غوردون براون يجد ضالته في الفضيحة ويشن هجوما لاذعا على صحافة «المجاري»

مردوخ وابنه ومديرته التنفيذية ربيكا بروكس يمثلون أمام لجنة برلمانية يوم الثلاثاء وقاض متمرس يترأس لجنة التحقيق

مردوخ (إ.ب.أ)
TT

رئيس وزراء بريطانيا السابق غوردن براون وجد ضالته في فضيحة التنصت، التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم مع مزيد من الاعتقالات والتحقيقات وتنصيب قاض متمرس متخصص في الادعاء القضائي، بعد أن أثيرت علامات استفهام كثيرة حول حنكته السياسية كرئيس للوزراء. براون أيضا وعلى الرغم من هجومه متهم بالنفاق بسبب علاقات صداقة قديمة تجمعه مع مؤسسة روبرت مردوخ وخصوصا صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» ورؤساء تحريرها مثل اندي كولسون وربيكا بروكس. ووصف في خطابه أمام البرلمان مؤسسة «نيوز إنترناشونال» بانها «رابطة إعلامية مجرمة منخرطة في خروقات قانونية على نطاق واسع». ووصفت الصحافة براون، بعد أن وقف في البرلمان يلقي خطابا طال إلى 32 دقيقة، «بالثور الهائج».

جاء خطاب براون على خلفية ما نشرته صحيفة «الغارديان» بأن «نيوز أوف ذي وورلد» وكذلك صحيفة «الصن» حصلتا على معلومات طبية بخصوص ابنه فريزر بأنه كان يعاني من مرض تشمع المثانة. وكانت ربيكا بروكس آنذاك رئيسة تحرير صحيفة «الصن»، وأنها اتصلت بمقر رئاسة الوزراء تخبر براون وزوجته سارة بأن الصحيفة ستقوم بنشر قصة تتناول مرض ابنه.

وأمس ادعت «الصن» أن زوجة براون وافقت على نشر القصة حول مرض ابنها، وأن القصة نشرت بعد الاتصال برئيس الوزراء السابق وزوجته. وقالت الصحيفة بأن مصدر القصة هو شخص آخر يعاني ابنه من نفس المرض. وعرضت التلفزيونات أمس تسجيلا للشخص، إلا أنه استخدم صوت شخص آخر حتى لا تنكشف هويته.

وفي الأول من أمس عبر براون عن حزنه وحزن زوجته وقال إن ابنه، سيتمكن يوما ما من الاطلاع على هذه التقارير، مضيف أن دموعه ودموع زوجته انهمرت لدى معرفتهما بالأمر. كما ادعت بعض التقارير أن أشخاصا قاموا بانتحال شخصيته وتمكنوا من الحصول على تفاصيل حسابه البنكي وثمن الشقة التي اشتراها في وسط لندن عندما كان وزيرا للخزانة، وكان الصحيفة تريد معرفة إذا اشترى براون الشقة بسعر مخفض.

وانكشفت هذه التفاصيل خلال اليومين الأخيرين، بعد أن فتح الباب على مصراعيه قبل أسبوع وانكشاف حجم الفضيحة التي تلف صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد».

وصعد غوردون براون، في أول خطاب له أمام البرلمان منذ أكثر من عام بعد أن خسر حزبه الانتخابات البرلمانية العامة، في هجومه على مؤسسة «نيوز أوف ذي وورلد»، قائلا إن الصحيفة تدعي أنها تنحاز إلى جانب القانون، لكن من الواضح أنها «تنحاز إلى جانب المجرمين ضد عامة الناس».

ويزعم أن ما يقرب من 4 آلاف شخص قد تعرضوا «للاستهداف» من خلال القرصنة على هواتفهم من قبل موظفين في «نيوز إنترناشيونال»، خصوصا صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد». وأوضح تحقيق تجريه الشرطة حاليا أنه تم التنصت على 5 آلاف هاتف أرضي و4 آلاف هاتف جوال. عمليات التنصت الواسعة النطاق مورست على شخصيات منذ بداية العقد الأول من القرن الحالي.

وقامت الشرطة بحملة من الاعتقالات بعد الضجة التي سببها تقرير صحيفة «الغارديان» الأسبوع الماضي، الذي وسع من رقعة الفضيحة التي استمرت لفترة طويلة والتي استهدفت في البداية شخصيات في عالم الملكية والسياسة والمشاهير، مع الكشف عن أن الصحيفة تنصتت على الهاتف الجوال الخاص بفتاة مراهقة تدعى ميلي داولر كانت قد تعرضت للاختطاف والقتل عام 2002، وكانت ربيكا بروكس هي رئيسة التحرير في ذلك الوقت.

وأضاف غوردون براون في خطابه أن الصحيفة «باعت واشترت خصوصيات وشعور ودموع الأبرياء من أجل مكاسب تجارية. هذا لم يكن فقط نتيجة سلوك بعض المارقين أو الذين يعملون في الصحيفة بالقطعة، لقد مورس ذلك على نطاق واسع من خلال اعتماد الصحيفة على أشخاص يعملون في عالم الجريمة».

وأمس ذكرت تقارير أن الشخص الذي حصل على معلومات حول شقة غوردون براون هو شخص اسمه باري بيردول، 63 عاما، الملقب بـ«باري حقيبة الأوراق»، والذي كان يعمل لدى «صنداي تايمز»، شقيقة «نيوز أوف ذي وورلد». وتبين أمس أنه صديق مقرب من جوناثان ريس الذي اتهم بقتل شريكة حياته عام 1987، وكان قد التقى الاثنان في السجن عندما حكم على باري بيردول بالسجن سبع سنوات في عملية تهريب كحول.

واتهم غوردون براون الصحيفة بأنها «تنحدر أكثر وأكثر في مستنقع المجاري، لكنها للأسف تقوم باستقطاب الكثير من الجرذان إلى هذه المجاري».

ودافع براون عن قراره عندما كان رئيس للوزراء عام 2009 بعدم فتح تحقيق قضائي بالتنصت. لكن بعض أعضاء حزب المحافظين الحاكم هاجموا براون واتهموه بالنفاق. وتساءل جيكوب ريس موغ حول خطاب براون الأخلاقي، وذكره بمساعده الخاص ديميان ماكبرايد الذي كتب رسائل إلكترونية يبين فيها أنه يريد أن يلطخ سمعة بعض أعضاء حزب المحافظين. وقال غراهام ستيوارت، عضو آخر من حزب المحافظين، إن أعضاء من حزب العمال تآمروا مع «نيوز إنترناشونال» من أجل تلطيخ سمعة لورد اشكروفت.

وبعد الحوار الفتوح والساخن صوت أعضاء البرلمان من جميع الأحزاب الرئيسية، المحافظين والديمقراطيين الأحرار في الحكومة الائتلافية، وأيضا حزب العمال المعارض ضد صفقة الاستحواذ على أسهم «بي سكاي بي». إلا أن المعارضة هاجمت ديفيد كاميرون لأنه لم يحضر جلسة البرلمان بعد الظهر. وقال زعيم حزب العمال الذي يقال إنه أبلى بلاء حسنا هذا الأسبوع وسجل أهدافا ضد خصمه إن رئيس الوزراء هرب خوفا من الحوار المعمول به حسب التقليد في البرلمان بين الحكومة والمعارضة. وردت الحكومة قائلة إن رئيس الوزراء مشغول جدا «إنه يدير البلاد، وهناك قضايا أخرى مهمة عليه التعامل معها، مثل أزمة اليورو».

وأعلن كاميرون اسم القاضي الذي سيقوم بالتحقيق في الفضيحة، وتلقى الجميع أخبار الإعلان بارتياح، كون اللورد بريان ليفيسون يتمتع بشهرة قانونية واسعة ويحمل لقب «محامي الملكة» وهو متمرس في قضايا الادعاء، وكانت من أشهر مرافعاته كمدع عام ضد روز ويست التي قتلت أكثر من عشر نساء وحوكمت عام 1995. وسيعمل تحت أمرته مجموعة من خبراء الإعلام والسياسة القانون، وسيقوم بالنظر في العلاقات بين المؤسسات الإعلامية والسلطات السياسية، وقد أعطي سلطات خاصة تخوله أن يستدعي من يشاء من سياسيين وصحافيين ورجال شرطة أو أي شخص آخر له علاقة من بعيد أو قريب مع الفضيحة. التحقيق سيكون شائكا وواسعا وأكبر مما صرح به رئيس الوزراء الأسبوع الماضي.

وكان قد أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تتزامن مع التحقيق التي تجريه الآن الشرطة. وقال رئيس الحكومة غداة الإعلان عن إقفال الصحيفة، «لن نهمل شيئا». وقد طالبت المعارضة وعدد من النواب بإنشاء هذه اللجنة منذ أيام بعد الجدل الذي أثارته المعلومات الأخيرة حول عمليات تنصت مارستها الصحيفة على أقرباء ضحايا جرائم قتل وجنود قتلوا في العراق وأفغانستان. وأعلن كاميرون أيضا فتح تحقيق آخر حول أخلاقيات الصحافة وثقافتها، معترفا بالتقصير من قبل لجنة مراقبة وسائل الإعلام، وهي الهيئة الحالية لتنظيم عمل الصحافة. وقال كاميرون أمام البرلمان إنه يريد من القاضي أن يبدأ في التحقيق حالا وسيبدأ بمساءلة من يراه مناسبا بعد تأدية اليمين، مما يعني أنهم ملتزمون أمام القانون بعدم الحنث به. وإذا كذب أحدهم فان ذلك يعني عقوبة السجن.

ومن الشخصيات التي يقال إنه سيستدعيها للمثول أمام لجنة التحقيق بيرز مورغان رئيس تحرير «ديلي ميرور» السابق الذي أصبح أحد أهم المشاهير بعد أن أصبح نجما تلفزيونيا في برامج مثل «إكس فاكتور» والبرنامج الحواري الذي يقدمه في الولايات المتحدة بدلا من الشهير لاري كينغ. وكان قد كتب في مذكراته أن ممارسة التنصت على التلفونات من قبل محققين خاصين في عالم الصحافة منتشرة إلى حد كبير.

وأمس تأكد أن ربيكا بروكس المتهمة الرئيسية في قضية التنصت سوف تمثل أمام لجنة برلمانية للإجابة عن بعض الأسئلة بخصوص الفضيحة ودورها فيها، على الرغم من نفيها المستمر بأنها لم تكن على علم بذلك، خصوص التنصت عام 2002 على هاتف الضحية ميلي داولر، التي فجرت قصتها الفضيحة.

وكانت اللجنة قد طلبت من بروكس وروبرت مردوخ وابنه جيمس، الرئيس التنفيذي لـ«نيوز إنترناشونال»، المثول أمام اللجنة يوم الثلاثاء المقبل. وقالت اللجنة أمس إن الطلب غير ملزم لروبرت مردوخ أو ابنه جيمس لأنهما لا يحملان الجنسية البريطانية، أما بروكس فقد تجبر على ذلك. وقالت متحدثة باسم اللجنة إن هذه فرصة لروبرت مردوخ وابنه أن يقبلا طوعا المثول أمام اللجنة البرلمانية، خصوصا أنهما يدعيان التعاون حول التحقيق بالقضية.

ووافق مردوخ وابنه جيمس أمس على تقديم أدلة للجنة البرلمانية في بريطانيا الأسبوع المقبل حول القضية. وقال بيان من شركة «نيوز كوربوريشن» أمس الخميس: «نعكف على الكتابة إلى اللجنة المختارة، والنية أن السيد جيمس مردوخ والسيد روبرت مردوخ سيحضران اللقاء المقرر عقده الثلاثاء المقبل». وكان الرجلان قد قالا في وقت سابق إنهما لن يحضرا. ولكن جرى توجيه استدعاء إليهما لفعل هذا.

وفي تطور آخر استقال أمس محامي صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» توم كرون، الذي كان يقدم النصيحة للصحافيين حول قصصهم، والتأكد من عدم اقترافهم أي تشهير ضد أشخاص أو خروقات قانونية أخرى. وكان قد عمل كرون لمدة 26 عاما في هذه المهنة في الصحيفة، ولكن هناك تكهنات حول ما إذا كان قد استقال فعلا كما قيل، أو أنه أجبر على الاستقالة. وكان قد صرح بعض خبراء المهنة قائلين بأن كرون محام متمرس خصوصا في القضايا الصحافية.

وأمس قالت الشرطة البريطانية إنها اعتقلت مشتبها به آخر في إطار تحقيقاتها في الفضيحة. وقالت إنها اعتقلت الرجل وعمره 60 عاما من مقر إقامته في لندن للاشتباه في تآمره للتنصت على اتصالات هاتفية ويجري استجوابه في مركز للشرطة بغرب لندن. وهو تاسع شخص يعتقل منذ بدء التحقيق في الفضيحة في يناير (كانون الثاني) الماضي. وتحقق الشرطة في مزاعم بأن صحافيين في الصحيفة التي توقفت عن الصدور الآن تنصتوا على هواتف أعضاء في الأسرة المالكة وسياسيين ومشاهير وأيضا ضحايا الجرائم ومنها جرائم قتل أطفال وضحايا تفجيرات لندن عام 2005 للتنصت على الرسائل الصوتية. وفي الأسبوع الماضي اعتقلت الشرطة اندي كولسون رئيس التحرير السابق للصحيفة الذي أصبح كبير المستشارين الإعلاميين لديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني قبل أن يستقيل في يناير.

ومع تطورات الفضيحة والتصويت الذي كان متوقعا في البرلمان ضد صفقة الاستحواذ تراجعت شركة «نيوز كوربوريشن» الإعلامية التابعة لروبرت مردوخ عن طلبها للاستحواذ على قناة «بي سكاي بي» الفضائية البريطانية. وجاء الإعلان المفاجئ قبل ساعات من تصويت بالبرلمان يطالب قطب الإعلام بالتخلي عن طلبه المثير للجدل. وكان مردوخ (80 عاما) يخطط للسيطرة الكاملة على القناة البريطانية التي تبث برامجها بالاشتراك، والتي يملك نسبة 39 في المائة منها حاليا. وقد أحيلت الصفقة التي تبلغ قيمتها 8 مليارات جنيه استرليني (7ر12 مليار دولار) إلى لجنة المنافسة في بريطانيا. ورحبت الحكومة البريطانية على الفور بقرار مردوخ بسحب طلبه، الذي أصبح غير مقبول على نحو متزايد في أعقاب فضيحة القرصنة على الهواتف التي تورطت فيها صحف تابعة لمردوخ في بريطانيا.