ستيفن راب: الفرق في النظر للقضيتين السورية والليبية هو موقف مجلس الأمن

السفير الأميركي المتجول لجرائم الحرب: ليس من العدل القول بأن المحكمة الجنائية تعمل من أجل أن تحاكم دول الشمال دول الجنوب

TT

بين السفير الأميركي المتجول لجرائم الحرب ستيفن راب أنه ليس من العدل أبدا القول بأن محكمة الجنايات الدولية تعمل من أجل أن تحاكم دول الشمال دول الجنوب. وأكد أن الفرق الأهم بالنسبة لمحكمة الجنايات الدولية حول إمكانية النظر في القضية الليبية وعدم توافرها بالنسبة للقضية السورية هو موقف مجلس الأمن، الذي أتى واضحا وحاسما بالنسبة للقضية الليبية مما سهل تناولها والحكم فيها، كما أوضح في حوار مع «الشرق الأوسط» أن تحويل قضية ما إلى المحكمة الجنائية الدولية يتطلب شروطا منها أن يكون العمل ضد مجموعة أو مجموعات منتشرا ومنظما ومتواصلا. وحول ضرورة الالتجاء لمحكمة الجنايات، بيّن أنه إذا كانت القضية داخلية ومن الممكن النظر فيها داخليا فلا حاجة لتدخل خارجي أو دولي فيها، وتكون الحاجة إلى محاكمات دولية عندما يكون من الصعب أو لا قدرة على النظر فيها داخليا. وأضاف أنه يمكن اعتبار ما يحدث في سوريا جرائم ضد الإنسانية حيث يتم قتل الناس لأسباب سياسية، وبأنه إذا كانت المعارضة السورية تريد تحويل عناصر من النظام لمحكمة الجنايات فعليهم ألا يصمتوا وأن يواصلوا مطالبهم بتحقيق العدالة، كما بيّن أن أميركا تدعم الخيارات الداخلية للشعوب وتريد تغييرا ودفعا للأمام بدون خسائر. وإذا أتت مطالب التغيير من الداخل وتجاوبت الحكومات بدون تدخل خارجي فهذا أفضل بالتأكيد. وأشار راب أيضا إلى أن محكمة الجنايات لا تمتلك جهاز شرطة وليس لديها القوة لتطبيق قراراتها.

«الشرق الأوسط» التقت ستيفن راب السفير الأميركي المتجول ورئيس الادعاء السابق لمحكمة سيراليون التي تدعمها الأمم المتحدة، في لندن، وأجرت معه حوارا هذا نصه:

* متى تنظر المحكمة الجنائية الدولية إلى قتل الشعوب على أنه جرائم حرب؟

- عندما تتوجه البلاد أو مجموعة منها للمحكمة بطلب، أو عندما يتفق مجلس الأمن حول قضية ما، وكذلك عندما تتفق المجموعة الدولية وترى بضرورة أن تنظر محكمة الجنايات في القضية فيتم النظر فيها.

وقد تم التوجه للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة التي أدانت ميلوسوفيتش الذي كان يواجه اتهامات بالتطهير العرقي في كوسوفو في مايو (أيار) عام 1999، ثم في قضية دارفور، وهذا العام مع ليبيا، وكذلك في قضية رواندا.

* ما وقع في تونس ومصر.. ما رأيكم فيه وهل يعتبر أمرا داخليا؟

- بالنسبة لتونس ومصر ما يهم أميركا هو تحقيق العدالة وتقويتها، والتحقيق فيها وإذا كان بإمكان البلدان المعنية أن تقوم بذلك بنفسها فهذا يبقى خيارا خاصا، وإذا أمكن النظر في الأمر داخليا فإن هذا يبقى أفضل من أن تنظر فيه محكمة تبعد آلاف الأميال عن البلد، وتكون الحاجة إلى محاكمة دولية عندما يكون من الصعب أو لا قدرة على النظر في القضية داخليا. وبالنسبة لبعض الدول مثل رواندا ويوغوسلافيا فقد أدت أوضاعهما في ذلك الوقت إلى نظر محكمة الجنايات في قضاياهما. وتحول الأمور للمحكمة الدولية عند التجاوزات بأسلحة وفي حالات حروب أهلية أو الإبادة أو القتل الجماعي أو القتل بشكل منتظم، وهذا لم يحدث في تونس ومصر ويتم النظر في القضايا داخليا.

وبالنسبة لمحكمة الجنايات الدولية فهناك أسباب يجب أن تتوافر للنظر في قضية معينة، فمثلا عندما تكون الدولة ليست في حالة حرب، أو ليس هناك قتل جماعي لمجموعة من الأشخاص بسبب جنسهم أو دينهم، فليس هناك دافع لمحكمة الجنايات. كما يجب أن تكون هناك شروط، مثل أن يكون العمل منظما أي يخضع لتنظيم معين ومنتشرا ومتواصلا. وما رأيناه في سوريا، حيث يتم قتل للناس لأسباب سياسية، يمكن أن يعتبر جرائم ضد الإنسانية وفي ليبيا أيضا. ويختلف الأمر إذا قامت بعض الجماعات غير المنظمة بمواجهة بعضها والتقاتل فيما بينها.

ومن المهم جدا عامل العدد، فإن لم يشمل القتل على الأقل مئات من الناس فإن الأمر لا يحتاج إلى محكمة الجنايات الدولية، وعامل الجدية، ويجب أن يطالب سكان البلد أو جهة منه بضرورة تدخل المحكمة. فنحن نأخذ بعين الاعتبار عدد القتلى، والخطورة، ومدى الجدية، وإذا كانوا يقومون بمحاكمات بأنفسهم فيجب أن تقف محكمة الجنايات وتقبل بأن ينظروا في شؤونهم بأنفسهم. وإذا لم تكن هناك إرادة أو قدرة على النظر في الأمر داخليا وإذا كان جديا بما فيه الكفاية فيمكن لمحكمة الجنايات النظر في الموضوع.

* ما وقع في سوريا من قتل جماعي خاصة في حماه وجسر الشغور، ألا يستحق تدخلا دوليا ولماذا هذا الصمت الأميركي؟

- في حالة ليبيا تمكنت محكمة الجنايات الدولية من التدخل بسهولة بسبب إجماع وموقف مجلس الأمن حول الموضوع، بالنسبة للمسألة السورية فيمثل موقف روسيا عائقا أمام تمرير مثل هذا القرار في مجلس الأمن، ورغم أننا لا نعمل ضمن مجلس الأمن والجمعية العامة فإنه لا يمكن قبول قضية من طرف المحكمة الجنائية دون موقف واضح من مجلس الأمن. ولكن يعمل المجتمع الدولي بجد للتوصل لقرار يخص الأمر السوري.

* وماذا بشأن المعارضة السورية التي تطالب وبإلحاح تحويل عناصر من النظام السوري لمحكمة الجنايات الدولية؟

- حسب تجربتي الشخصية في قضايا مختلفة تخص أفريقيا لاحظت أن العالم يتجاوب في الغالب مع ضغط المجتمعات المدنية، لذا عليهم ألا يصمتوا وأن يواصلوا مطالبهم بتحقيق العدالة.

* ما رأيكم في الرأي الذي يقول إن الولايات المتحدة تريد الحفاظ على نظام الأسد مع تغيير سلوكه؟

- إن مسألة تغيير نظام لا تخضع بالضرورة إلى تدخل دولي لتحقيقها، وليس على كل دولة أن تعجب الولايات المتحدة الأميركية، نحن نحترم الخيارات الداخلية. وإذا كانت الدول نفسها ترغب في التغيير فهذا ممكن. وإذا كان بإمكان المعارضة تحقيق الديمقراطية والانفتاح، وإذا ما استجابت الحكومة لمطالب شعبها، فهذا ما نريد أن نراه وهذا أفضل بكثير من قتل الناس في الشوارع ومن الثورات.

نريد أن نرى تغييرا سلميا وهذه هي مقاربتي في هذه الوضعية ، نحن نريد تغييرا ودفعا للأمام بدون خسائر. وإذا أتت مطالب التغيير وتجاوبت الحكومة بدون تدخل خارجي فهذا أفضل بالتأكيد.

* أثار الإسراع في اتخاذ حكم تجاه القذافي والمحيطين به العديد من التساؤلات حول عدالة المحكمة الجنائية ، كما أثيرت مسألة التسييس.. ما رأيكم في هذا؟

- أعتقد أن هذا الرأي ليس عادلا، فنحن لا نسيطر أو نؤثر على المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية، وفي حالة ليبيا تم تدخل المحكمة والحكم فيها على أساس التقتيل الذي وقع في الأسبوعين الأولين من الثورة. ومحاكمة ليبيا تمت حسب تصرف واضح للقذافي وجاءت مختلفة تماما عن محاكمة البشير بخصوص دارفور حيث تمت مهاجمة العديد من القرى وعلى امتداد وقت وشملت مواضيع مختلفة. نحن نعلم من المسؤول عما وقع في ليبيا. هذا ما ساعد على اتخاذ قرار بسرعة.

* الإسراع بالنسبة للقضية الليبية، والتباطؤ فيما يخص سوريا ما هو الفرق بين الحالتين بالنسبة لكم؟

- الفرق الأهم بالنسبة لمحكمة الجنايات الدولية هو موقف مجلس الأمن وموقفه من هذه القضايا. وقد تحرك مجلس الأمن بسرعة فيما يخص ليبيا. أما فيما يخص سوريا فالأمور تسير بشكل أبطأ لأنه ليس هناك إجماع حول الموضوع، وكما تعلمون تحتاج الأمور في مجلس الأمن إلى فيتو.

* هل تعتبرون المحاكمة التي تقوم في مصر لمبارك وأبنائه وفي تونس لـ«بن علي» وزوجته محاكمة حقيقية وعادلة، أم هي فقط محاولة لامتصاص الغضب الشعبي وتهدئة الوضع؟

- بن علي ومبارك قضيتهما متشابكة ولا يعتمد الاتهام على القتل الجدي فحسب بل لها علاقة بأمور أخرى تتعلق ببلديهما، فهناك أسباب اقتصادية وقضايا الفساد وليس هذا من اختصاصي. لكن أرى بتوفير محاكمة عادلة ومنح المتهمين فرصة الدفاع عن أنفسهم. ويبدو أن المتهمين في هذه القضايا أيضا لهم تجاوزات في مجال حقوق الإنسان. لكن من الواضح في هذه القضايا أن ضغط الشعب يلعب دوره. ولا يمكنني من موقعي تقييم المحاكمات التي تقع في تونس ومصر، لكن نتمنى تحقيق العدالة.

*المحكمة الجنائية مسيسة وتعمل لصالح السياسات الغربية، ما مدى صحة هذا الموقف؟

- هذا الموقف غير صحيح، فالمحكمة اعتمدت في تأسيسها على مجموعة من الدول المتوسطة، من أوروبا وأميركا الجنوبية ومجموعة من الدول الأفريقية والعربية مثل الأردن ومؤخرا تونس، وأرى أنه ليس من العدل أبدا القول بأنها تعمل من أجل أن تحاكم دول الشمال دول الجنوب. ورأينا المحاكمات بخصوص دول أفريقية كيف تمت. وبالنسبة للمحاكمات الخاصة بالسودان وليبيا فقد تمت بسبب اعتداءات وانتهاكات شملت مجموعة كبيرة من الناس.

* رغم تدخل الولايات المتحدة بالعمل كمراقب أو بالضغط لتطبيق قرارات المحكمة الجنائية، لماذا لم تنضم إليها بعد؟

- نحن نتحرك ببطء شديد في هذا الاتجاه، ولا تعتبر المحكمة الجنائية جزءا من الأمم المتحدة، ومن أجل الانضمام إليها نحتاج إلى تصويت من مجلس الشيوخ بنسبة ثلثين على الأقل، ولم نحقق ذلك بعد. وقد يتم تحويل قضايا للمحكمة للنظر في بعض حالات أخطاء الجنود.

ورغم عدم انضمامنا فنحن فخورون بجهودنا وما قدمناه لمحكمة الجنايات والمساعدة التي قدمناها في حالة يوغوسلافيا ورواندا، وما زلنا نراقب عمل المحكمة الدولية وننتظر خطوات أكبر في مجال حماية الشهود مثلا. ونحن نتعاون بشكل كبير مع محكمة الجنايات ونساعدها بشكل مستمر.

* ما مدى نجاعة القرارات التي تصدرها محكمة الجنايات الدولية إذا لم تتمكن من تطبيقها؟

- تمكنا في السابق من إيقاف سلوبودان ميلوسوفيتش وتايلور، وقد يتطلب تطبيق القرارات بعض الوقت، وبالنسبة للبشير مثلا فإنه لا يمكنه السفر إلى حيثما يريد وأكيد سيتم إيقافه يوما ما، لكن المطلوب هو تعاون الشعوب والضغط لتحقيق هذه القرارات. ولا تمتلك محكمة الجنايات جهاز شرطة وليس لديها القوة لتطبيق قراراتها.