أشكال جديدة من الاحتجاج تحرج الدول السوفياتية السابقة قانونيا

التصفيق ورنين الهواتف في بيلاروسيا.. والرقص وعروض المبارزة في أذربيجان

TT

في الوقت المحدد لتنظيم احتجاجات ضد الحكومة في عاصمة بيلاروسيا مساء الأربعاء الماضي، كان عدد كبير من ضباط الأمن بلباس مدني ينتظرون في ميدان ياكوب كولاس لمنع تلك الاحتجاجات. لكن كان من الصعب عليهم تحديد المشاركين في تلك المظاهرات من بين مستخدمي ألواح التزلج والعمال والموظفين الشباب والجدات اللاتي لا يبدو على وجوههن أي تعبير. لم تكن هناك مقاعد شاغرة في المتنزه، وسرعان ما شُغلت الحواف الحجرية، لكن لم يكن النشطاء يقومون بأي شيء التزاما منهم بالتعليمات التي نشرت على أحد المواقع الإلكترونية، فقط كان ينبعث من هواتفهم الجوالة في الثامنة مساء إما أصوات رنين أو صفير أو موسيقى.

كان كل ذلك شكلا من أشكال الاحتجاج، وكان الضباط الذين يرتدون لباسا مدنيا يلتقطون صورا بآلات تصوير الفيديو لوجوه كل الأشخاص الموجودين في المتنزه، وأجبروا بعض المتظاهرين على ركوب الحافلات وسط صراخهم ومقاومتهم. لكن المتظاهرين امتنعوا في سادس احتجاج من الاحتجاجات الأسبوعية، التي تتم من خلال التصفيق، عن التصفيق، مما جعل كلا من الشرطة والنشطاء يواجهون أسئلة صعبة: هل يمكن اعتقال أناس لأن هواتفهم ينبعث منها أصوات رنين؟ وإذا كان من الصعب تحديد المشاركين في الاحتجاج، فهل يكون ذلك احتجاجا؟

فقد السياسيون مكانتهم وتواصلهم مع الشارع في الكثير من دول الاتحاد السوفياتي السابق، حيث فقدت المعارضة السياسية حيويتها، وظهرت أشكال مبتكرة من الاحتجاج، لكن لم يستطع أي منها أن يحث عددا كبيرا من الناس على التظاهر أو أن يمثل تهديدا حقيقيا للنخب الحاكمة. ومع ذلك جذبت هذه الأشكال الشباب إلى بدائل غير محددة للإضراب عن العمل ومنع الآخرين عن ممارسته والهتاف، التي كان يلجأ إليه الجيل الأكبر، التي تتم الدعوة إليها من خلال المواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت. ويجعل هذا من الصعب معاقبة المشاركين.

هناك في روسيا نشطاء «الدلاء الزرق» الذين يضعون ألعاب الشاطئ البلاستيكية على سياراتهم (أو رؤوسهم) احتجاجا على المزايا المرورية التي يحصل عليها المسؤولون الحكوميون، حيث يتم تزويد سياراتهم بأضواء زرقاء وامضة. وفي أذربيجان التي يتم دفع المحتجين فيها سريعا بحيث يصبح التجمع شبه مستحيل، يظهر بعض الناس فجأة لتقديم عروض مبارزة أو أداء رقصات شعبية.

ونتيجة للمناخ السياسي في أوكرانيا، التي تعد أكثر تسامحا، ظهرت مجموعة «فيمين» المكونة من شابات يدافعن عن قضايا مثل إصلاح نظام المعاشات من خلال تعرية أثدائهن أمام العامة. وتم القبض على امرأة في أبريل (نيسان) الماضي لأنها كانت تتجه نحو نصب الحرب العالمية الثانية التذكاري في العاصمة كييف، لتقلي بيضا ونقانق على الشعلة الخالدة.

ويقول علماء الاجتماع عن مثل هذه الأفعال إنها «إشكالية» لأنها تجبر السلطات على الاختيار بين بديلين كلاهما بغيض وكريه، فإما التراجع والسماح بمثل هذه الممارسات على أمل أن ينتج عنها في ما بعد شيء ذو قيمة، أو إيقاع عقاب صارم بهؤلاء الذين يقومون بمثل هذه الأفعال التي تبدو سلمية وغير ضارة.

ويمكن أن يؤدي الخيار الثاني إلى رد فعل انتقامي من الجماهير، مثلما حدث عندما حكمت سلطات أذربيجان على من يطلق عليهم «مدوني الحمير» بعامين في السجن، أو عندما أقامت السلطات الروسية دعوى قضائية ضد فوينا، الذي ينتمي إلى إحدى المجموعات الفنية المتطرفة، بسبب رسمه عضوا ذكريا ارتفاعه 210 أقدام على جسر سان بطرسبرغ.

تبنت بيلاروسيا النهج الصارم، حيث بلغ عدد الأفراد الذين اعتقلتهم قوات الشرطة منذ يونيو (حزيران) الماضي 1830، عندما دعت مجموعة صغيرة من النشطاء يقيمون في المنفى إلى احتجاجات التصفيق، على حد قول تاتيانا ريفياكو، التي تعمل في مؤسسة «فياسنا» لحقوق الإنسان. وتراوحت الأحكام ضد نحو 500 منهم بين 5 و15 يوما، على حد قولها.

لقد أدى هذا التنكيل والعنف إلى قدر كبير من العبثية؛ فمع اقتراب يوم استقلال بيلاروسيا الموافق 3 يوليو (تموز)، عقد رئيس شرطة منسيك، إيغور يفسيف، مؤتمرا صحافيا صرح خلاله بأنه لن يتم عقاب المواطنين بسبب تصفيقهم تحية للجنود وقدامى المحاربين. لكن أدين أحد المشاركين في احتجاجات التصفيق ذلك اليوم واسمه كونستانتين كلابين، ويبلغ من العمر 36 عاما. وقال أثناء المحاكمة إنه لم يكن قادرا على التصفيق، على عكس ما شهد به ضابط الشرطة، لأنه ليس لديه سوى ذراع واحدة.

ومن المحتجين الآخرين غالينا غونتشاريك (68 عاما)، التي شاركت في احتجاجات الأسبوع الماضي، وكانت حيثيات الحكم الذي توصل إليه قاضي مينسك بعد القبض عليها بتهمة التصفيق يوم 3 يوليو، هي التعبير بتبجح وبصوت عال واستخدام ألفاظ غير لائقة غير مصرح بها والتلويح بيديها والتصرف بطريقة مستفزة وعدم الالتزام بالتعليمات وتكدير النظام العام والسلم الأمني وعدم احترام المجتمع.

وقالت إن هذه الدعوى القضائية قد أذهلت أقاربها وجيرانها الذين يعدون من أشد أنصار الحكومة. وقالت غالينا التي صدر الحكم ضدها خلال محاكمة استغرقت 10 دقائق والتي دفعت غرامة قدرها 175 دولارا: «كان الجميع يضحكون»، عندما سمعوا الاتهامات، مشيرة إلى دهشتهم وقولهم متسائلين: «هل جن جنون هؤلاء؟».

لم يوضح كونستانتين شالكيفيتش، المتحدث باسم وزارة داخلية بيلاروسيا، عدد الذين تم إلقاء القبض عليهم يوم الأربعاء، وقال إن قوانين بيلاروسيا تسمح للشرطة باعتقال المواطنين لمدة 3 ساعات دون سبب. وقال إن الطريقة التي استخدمها المحتجون غير مناسبة من وجهة نظر الشرطة. وقال شالكيفيتش: «سواء كان الاحتجاج بالتصفيق أو رنين الهواتف الجوالة أو أي طريقة أخرى مشابهة، فجميعها سواء. أي فعالية يتم تنظيمها في مينسك تعد إضرارا بالنظام العام. الذين ينظمون مثل هذه الفعاليات بعيدين عن بيلاروسيا». وأضاف: «لدينا السلطة والوسائل التي تضمن الحفاظ على الأمن والنظام في مينسك. وهذا هو واجبي». لقد كان لعمليات القبض على المحتجين تأثير مخيف، لهذا أعد منظمو الاحتجاج خططهم المرحلية خلال الأسبوع الحالي، حيث أوصوا المشاركين بعد التصفيق، بل بضبط خاصية التنبيه في هواتفهم الجوالة على الساعة الثامنة مساء.

كان هدف هذه الطريقة هو الحد من عدد الحالات التي يتم إلقاء القبض عليها، وقد أتت ثمارها بالفعل. لكن في الثامنة مساء، لم تكن أصوات منبهات الهواتف الجوالة مسموعة بسبب الضوضاء في الشارع وبمرور الوقت توقفوا، وبعد دقيقة بدا كل ذلك وكأنه لم يكن.

أصيبت أولغا تاتارينوفا، الصحافية البالغة من العمر 23 عاما، بالإحباط. لقد ظهرت في الميدان وهي تغامر بالتعرض للقبض. وقالت إنها كانت تضرب بقدميها على الأرض، لكن لم يسمعها أحد. وقالت شابة تبلغ من العمر 27 عاما وتدعى ماكسيم بولسوف، التي كانت تغطي وجهها بين الحين والآخر بوشاح: «لقد كان الجميع يشعرون بالخوف. نحن بحاجة لتلقي التدريب على عدم الشعور بالخوف».

وكان الناس في محيط الميدان يسيرون جيئة وذهابا، فمنهم من يعود إلى منزله قادما من عمله. وتعاني بيلاروسيا من الأزمة المالية بشكل كبير. ومن أسباب ذلك السياسات الاقتصادية التي كان يتبعها الرئيس ألكسندر لوكاشينكو والتي كانت على نسق سياسات الاتحاد السوفياتي. فقد حاول لوكاشينكو، الذي يتولى السلطة منذ عام 1994، أن يزيد شعبيته من خلال زيادة الأجور وتقديم قروض بمعدل فائدة منخفض. وأدى ذلك إلى انخفاض قيمة الروبل البيلاروسي، ومن ثم بدأ الناس في ادخار بطاقات الطعام المدعمة والاصطفاف لتحويل أصولهم إلى عملة صعبة. لكن الصيف من المواسم الهادئة، حيث يقضيه أغلب السكان في شاليهات في الغابات. ولم تجذب الاحتجاجات بالتصفيق الكثيرين سواء من العامة أو عمال المصانع الذين يمثلون دائرة انتخابية هامة.

* خدمة «نيويورك تايمز» ويعود هذا بشكل ما إلى عدم تقديم الشباب المنظم لمثل هذه الاحتجاجات علاج للمشكلات الاجتماعية التي تتزايد يوما تلو الآخر على حد قول أناتولي ليبدكو، أحد قادة المعارضة الذي قضى 4 أشهر في السجن بسبب المشاركة في مظاهرات في أعقاب الانتخاب الرئاسية التي أجريت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وقال ليبدكو: «يريد هؤلاء الشباب المزيد من الحرية، لكن لن يقنع هذا العمال في مصانع آلات الجر. علينا التوصل إلى بعض الإجابات عن سؤال هام؛ ألا وهو: ما الذي ينبغي علينا فعله؟».