الملف الكردي ينفتح على مصراعيه بعد إعلان «الحكم الذاتي الديمقراطي» في ديار بكر

أوزجان لـ «الشرق الأوسط»: لم يعد من مجال.. إلا الحل العسكري

TT

ربما كان وقع مقتل 13 جنديا تركيا على أيدي مقاتلي حزب العمال الكردستاني، أقل على الحكومة التركية من التصريحات التي صدرت عن السياسيين الأكراد في مقاطعة ديار بكر، الذين أعلنوا أنفسهم أصحاب «حكم ذاتي ديمقراطي»، من دون العودة إلى السلطة المركزية في أنقرة، في تصعيد غير مسبوق منذ «الهدنة» التي تلت اعتقال زعيم «الكردستاني» أواخر التسعينات. وهو تصعيد يفتح الباب أمام احتمالات كثيرة وخطيرة وفق الكثير من المراقبين الأتراك.

ففي حين كانت المؤسسة العسكرية التركية تلملم جراحها بعد مقتل العسكريين الـ13 وإصابة 17 آخرين، في أكبر تصعيد للمتمردين الأكراد، تلقت المؤسسة السياسة ضربة لا تقل خطورة باجتماع 850 شخصية كردية في مقاطعة ديار بكر جنوب البلاد، بينهم 30 نائبا منتخبا في البرلمان التركي، وأعلنوا «الحكم الذاتي الديمقراطي» بعد أن فشلت محادثاتهم مع حزب العدالة والتنمية في التوصل إلى صيغة حل لقضية النواب الـ5 المعتقلين من الحزب، الذين ترفض المحاكم التركية إخلاء سبيلهم، على الرغم من انتخابهم نوابا في يونيو (حزيران) الماضي، بالإضافة إلى سادس أسقطت عضويته لـ«عدم الأهلية»، باعتبار أنه نال حكما بالسجن 20 عاما قبل الانتخابات، وهو ما عقد المفاوضات بين الحزبين، باعتبار أن خروج المرشح خطيب دجلة من السجن ودخوله البرلمان «غير ممكن وغير قابل للنقاش» كما قال مسؤول في حزب العدالة والتنمية لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن النواب الـ5 الباقين يمكن أن يتم النظر في وضعهم بنفس الطريقة التي تم التعامل بها مع النواب المعتقلين من حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية»، بإحالة الموضوع إلى البرلمان لتقرير وضعهم، وبالتالي إمكانية إطلاق سراحهم بعد توجيه خطاب بهذا الشأن إلى المراجع القضائية المختصة من رئاسة البرلمان. أما دجلة الذي يتمسك حزب «السلام والديمقراطية»، الذي يعتبر على نطاق واسع الجهة السياسية لـ«الكردستاني»، بدخوله البرلمان والإفراج عنه، فهو ليس في يد البرلمان ولا يمكن التفاوض عليه، مشيرا إلى أن دخول دجلة البرلمان يحتاج إلى قانون «ولا يمكن سن قوانين من أجل أشخاص».

واعتبرت المصادر أن توقيت الهجوم - والموقف الكردي - غير بريء، لتزامنه مع انعقاد مجموعة الاتصال من أجل ليبيا في حضور وزيرة الخارجية الأميركية وكبار المسؤولين الدوليين، وكأنما في ذلك استدراج لتدخل دولي في هذا الموضوع، ومحاولة تكبيل الحكومة».

وكان المجلس الدائم لمؤتمر المجتمع الديمقراطي عقد، أول من أمس، اجتماعا بمدينة ديار بكر، تقرر فيه الإعلان عن «الحكم الذاتي الديمقراطي»، وقرر إجراء «احتفالات جماهيرية حاشدة بالمناسبة»، إلا أنه جرى تأجيل هذه الاحتفالات بعد مقتل الجنود. وقال عضو البرلمان التركي عن حزب السلام والديمقراطية، بنجي يلدز، عقب الاجتماع للجماهير المحتشدة: «لقد عقدنا اجتماعا استغرق ست ساعات جرى فيه تقييم الأمور للإعلان عن الحكم الذاتي. ونريد أن نوضح لشعبنا أن الحكم الذاتي مثلما هو إدارة شؤون الشعب بنفسه، فهو في الوقت ذاته مشروع سلام للشعوب التركية». وأضاف: «لكن للأسف تزامن إعلان الحكم الذاتي مع مقتل 13 جنديا في اشتباكات، الأمر الذي أثار الحزن لدى أبناء الشعب الكردي، الذي أراد الاحتفال بالمناسبة». وشدد يلدز على أن الحكم الذاتي لا يهدف إلى تقسيم البلاد قائلا «نود أن نوضح لأبناء تركيا وكردستان أن هذا لا يعني الانفصال، بل على العكس يعني منح الكرد حق تحديد المصير في إطار وحدة البلاد»، مضيفا: «كنا قد قررنا الإعلان عن الحكم الذاتي في إطار احتفالات جماهيرية، إلا أننا قررنا إرجاء الاحتفالات بسبب مقتل الجنود، للتعبير عن احترامنا وحزننا لهم».

واعتبرت مصادر تركية أن الخطوة الكردية «تفتح الباب أمام جميع الاحتمالات»، ملمحة بذلك إلى إمكانية قيام حكومة رجب طيب أردوغان بالتصعيد المقابل، سياسيا وقضائيا وعسكريا، عبر استعمال «حيلة قانونية» تسمح بإقالة النواب الـ35 من حزب «السلام والديمقراطية» لأنهم لم يؤدوا اليمين الدستورية، وبالتالي اعتبروا غائبين عن المجلس شهرا من دون عذر، فتسقط نيابتهم، بالتزامن مع بدء إجراءات قضائية بحق معلني «الحكم الذاتي»، بالإضافة إلى حملة عسكرية واسعة النطاق ضد مقاتلي «الكردستاني».

وأطلقت قوات الأمن، تدعمها طائرات حربية، عملية واسعة النطاق لمطاردة المتمردين وملاحقتهم في المنطقة الجبلية الكائنة في مدينة ديار بكر، جنوب شرقي الأناضول.

وقد فتح الادعاء العام بمدينة ديار بكر، أمس، تحقيقا بشأن إعلان الحكم الذاتي، وقالت المصادر إنه «إذا ما اقتضت الضرورة، فإنه سيتم عقب التحقيق فتح دعاوى بحق الذين قرأوا البيان ووقعوا عليه».

وأوضح المحلل السياسي التركي، مصطفى أوزجان، أن التطورات الأخيرة لم تترك حلا للمسألة «إلا الحل العسكري» على الرغم من سلبيات هذا الحل على أمن تركيا وعلى علاقاتها مع الغرب، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن السياسيين الأتراك «يريدون الانفصال في نهاية المطاف، وعلى الرغم من أنهم لا يعلنون ذلك، فإن تصرفاتهم تؤشر إلى أن هذا هو هدفهم النهائي».

وأشار إلى أن مقاطعة نواب «السلام والديمقراطية» البرلمان وبقاءهم في ديار بكر له رمزية أنهم لا يعترفون بأنقرة عاصمة لهم، بل بديار بكر»، وقال: «إنهم يتقدمون نحو هدفهم خطوة فخطوة، ولهذا ليس هناك أمام الحكومة التركية إلا الحل العسكري الذي يهمش الديمقراطية»، معتبرا أن السياسيين والمتمردين الأكراد «يفتحون الباب أمام العسكر»، موضحا أن هذا لا بد أن يتزامن مع منح الأكراد ما ترى الحكومة أنهم يستحقونه من حقوق، وذلك ليس عن طريق التفاوض، لأن التفاوض معهم (الأكراد) سيؤدي إلى ابتزاز تركيا إلى ما لا نهاية.

وفي حين قالت وكالة أنباء «الفرات»، الموالية للعمال الكردستاني، إن طائرة حربية تركية ألقت قنابل على متمردين في الموقع المذكور، وهي التي أدت إلى مقتل الجنود الذين كانوا يقومون بعملية تمشيط في المنطقة، انعقد اجتماع، ليلة أول من أمس، برئاسة أردوغان، حضره وزير الداخلية، نعيم شاهين، ورئيس الأركان العامة، إشيك كوشانر، والقائد العام للدرك، نجدت أوزل، ومستشار المخابرات التركية، هاقان فيدان، لتقييم الوضع. بينما بدأت القوات التركية حملة واسعة ضد معاقل «الكردستاني» شاركت فيها طائرات مقاتلة ووحدات من الجيش الذي أرسل تعزيزات كبيرة إلى المنطقة.

وقال أردوغان في بيان له: «إن تركيا لن تخضع أمام العمليات الإرهابية، مهما كانت، وإنها ستنجح في التغلب على الإرهاب و(القوى) التي تقف وراءه دون تقديم أي تنازلات في مجال الديمقراطية والعدالة والإخاء».