أميركا تتعقب مطلوبيها في الخارج بنظام بيومتري لا يخطئ أي وجه

جمع بيانات أعداد ضخمة من الناس في أفغانستان والعراق.. ومخاوف من سوء استغلالها مستقبلا

جندي يُخضع رجلا لمسح بيومتري في أفغانستان
TT

عندما قامت حركة طالبان بحفر شبكة أنفاق تحت أكبر سجن في جنوب أفغانستان خلال الربيع الماضي، بدأ سعي حثيث بهدف إلقاء القبض على 475 سجينا هاربا. وهناك أمر واحد ساعد على جعل هذه المهمة أكثر سهولة، فقبل شهر واحد من الهروب الذي وقع في أبريل (نيسان)، قام مسؤولون أفغان باستخدام تقنية حصلوا عليها من الولايات المتحدة لتسجيل مسح للأعين وبصمات الأصابع وصور لأوجه كل مسلح ومعتقل جنائي داخل سجن «ساربوزا» العملاق.

وبعد أيام من الهروب العنيف تم القبض على نحو 35 هاربا في نقاط تفتيش داخل البلاد وعلى الحدود، وأعيدوا إلى السجن بعد التثبت من هوياتهم عبر ملفات بيومترية.

وألقي القبض على أحد الهاربين عند نقطة تفتيش مرورية عادية على بعد أقل من ميلين من قريته، وألقي القبض على آخر عند نقطة تجنيد محلية، حيث كان يحاول التسلل إلى صفوف القوات الأمنية الأفغانية.

لقد عمل الجيش الأميركي مع هيئات محلية، في إطار جهد طموح، من أجل تسجيل معلومات بيومترية خاصة بعدد كبير من الأفراد داخل أفغانستان والعراق، ولا سيما من هم في سن القتال. ووضعت المعلومات الخاصة بأكثر من 1.5 مليون أفغاني على قواعد بيانات تستخدمها قوات أميركية ومحلية وأخرى تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو). وعلى الرغم من أن هذا الرقم يشمل واحدا من كل 20 مواطنا أفغانيا، فإن النسبة تصل تقريبا إلى واحد من بين كل ستة ذكور في سن القتال، أي من تتراوح أعمارهم بين 15 عاما و65 عاما.

وفي العراق تم تسجيل بيانات عدد أكبر من المواطنين ونسبة أكبر من السكان، حيث جُمعت بيانات عن قرابة 2.2 مليون عراقي، أي ما يعادل واحدا من بين كل 14 مواطنا، وما يعادل واحدا بين كل أربعة ذكور في سن القتال. ومن أجل الحصول على هذه المعلومات، يقوم جنود وضباط شرطة بإجراء مسح للأعين والتقاط صور للوجه وأخذ بصمات الأصابع. ويجب أن يخضع كل المعتقلين والسجناء لعمليات المسح هذه في العراق وأفغانستان. وينطبق نفس الأمر على السكان المحليين الذين يقدمون طلبات للالتحاق بوظيفة حكومية، لا سيما في القوات الأمنية والشرطة والمنشآت الأميركية. وقد يضطر المواطن في أفغانستان أو العراق إلى قضاء كل الوقت داخل قرية محلية ولا يسعى يوما للعمل في وظيفة حكومية ليتجنب المرور على مكان به نظام فحص بيومتري.

الشيء المختلف عن بصمات الأصابع التقليدية أن الحكومة تستطيع فحص الملايين من الملفات الرقمية في ثوانٍ، حتى داخل نقاط التفتيش النائية، وذلك باستخدام أجهزة محمولة في اليد منتشرة على نطاق واسع بين صفوف القوات الأمنية. وعلى الرغم من أن هذا النظام جذاب لهيئات تطبيق القانون الأميركية، فإن هناك اعتراضا سياسيا وقانونيا على القيام بذلك مع المواطنين الأميركيين بصورة روتينية.

وقد ناقشت الكثير من هيئات تطبيق القانون المحلي وعلى مستوى الولايات الفيدرالية الفحص البيومتري، وأنفقت الكثير من الهيئات المال على أجهزة تحمل في اليد. ولكن الاستخدامات المقترحة محدودة بدرجة كبيرة، وتُطرح تساؤلات عن الحقوق الدستورية للسرية والحماية من عمليات البحث من دون وجود إخطارات بهذا.

وفي أفغانستان والعراق توجد بعد الشكاوى، ولكن نادرا ما تكون لأسباب معروفة للأميركيين كقضايا الحقوق المدنية. وعلى وجه التحديد فإن أفغانستان دولة لا توجد بها شهادات مواليد ولا رخص قيادة سيارة ولا أرقام تأمين اجتماعي، كما أن بها سوقا سوداء مزدهرة لأوراق الهوية الوطنية المزورة. ويخشى بعض الأفغان من أنه في المستقبل ستستخدم قواعد البيانات البيومترية المتنامية كسلاح للانتقام العرقي أو القبلي أو السياسي. وحتى المسؤولون الأفغان الذين يدعمون البرنامج يرغبون في تولي المسؤولية عنه بأنفسهم، بدلا من أن يقوم الأميركيون بذلك.

ويقول الجنرال مارك مارتينز، قائد قوة حكم القانون الميدانية الجديدة التابعة للجيش داخل أفغانستان: «يتعين وجود سياسات مسؤولة وسليمة وإشراف على عملية إدراج البيانات الشخصية وعملية تخزينها واستخدامها وتبادلها». ولكنه يؤكد على أن هذه النظم البيومترية «يمكن أن تحد من الاحتيال والفساد وتجعل مسؤولية تطبيق القانون على أساس أفضل معتمدا على الأدلة وتحسن من الأمن بدرجة كبيرة».

لقد كان المسح الفوري باستخدام أجهزة كومبيوتر لقزحية العين حكرا على أفلام الخيال العملي، وكان الاستخدام الفعلي لتقنيات تحديد الهوية البيومترية خارج الولايات المتحدة محصورا على هيئات استخباراتية ووحدة كوماندوز تعقب القتلة النخبوية التابعة للجيش وذلك لأعوام.

ولكن انتشر حاليا جيل جديد من أجهزة بيومترية تحمل في اليد داخل الجيش الأميركي. ويقول سيرجينت ميجور روبرت هيمرلي، من الفرقة المشتركة رقم 435: «تستطيع تقديم بطاقة هوية مزورة، ويمكن أن تحلق لحيتك، ولكنك لا تستطيع تغيير بياناتك البيومترية». وتقوم الفرقة بعمليات اعتقال وعمليات قضائية وبيومترية، وهي مسؤولية من المقرر نقلها إلى الحكومة الأفغانية.

وتنفق وزارة الدفاع نفقات ضخمة على برامج بيومترية، وحددت بـ3.5 مليار دولار من العام المالي 2007 حتى العام المالي 2015، وفقا لمكتب المساءلة الحكومية. وكانت وحدة تابعة للبحرية الأميركية في الفلوجة أول من اختبرت فكرة توسيع المعلومات البيومترية لتطبق على نطاق واسع في ساحة المعارك عام 2004، وقد كانت الفلوجة معقلا للمسلحين بمحافظة الأنبار داخل العراق. وأحيط هذا الملاذ الآمن للمتمردين بسور، ولم يكن يسمح بالدخول أو الخروج سوى لمن يخضعون للفحص البيومتري.

وفي أواخر 2004، سمح لمسلح عراقي بالدخول إلى قاعدة أميركية في الموصل ثم فجر حزاما ناسفا وقتل 22 داخل خيمة لتناول الطعام، ولذا أمر قادة عسكريون بوضع برنامج تحديد هوية للعراقيين ومواطني الدول الأخرى الذين يدخلون منشآت أميركية.

وبعد مراجعة هذه الجهود عندما تولى القيادة داخل العراق عام 2007 قام الجنرال ديفيد بترايوس بزيادة الفحص البيومتري داخل منطقة الحرب ليوازي الزيادة في عدد الجنود الأميركيين.

وأثنى الجنرال بترايوس على هذه التقنية لأنها ساعدت على فصل المتمردين عن المواطنين الذين يسعون للاختباء بينهم، كما أنها قوضت من عمل خلايا تصنع قنابل محلية الصنع يزرعونها على جوانب الطرقات، وقد كان هذه أكثر وسيلة توقع قتلى بين صفوف الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان. ويمكن أخذ بصمات الأصابع وغيرها من التفاصيل التشريحية من قنبلة أبطل مفعولها أو من البقايا بعد وقوع تفجير ومقارنتها بملفات بيومترية خاصة بمعتقلين سابقين أو مشتبه فيهم أو مسلحين معروفين.

وقال الجنرال بترايوس، الذي سيتقاعد قريبا من منصبه كقائد أعلى داخل أفغانستان ويتولى إدارة الاستخبارات المركزية: «في الواقع لا يمكن تفنيد هذه البيانات، وقد كانت بصورة عامة مفيدة في تحديد هوية المسؤولين عن جهاز ما في هجوم بعينه، وساعدت في عمليات الاستهداف التالية». وأضاف: «بناء على تجربتنا، أيدت ذلك بقوة داخل أفغانستان أيضا، وقد اعترفت السلطات الأفغانية بقيمة هذه النظم وبدأوا يعتمدونها».

ويشير مسؤولون في الجيش إلى أن النظم الجديدة التي تستخدمها وحدات أفغانية وأميركية وأخرى تابعة للتحالف لا تنقل البيانات بين بعضها. وتواجه الأجهزة المحمولة في اليد مشكلات بسبب الحرارة الشديدة أثناء الصيف في أفغانستان. وتتحطم الشاشات عندما يسقط الجهاز. ولكن تم تجاوز تحدٍّ كبير في نشر الأجهزة اليدوية بين القوة الأمنية الأفغانية التي تعاني من الأمية عندما غيرت نظم التشغيل من الإنجليزية إلى نظم يسهل تعلمها تحتوي على أوامر مشفرة بألوان معينة.

* خدمة «نيويورك تايمز»