«الشرق الأوسط» تلتقي مع الثائر المصري محمد فوزي.. «غاندي ميدان التحرير»

أضرب أسبوعا عن الطعام.. فاتصلت به الإدارة الأميركية والتف حوله المتظاهرون

مواطنة مصرية تنظف مدخل خيمة المستشفى الميداني بميدان التحرير أمس (أ.ب)
TT

رغم أنه يكاد يوشك على الموت أحيانا ويعاود الصمود في أحيان أخرى، فإن الشاب المصري محمد محمود فوزي المعتصم بميدان التحرير وسط العاصمة المصرية ما زال مصرا على المضي قدما في إضرابه المفتوح عن الطعام والشراب منذ 7 أيام انتظارا لتنفيذ مطالب الثورة. كما اشترط فوزي على المسعفين الذين حاولوا التدخل طبيا لإنقاذه أن يتم نقله إلى مستشفى شرم الشيخ الدولي، الذي يحتل الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك أحد أجنحته انتظارا لمحاكمته في 3 أغسطس (آب) المقبل، كي يسمح لهم بمساعدته.

ويؤكد الأطباء بالمستشفى الميداني بميدان التحرير، وكذلك الموجودون بسيارة الإسعاف التي تم نقل فوزي إليها لاحقا على أطراف الميدان، أن حالته الصحية في تدهور مستمر إثر امتناعه عن الطعام منذ يوم السبت الماضي، وأنها الأكثر خطورة بين 18 شخصا آخرين من المضربين عن الطعام بالميدان.

ويعد محمد محمود فوزي (29 عاما) من أول المضربين عن الطعام من المعتصمين بميدان التحرير، حيث بدأ إضرابه في صباح يوم السبت 9 يوليو (تموز) الحالي، وتبعه أكثر من 18 شخصا آخر، لكنه ظل الوحيد المستمر في إضرابه المفتوح.

ويقول فوزي لـ«الشرق الأوسط»: «اعتصامي موقف سياسي بدأته يوم السبت داخل خيمة حزب الجبهة داخل الميدان، ومن اليوم الثالث أصبحت لا أقوى على المشي. وفي ظل الحرارة الشديدة، كان زملائي يحملونني وينقلونني لأماكن أخرى أكثر ظلا داخل الميدان، فأنا لم أترك الميدان ولن أتركه». ويضيف فوزي «قبل شروعي في تنفيذ الإضراب بيوم ذهبت إلى قسم قصر النيل، لعمل محضر أثبت فيه إضرابي.. لكنهم قالوا لي أنت لا تتبع هذا القسم، فذهبت إلى قسم عابدين، وهناك قالوا لي سنعمل لك محضر انتحار ونحتجزك بالقسم».

فوزي يقول إنه يعمل بالسياسة منذ كان عمره 15 عاما، وإنه تربى سياسيا على يد محمد السيد سعيد وسعد الدين إبراهيم. وقد درس العلوم السياسية بالجامعة الأميركية، وينتمي للطبقة المتوسطة العليا. ويحب أن يصف نفسه بأنه ليبرالي علماني مدني، وهو يعمل حاليا مدير برامج مجتمع مدني ويحاضر عن الدولة المدنية في بعض الجامعات الخاصة.

وساءت حالة فوزي الصحية أول من أمس، حين أصيب بوعكة لم يستطع على أثرها التحدث أو التنفس نتيجة إضرابه الكلي عن الطعام والشراب، مما أسفر عن إغمائه فقامت مجموعة من الحقوقيين بعمل محضر بالواقعة وأخطرت بها النائب العام. وتشكلت لجنة طبية تابعة لوزارة الصحة لمتابعة حالته، حيث تم نقله إلى سيارة إسعاف، إلا أنه رفض أن يتلقى أي محاليل وريدية أو عقاقير.

وأكد فوزي لرئيس نيابة قصر النيل، الذي زاره أمس، أنه سيقاضي من يرغمه على العلاج، وأنه على استعداد لمغادرة الميدان شريطة أن يتم نقله إلى الجناح الخاص بالرئيس السابق حسني مبارك بمستشفى شرم الشيخ، مضيفا «إذا لم تتم الاستجابة حتى الغد، سأطالب بنقلي بعربة الإسعاف إلى الشارع أمام وزارة الدفاع».

وأوضح فوزي أنه تلقى اتصالا من أحد مسؤولي البيت الأبيض يؤكد متابعة واهتمام الرئيس الأميركي باراك أوباما بحالته، واستعدادهم للتحدث مع السلطات المصرية، إلا أن فوزي رفض من منطلق وطني قائلا إنه «يحتمي بالشعب والثورة، ولا يريد تدخلا من أي جهة أجنبية». فوزي قال أيضا إنه على استعداد لإنهاء إضرابه في حال إجراء حوار جاد وعلني بينه وبين المجلس العسكري، منتقدا من سماهم بـ«شيوخ النظام»، قائلا «سمعت أن هناك حملة ضدي يقولون فيها إنني منتحر كافر.. لكن ليس لديّ مانع أن أكمل إضرابي حتى الموت إذا لم تتحقق مطالبي».

مطالب فوزي، وزملائه من المضربين عن الطعام، صيغت في بيان جاء فيه «نرفض نحن المضربين عن الطعام بميدان التحرير ما يتم الآن من اختزال للأزمة المصرية الراهنة في مجرد وعود أو قرارات مؤجل تنفيذها، لا تؤدي إلى حل جذري للمشكلات التي تعترض طريق الثورة المصرية وتجهض سعيها الدؤوب إلى بناء وطن حر عزيز مكتف وقادر. كما نرفض اختزال حل هذه المشكلات في مجرد إحلال أشخاص محل آخرين في مختلف المناصب الوزارية، بما في ذلك منصب رئيس الحكومة، أو اختيار مجلس رئاسي مدني لإدارة البلاد في الفترة الانتقالية». وأضاف البيان «وبناء عليه نرى أن الأفضل لقيادة هذه المرحلة هو إنشاء مجلس مكون من سبعة قضاة، ينتخبهم أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، بما يضمن الحفاظ على (مدنية الحكم) والحيادية والشرعية».

وطالب البيان هذا المجلس بإدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية، وانتخاب لجنة لوضع دستور جديد تتكون من مائة عضو لا ينتمون إلى أي فصيل سياسي، وأن يتم الاستفتاء على الدستور لكل مادة على حدة، والبدء في محاكمات عادلة وعلنية لكل رموز النظام السابق، وعودة القوات المسلحة إلى دورها في حماية الوطن، وسعي المؤسستين العسكرية والقضائية لتطهير نفسيهما من أي شبهة فساد، وعزل النائب العام، وتوجيه الاعتذار الرسمي للشعب المصري عما لحق به من أذى على يد نظام الرئيس السابق، وتكريم أهالي الشهداء والمصابين.

وأكد الدكتور عمار علي حسن، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات، أن فوزي طالب بمطلب مشروع، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «فوزي يبرر مطلبه بكونه مواطنا مصريا شريفا لكنه لم يلق الرعاية، ويطالب بأن يحظى بالمعاملة نفسها التي يلقاها الرئيس السابق المتهم في جرائم فساد والمسؤولية عن قتل مواطنين من شعبه»، مشيرا إلى أن فوزي يمارس نضالا سلميا مدنيا مشروعا، كبديل عن الانفجار.