توجهان في باريس إزاء كيفية وضع حد للحرب والإليزيه الأكثر تشددا

مبعوثو نظام القذافي كثيرون.. واجتماع اسطنبول يسعى لتحديد مفهوم الحل السياسي في ليبيا وشروطه

جنود من الجيش الفرنسي خلال العرض العسكري بمناسبة العيد الوطني في جادة الشانزليزيه في باريس أمس (أ.ب)
TT

نغص العرض العسكري التقليدي في جادة الشانزلزيه، بمناسبة العيد الوطني الفرنسي أمران: مقتل خمسة جنود فرنسيين أول من أمس، في وادي كابيسا في وسط أفغانستان، وإجهاض رغبة الرئيس نيكولا ساركوزي، الذي كان يريد رؤية مجموعة من جنود ليبيين من المنشقين على العقيد القذافي، يشاركون في العرض لو كان نجح المعارضون بدعم الحلف الأطلسي وقواته الجوية الدخول إلى العاصمة طرابلس والإطاحة بالزعيم الليبي. والحال، أن 117 يوما من القصف لم تكف بعد لحمل القذافي على الرحيل، ما يبرر، وفق مصادر فرنسية واسعة الإطلاع، البحث عن «حل سياسي» تبدو باريس محوره الأساسي، بالنظر للدور الذي لعبته منذ البداية في دعم المجلس الوطني المؤقت، والاعتراف به.

وبحسب معلومات وتقارير متوافرة في العاصمة الفرنسية، فإن الاتصالات مع مقربين من القذافي أو ممثلين للنظام الليبي، التي اعترف وزير الخارجية ألان جوبيه بوجودها يوم الثلاثاء الماضي مع نفي كونها «مفاوضات» بالمعنى المتعارف عليه، تركزت على نقطة أساسية، هي مصير العقيد القذافي وسيناريو تنحيه عن السلطة، ومعرفة ما إذا كان ذلك سيكون نقطة البداية للمسار السياسي أم محصلته. وكشفت صحيفة «لوموند» في عددها الصادر أمس، أن التصريحات التي أدلى بها البغدادي المحمودي إلى جريدة «لو فيغارو»، وفيها دعا إلى مفاوضات «مع كافة الأطراف» ومن «غير تدخل» العقيد القذافي، سبقتها زيارة مدير مكتبه محمد غولوشي إلى باريس ولقاؤه وزير الدفاع جيرار لونغيه.

أما الشخصية الأخرى التي تلعب دورا أساسيا في المفاوضات، فهي مدير مكتب القذافي نفسه، بشير صلاح بشير، الذي جاء مرتين إلى باريس. في المرة الأولى، التقى وزير الداخلية كلود غيان الذي لعب، في الماضي، الدور الأول في التقريب بين باريس وطرابلس، كما التقى وزير الخارجية ألان جوبيه. أما في المرة الثانية، فقد كان له لقاء «عاصف» مع الرئيس ساركوزي نفسه، الذي اشترط، بداية وقبل أي شيء آخر، تنحي القذافي لقبول باريس السير في الحل السياسي.

ويبدو الإليزيه، وتحديدا الرئيس ساركوزي، الأكثر تشددا في التعاطي مع الملف الليبي، والأكثر إصرارا على الحصول على إزاحة القذافي تمهيدا لوقف الأعمال العسكرية ضد قوات النظام وإعلان وقف إطلاق النار. وبموازاة ذلك، يبدو وزير الدفاع جيرار لونغيه، أكثر «تساهلا» في قبول احتفاظ القذافي بـ«دور ما» شرفي أو بروتوكولي. أما وزير الخارجية ألان جوبيه، فإنه يقف في «منزلة بين المنزلتين». لكن القرار النهائي يبقى بيد رئيس الجمهورية.

ويذهب بعض المطلعين إلى القول بأن المسألة أصبحت «شخصية» بين ساركوزي والقذافي. وما كان لباريس أن تتخطى القرارين الدوليين 1970 و1973 وتقوم بإنزال أسلحة وذخائر إلى الثوار الليبيين قريبا من العاصمة طرابلس، لولا رغبة الإليزيه، حيث يقوم رئيس الجمهورية بدور القائد الأعلى للقوات المسلحة وفق الدستور. وواقع الأمر، أن الخط الذي تتبعه الحكومة الفرنسية لا يلقى معارضة لا في الشارع ولا في البرلمان. فقد أظهرت المناقشات التي جرت في المجلسين (الشيوخ والنواب) أن أكثرية ساحقة أعطت الضوء الأخضر للحكومة للاستمرار في العمليات العسكرية في ليبيا، إذ حصلت في الجمعية الوطنية على 482 صوتا من أصل 516 صوتا، ولم يعارضها سوى 27 نائبا (من الشيوعيين والخضر). أما في مجلس الشيوخ، فقد صوتت الأكثرية الساحقة لصالح الحكومة، إذ حصلت على أصوات حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني (الحاكم) وعلى أصوات الشيوخ الاشتراكيين (311 صوتا) فيما عارضها الخضر والشيوعيون (24 صوتا).

لم تكن باريس تقدر أن الحرب ستطول أشهرا، إذ دأبت على تأكيد أن بوادر التفسخ بدأت تنخر الحلقة الضيقة المحيطة بالقذافي. وتوصل الرئيس الفرنسي إلى استصدار بيان من مجموعة الثماني في قمة دوفيل للدول الأكثر تصنيعا، التي التأمت نهاية مايو (أيار) الماضي، يدعو القذافي إلى الرحيل. وطلب ساركوزي وساطة الرئيس ميدفيديف لإقناع الزعيم الليبي بالرحيل. غير أن القذافي لم ينهزم بعد، وبالتالي لم يرحل والحرب أخذت تطأ بثقلها على ميزانيات الدول المشاركة، إذ بلغت كلفتها حتى الآن فرنسيا 160 مليون يورو وفق وزيرة الخزانة فاليري بيكريس. ويقول وزير الدفاع إنها تكلف يوميا مليون يورو. لذا فالسؤال المطروح هو: كيف الانتهاء من الحرب الليبية؟

تقول المصادر الفرنسية إن السؤال سيكون على طاولة وزراء خارجية مجموعة الاتصال الذين سيلتقون اليوم في اسطنبول، ومن بين الحضور وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والدول المشاركة في العمليات العسكرية، ومن بينها قطر والإمارات العربية المتحدة وأمين عام الحلف الأطلسي والأمين العام للأمم المتحدة ومندوبه عبد الإله الخطيب. وقبل أيام، قال رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون إن «ملامح الحل السياسي» بدأت تتشكل. والحال أن إحدى الصعوبات، كما يبدو، هي وجود أكثر من رأي في فرنسا، كما أن هناك أكثر من توجه داخل القيادة الليبية حول الشروط المطلوب توافرها للإقلاع بحل سياسي متفاوض عليه. فهل يأتي الحل عن طريق «خريطة الطريق» التركية التي حملها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو إلى بنغازي قبل أيام، أم أن المتشددين من داخل التحالف والمجلس الوطني سيصرون على هزيمة القذافي قبل القبول بأي مسار آخر؟