«جمعة الإنذار الأخير» تكتب وثيقة ميدان التحرير

في غياب «الإخوان».. وقبيل ساعات من الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة

جانب من مظاهرة «جمعة الإنذار الأخير» في ميدان التحرير (أ.ف.ب)
TT

احتشد آلاف المصريين، أمس، في ميدان التحرير بالقاهرة والكثير من المحافظات الأخرى في مظاهرات أطلق عليها «جمعة الإنذار الأخير»، بعد اعتصام دام أسبوعا ويستمر حتى الآن، لمطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون البلاد، بتلبية باقي مطالب الثورة، وأهمها الإسراع في محاكمة عناصر النظام السابق، وتطهير مؤسسات الدولة، خصوصا جهاز القضاء، ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين.

لكن جماعة الإخوان المسلمين، ومعها كل التيارات الإسلامية، رفضت المشاركة، وقالت إنه ينبغي إعطاء السلطات فرصة لتلبية مطالب الثوار، في ظل وعود من المجلس العسكري والحكومة بتحقيق ذلك.

وقال الدكتور محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين: «ليس معنى ذلك أننا ضد التظاهر أو ضد الاستمرار في الثورة وبقوة». وأكد مرسي، بحسب وكالة «رويترز» للأنباء: «إننا نعطي فرصة لكي تتحقق المطالب، وإذا لم تتحقق بالقدر الكافي فسوف نعود مرة أخرى إلى الميدان، وليس ميدانا واحدا ولكن إلى كل الميادين».

وجاءت هذه المظاهرات قبيل أيام وربما ساعات قليلة على إعلان رئيس الوزراء، الدكتور عصام شرف، عن التشكيلة الحكومية الجديدة، التي من المتوقع أن تشهد تغيرات كبيرة تطيح بوزراء محسوبين على النظام السابق، بالإضافة إلى نائب رئيس الوزراء، يحيى الجمل، الذي قبل المجلس العسكري استقالته منذ أيام.

وأكد الدكتور علي السلمي، نائب رئيس حزب الوفد، أنه قبل المشاركة في الحكومة الجديدة كنائب لرئيس الوزراء ووزير للاستثمار. وقال في حوار تلفزيوني، أمس: «إن مشاركته في حكومة شرف من أجل تركيز الجهود الوطنية لتحقيق أهداف الثورة من خلال العمل الدائم والمتطور».

بينما قال الدكتور حازم الببلاوي، الخبير الاقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»، إنه تم التحدث إليه بالانضمام إلى الحكومة، بعد مطالبة شباب الثوار بذلك، وأنه مستعد من حيث المبدأ على الموافقة، وأن الحوار يجري معه الآن.

وانقسم المتظاهرون، أمس، بين المطالبة بإقالة رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف، وإعطائه مهلة حتى الانتهاء من التشكيل الوزاري الجديد. وبينما أكدت بعض القوى أن على رأس مطالبهم إقالة الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ذات طابع ثوري، واقترحت عددا من الشخصيات العامة لمنصب رئيس الحكومة، منهم الدكتور ممدوح حمزة والدكتور حسام عيسى والدكتور محمد أبو الغار والدكتور حازم الببلاوي. قالت قوى أخرى إنه يجب منح شرف وقتا كافيا لتطبيق الإصلاحات التي وعد بها.

وأكد محمد عادل، المتحدث الرسمي باسم حركة «شباب 6 أبريل»، دعم الحركة لشرف، محددا 7 مطالب عاجلة لإنهاء الاعتصام، على رأسها إقالة النائب العام محمود عبد المجيد من منصبه وتعيين أحد رجال القضاء المستقلين، وإقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات جودت الملط.

كما طالب المشاركون في المظاهرة بسرعة نقل الرئيس السابق، حسني مبارك، إلى مستشفى طره، وتخصيص محكمة بكامل دوائرها بعد مراجعة بيانات الهيئة القضائية لمحاكمة قتلة الثوار.

وغضب ناشطون من نبرة بيان للجيش منذ يومين تم التلميح فيه إلى أن الاحتجاجات تهديد للنظام العام، وأنه سيستخدم كل الطرق القانونية لإنهاء الاحتجاج دون اللجوء إلى العنف، ودافع لواءات في الجيش المصري في مؤتمر صحافي سابق عن المحاكمات العسكرية، وقالوا: «إنها لا تهدف إلى قمع الرأي وإنما تستخدم في الجرائم الخطيرة فقط». وقال الجيش إنه يؤيد رئيس الوزراء عصام شرف الذي يعمل على تعديل وزاري في حكومته.

من جهته، شن الشيخ مظهر شاهين، خطيب ميدان التحرير، هجوما حادا على شرف وقال إنه تأخر كثيرا في تنفيذ مطالب الثورة، وطالب المجلس العسكري باتخاذ مواقف أكثر جدية تجاه الملفات الحالية والخاصة بملفات الأمن. وأكد شاهين خلال خطبة الجمعة أن المتظاهرين لن يتركوا الميدان حتى تتحقق جميع مطالبهم، وفى مقدمتها الإسراع بمحاكمة المتورطين في قتل المتظاهرين من خلال تخصيص محكمة بكامل دوائرها لمحاكمة قتلة الثوار.

وعقب انتهاء الصلاة انطلق المتجمعون بالميدان في ترديد الكثير من الهتافات، من بينها: «الشعب يريد محاكمات علنية»، و«الشعب يريد حق الشهيد»، و«القصاص.. القصاص.. ضربوا ولادنا بالرصاص».

وأعلن الإعلامي حسين عبد الغني عن وثيقة وقع عليها معظم الائتلافات الشبابية والحركات في ميدان التحرير من 5 مطالب. وأشار عبد الغني إلى أن الجمعية الوطنية للتغيير والمجلس الوطني وممثلين لائتلافات شباب الثورة اجتمعوا وطرحوا الوثيقة، التي تعتبر الاعتصام مستمرا ما لم تتم الاستجابة والتنفيذ الفوري للمطالب، وهي: «القصاص العاجل من قتلة الثوار بتشكيل فوري لدائرة جنائية مدنية واحدة تضم كل هؤلاء القتلة وفي مقدمتهم مبارك والعادلي وكل رجال الشرطة المتورطين في اغتيال شباب مصر، وتشكيل حكومة ثورية حقيقية بعيدة كل البعد عن عناصر الحزب الوطني المنحل، وتطهير كامل وإعادة هيكلة حقيقية وجذرية لوزارة الداخلية، وقف محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري».

كما أعلن الثوار عما سموه «وثيقة ميدان التحرير»، تمت كتابتها على بوسترات كبيرة توسطت الميدان وتدعو إلى الحرص على استعادة أخلاق وروح ميدان التحرير من وحدة وترابط، وتغليب للمصلحة الوطنية على الحزبية والشخصية، وعدم رفع أي لافتات حزبية أو ائتلافية أو لأي جماعات أو مؤسسات.

وفي السويس، احتشد الأهالي في مظاهرة داخل ميدان الأربعين رغم حرارة الجو المرتفعة، للتأكيد على مطالب الثورة والمطالبة بإعادة حبس الضباط الذين كانوا يحاكمون بتهمة قتل متظاهري السويس، وقررت المحكمة الإفراج عنهم بكفالة 10 آلاف جنيه لكل منهم. وأكد المتظاهرون أنهم مستمرون في الاعتصام حتى يتم تحقيق جميع مطالبهم.

أما في الإسماعيلية، فقد نظمت القوى والحركات السياسية وائتلاف شباب الثورة وقفة احتجاجية بميدان الممر عقب صلاة الجمعة، شارك فيها المئات من ممثلي الحركات الشبابية وسط غياب جماعة الإخوان المسلمين، وردد المتظاهرون هتافات تطالب بإقالة الدكتور عصام شرف من منصبه وعودته إلى صفوف الثوار في ميدان التحرير للتباطؤ في تنفيذ عمليات الإصلاح والتغيير.

وبرر المهندس صبري خلف الله، المدير الإداري لمكتب الإخوان المسلمين في الإسماعيلية، قرار الجماعة بعدم المشاركة بالقول إن «القرارات الوزارية التي تم الإعلان عنها على مدار اليومين السابقين تعد خطوة واسعة في تحقيق المطالب الثورية، كما أن المطالبة بإسقاط المجلس العسكري تعد من الخطوط الحمراء التي يجب على الجميع عدم تجاوزها».

وفي الإسكندرية، قام المتظاهرون بمحاصرة مبنى مديرية الأمن، كما قاموا بإنزال أعلام الشرطة من فوق سور المبنى وحاصروه، في «جمعة الإنذار الأخير».

ونظم العشرات وقفة أمام مستشفى شرم الشيخ الدولي للمطالبة بمحاكمة مبارك وأعوانه، وأكد المتظاهرون ضرورة رحيله من شرم الشيخ فورا في ظل حراسة أمنية مشددة على المستشفى.

وفي محافظات الصعيد، حالت احتفالات محافظتي قنا والأقصر بموالد سيدي عبد الرحيم القناوي وأبو الحجاج الأقصري دون مشاركة أبناء المحافظتين في مظاهرات تضامنية مع متظاهري التحرير. لكن مئات المتظاهرين خرجوا في محافظات أسوان وسوهاج وأسيوط، عقب صلاة الجمعة، منددين بعدم الاستجابة لمطالب الثوار حتى الآن.

في المقابل، نظم مئات من المواطنين في القاهرة مسيرة تأييد للمجلس العسكري انطلقت من ميدان روكسي بمصر الجديدة وحتى مقر وزارة الدفاع تحت شعار «جمعة الأغلبية الصامتة.. قررت أتكلم». وأكد المشاركون في المسيرة تأييدهم الكامل للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة المرحلة الانتقالية، وطالب المشاركون بمحاكمة المتهمين المتورطين في قضايا الفساد دون ممارسة أي ضغوط على القضاة.