«مجمع التحرير».. من «الإرهاب والكباب» إلى قبضة الثورة

معقل البيروقراطية المصرية وبه إدارة قضايا الحكومة

مبنى «مجمع التحرير» الذي يطل على ميدان التحرير بوسط القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

في فيلم «الإرهاب والكباب» لم يعرف البطل «عادل إمام» كيف يعيد حساباته ويرتب الأدوار، لكنه استسلم لقدره كإرهابي بمحض الصدفة، احتجز جمعا من الناس، وأخذهم رهينة تحت تهديد السلاح بأحد طوابق «مجمع التحرير»، رغم أن الرصاصة الطائشة التي أطلقها من بندقية حارس الطابق، بعد أن اختطفها منه، كانت رد فعل تلقائيا على لحظة من الجنون تسبب فيها تعنت موظف بالمجمع، في تأدية واجبه تجاه بطل الفيلم، وهو مواطن عادي جاء لتخليص أوراق تحويل أولاده إلى مدرسة أخرى.

وعلى مدار الفيلم تحول «مجمع التحرير»، أكبر مؤسسة إدارية للبيروقراطية الحكومية في مصر، إلى ساحة حرب، بين بطل إرهابي مزعوم، وبين حشود من قيادات وقوات الأمن التي طوقت المبنى ودخلت في مفاوضات متعددة مع البطل لتحرير المجمع وتخليص الرهائن من قبضته، والاستجابة لطلباته هو والرهائن الذين تعاطفوا معه، بداية من المشروبات والعصائر حتى الكباب. وتجلى ذلك في رفضهم عرض وزير الداخلية، في الفيلم «كمال الشناوي» بإحضار وجبات جاهزة لهم من «كنتاكي»، وبتحريض من البطل هتفوا «الكباب.. الكباب، لنخلي عيشتكم هباب».

بعد سنوات وبعدسة ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، التي انطلقت من ميدان التحرير، مسقط رأس المجمع، يتم استعادة إيقاع الفيلم برؤية وروح أخرى، ويقع المجمع مجددا في الأسر، ويظل لعدة أيام رهينة و«أمانة» في قبضة الثوار، مغلقا بلا مرتادين وموظفين، وسماسرة لتخليص الأوراق، خلال الاعتصامات الأخيرة التي لم تنفض بعد بميدان التحرير، احتجاجا على عدم الاستجابة لمطالب الثورة.

يصرخ البطل في الفيلم: «يا جماعة أنا مطالبي بسيطة، عايز أنقل أولادي لمدرسة تانيه، الفصل فيه 100 تلميذ، والنفس كاتم على صدورهم والأولاد بيجوا من المدرسة عيانين وبيكحو».

ويصرخ الثوار في الميدان: «عايزين حكومة بجد، عايزين محاكمات بجد، عايزين تغيير بجد».. وفي غبشة الكاميرا ونظرات الحشود من رجال الأمن، يخرج بطل الفيلم مندسا وسط الرهائن بعد أن أعلن الإفراج عنهم بلا شروط سوى أن يخرجوا بسلام.

في الخلفية، يذكر الراوي أنه لسنوات طويلة ظل القاهريون ينظرون إلى «مجمع التحرير» وسمته المعماري الذي يشبه المعابد الفرعونية العتيقة، بمهابة ووقار، ليس لأنه أكبر مجمع خدمي لتخليص وتصريف أوراقهم وشؤونهم الرسمية، وإنما باعتباره «ساعة الفرج».. فغالبا ما كانت عقارب ساعاتهم تترقب انصراف الموظفين والمرتادين للمجمع، الذين تقدر أعدادهم بنحو 30 ألفا يوميا، فموعد انصرافهم يعني أن ساعة الذروة في ازدحام المواصلات قد بدأت، وأنه بعد ساعة من هذا الزحام سوف تسترد العاصمة القاهرة بعضا من هدوئها وراحتها.