أن الحركة ذابت في طنجرة جماعة العدل والإحسان المحظورة، وهي جماعة رافضة للمؤسسات بشكل عام. ما تحليلكم؟

- دعني أتكلم معك بوضوح وبصراحة متناهية، إن كل المنتمين إلى حركة العدل والإحسان، وكل المنتمين إلى التيار الراديكالي المتطرف يسارا، معروفون بأسمائهم وأشخاصهم، تاريخهم وحاضرهم، ولا يمكن أن يختلف اثنان في أن رموز حركة 20 فبراير في صيغتها الأولى أو الشباب الذي تحرك قبل أن يحاول أحد الاستحواذ عليه، هو شباب معروف أيضا لدى الجميع، باستقلاليته ونمطية تفكيره. أنا لا أقول إن الذي يرفض المؤسسات وثوابت الأمة، يجب أن أجري معه حوارا فقط من أجل نقاش عابر قد لا يفيد، ولكننا الآن لا نريد أن نقصي كل القوى التي تؤمن بثوابت الأمة، والتي تناهض معنا الظلم واقتصاد الريع وتناهض الفساد والرشوة، وأرى أنه من السهل التعرف على عناصر حركة 20 فبراير في صيغتها الأولى من دون الاحتياج إلى بحث معمق لأن الأشياء معروفة.

* بالنسبة للقطيعة القائمة الآن بين جماعة العدل والإحسان والدولة، كيف ترى المخرج لوضع حد لها في ظل تمسك كل طرف بوجهة نظره؟

- إن كل السهام هي سهام حقيقية موجهة إلى جماعة العدل والإحسان، وبالتالي يجب على الجماعة أن تكون في المستوى وتصدر بيانا صريحا تعلن فيه تبنيها لثوابت الأمة التي أقرها الدستور، وهي الدين الإسلامي، والملكية الدستورية والديمقراطية والاجتماعية والبرلمانية، والحدود الحقة للمغرب، والخيار الديمقراطي الذي لا رجعة عنه. فجماعة العدل والإحسان هي التي يجب أن تبدأ وتزيل من حولها كل الشكوك. وآنذاك سأكون من أول المدافعين عن فتح الحوار معها.

* هناك انطباع عام بأن الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية تعيش حالة ترنح وتراخ، وأنها لم تقم بدورها المطلوب للتسريع بالإصلاحات من أجل بدأ مرحلة أخرى من العمل السياسي. فما هو تقييمك للمشهد الحزبي في البلاد؟

- على الأحزاب السياسية أن تخرج من جلبابها الذي سجنت نفسها فيها منذ أكثر من عقد، ولا أستثني هنا حزبا معينا. فالأحزاب بكل موضوعية، قبل 20 فبراير وقبل خطاب جلالة الملك يوم 9 مارس، جمدت ملف الإصلاحات السياسية والدستورية، فهذه حقيقة لا يجب أبدا أن تغيب عن بالنا. بطبيعة الحال هذا ما جعل الكثير من المحللين والمتتبعين يصفون الأحزاب بما وصفتهم به. يجب على الأحزاب السياسية الآن أن لا تبقى أسيرة ذاتها، عليها أن تكون صريحة مع مجتمعها ومناضليها، و مع الآخرين، وصريحة مع جلالة الملك بالذات. وأن يكون لها خيال سياسي واسع قادر على ابتكار وخلق أفكار جديدة تدفع المغرب نحو كسب رهاناته، وبالتالي على الجميع أن يتأهل بمقتضى هذا الدستور، وإذا لم يحدث ذلك فإن رهاننا الدستوري، لا قدر الله، قد يعرف نكسة. وليس عيبا في تاريخ الشعوب أن تأخذ الوقت الكافي واللازم من أجل أن يكون التنزيل لشيء جميل مثل دستور أول يوليو على الواقع المغربي، الذي يجب أن يكون ملهمنا بالأفكار والاختيارات التي تجعل من بلادنا نموذجا لحل المشكلات المطروحة في الوطن العربي.

* يبدو أنك ضد السرعة في إجراء انتخابات ربما لن تفضي إلى المبتغى العام. لكن الملاحظ الآن هو أن هناك دستورا جديدا يتطلب مؤسسات جديدة، وبالتالي يصعب مواصلة العمل في ظل مؤسسات الدستور القديم، فما هو المطلوب سياسيا الآن، هل إقالة الحكومة الحالية وحل البرلمان في انتظار إجراء انتخابات جديدة؟

- أنا لست ضد السرعة، بل ضد التسرع. علينا أن نعرف أن البرلمان الحالي لن تنتهي مدته القانونية إلا في السنة القادمة، وبالتالي فان الذين يطالبون بالتسريع يريدون إنهاء الوضعية الدستورية للبرلمان الحالي، والدستور الجديد لم يغفل هذه القضية، ويشير بصريح العبارة إلى أن تلك المؤسسات تبقى قائمة بدورها خاصة ما يتعلق بالبرلمان حتى تنصب المؤسسات الجديدة، وبالتالي يجب أن نبحث أيهما أفضل وأنجع للمغرب، هل نجري انتخابات سابقة لأوانها، ويتكون هذا البرلمان، وتبقى المظاهرات في الشارع أم يجب أن نحيط الوطن بكل ما يمكن من الرعاية بأصوات متعددة ومختلفة ومتباعدة من أجل أننا نضمن أنه بعد إجراء الانتخابات سيذهب الجميع إلى الجهاد الأكبر، أي تنزيل الدستور بكل مضامينه على أرض الواقع. إنني أقول دائما إنه يجب ألا نعطي لحركة 20 فبراير أكبر من حجمها فهذا سيكون خطأ كبيرا لأن نضالها هو نضال الحركة الوطنية الديمقراطية عبر البلاد، ولكن يجب في هذا الظرف بالذات إلا نهملها، بل إني أرى الكثير من الشباب، خارج المتطرفين يسارا ويمينا، الذين خرجوا يوم 20 فبراير قادرين إذا كانت هناك لجنة سياسية تقود الإصلاح السياسي، أن يدلوا برأيهم بهذا الخصوص. إن الإصلاح السياسي ليس طبخة تعد، وليس عملا جاهزا يمكن أن نقدمه للناس في لحظة واحدة. العمل السياسي يقتضي تشريعات كثيرة واجتهادات متنوعة، وأيضا اتخاذ تدابير يمكن أن تنجح، وهذا يقتضي توافر جميع الإرادات الخيرة قبل وبعد كل شيء من أجل أن نحارب الفساد والرشوة واقتصاد الريع. فهذه أشياء لا تحارب بين عشية وضحاها، بل تحارب بالإرادة الجماعية للأمة مجسمة في دولة القانون.

* الآن هناك مطالب عند بعض الأحزاب لتسبيق الانتخابات البلدية على الانتخابات البرلمانية بحيث صرنا أمام من يسبق الآخر. أنتم في حزب الاستقلال، ما هو تصوركم لذلك؟

- أعتقد أن هذا الطرح في حد ذاته له مبرراته، وله أيضا سلبياته. فالقائلون به من حقهم القول إن انتخابات 2009 كانت فاسدة بكل المقاييس بحيث تمكن الحزب الأغلبي من أن يجعلها كما يريد.

* هل تقصد حزب الأصالة والمعاصرة؟

- أنا لم أذكر في حياتي اسم حزب معين. أنا أتحدث عن الظاهرة التي أسميها الحزب الأغلبي. فكل من يعرف نفسه أنه في الحزب الأغلبي، فإنني أقصده، ولا أريد أن أحدد حزبا بعينيه. وعمليا فإن انتخابات 2009 منتقدة من الجميع، وبالتالي إذا أجريت الانتخابات البرلمانية قبل البلدية سيكون رؤساء البلديات الذين وصلوا دون استحقاق إلى قياداتها متحكمين في الانتخابات التشريعية نظرا للإمكانات التي يتوفرون عليها. وأعتقد أن هذا الطرح رغم أهميته يبقى المشكلة الحقيقية في المغرب، ومن ثم فإن هذا الملف يجب أن يبحث داخل اللجنة التي أقترحها للإصلاح السياسي، نظرا لأن المجالس القروية والبلدية برمتها تعرف الآن ترهلا وتشتتا لم يعرفه المغرب في تاريخه، و لا أدل على ذلك من مدن الدار البيضاء وطنجة ومراكش، وغيرها من المدن والقرى. استشهدت بهذه الأمثلة الثلاثة من أجل أن أبرز أن هذه البلديات لا تحظى باحترام الناخبين.