مبارك ينفي أي مسؤولية عن قتل قوات الأمن للمتظاهرين في أحداث الثورة المصرية

وصف أعمال القتل بقوله: «الشعب بتاعنا كده والأمن كده» > شهود عيان للمحققين: عدد من أعضاء الحزب الحاكم كانوا وسط الزحام يحرضون ضد المتظاهرين

TT

نفى الرئيس المخلوع حسني مبارك، مسؤوليته عن قتل قوات الأمن نحو 900 متظاهر خلال أحداث الثورة المصرية، بحسب ما جاء في نص التحقيقات معه التي نشرت يوم أول من أمس، الخميس. وعندما طلب منه وصف أعمال القتل، أدان هذا التنكيل الأمني المميت بقوله: «الشعب بتاعنا كده والأمن كده».

ويوجد مبارك البالغ من العمر 83 عاما حاليا في مستشفى بشرم الشيخ، ويواجه اتهامات بالأمر باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين خلال الثورة التي استمرت لمدة 18 يوما والتي أطاحت به في فبراير (شباط). ولما كانت الأخبار عنه شحيحة منذ ذلك الحين، قدم النص المكتوب للتحقيقات أطول تعليقاته بشأن الأيام الأخيرة من حكمه الذي دام لنحو 3 عقود.

وأكد مسؤولون في القضاء لوكالة «أسوشييتد برس» صحة هذا النص، لكنهم رفضوا الإفصاح عن هويتهم نظرا لحساسية الموضوع، بينما صرح فريد الديب، رئيس هيئة الدفاع عن مبارك، لوكالة «أسوشييتد برس» بأن جزءا من التحقيقات التي نشرت غير صحيح، لكنه رفض الإيضاح. وتم تسريب نص التحقيقات وسط تجدد موجة من الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد، التي تضمنت اعتصاما في ميدان التحرير بالقاهرة دخل أسبوعه الأول.

ويعد تحقيق العدالة لضحايا الثورة من القضايا الساخنة في المرحلة الانتقالية الصعبة التي تمر بها مصر في طريقها نحو الديمقراطية. ويطالب المحتجون المعتصمون في التحرير بالإسراع في محاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين. واتهموا جنرالات المجلس العسكري، الذين تسلموا إدارة شؤون البلاد من مبارك، بتجميد المحاكمات. وبدا مبارك في التحقيقات غير معني ومنعزلا تماما عن الغضب الذي أحدثه نظامه. وعندما سئل عن سبب إصابة وقتل المتظاهرين أجاب قائلا: «لا يمكنني تحديد ذلك بالضبط»، وأضاف لاحقا أنه كانت هناك فوضى وأن قوات الأمن والمتظاهرين كانوا يتقاتلون.

وأجاب حين سئل عن سبب عدم وضعه حدا لهذا العنف: «لم يكن يأبه بي أحد أو بأوامري». وزعم أنه أعطى أوامر واضحة بعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين.

تم نشر نص التحقيقات يوم أول من أمس، الخميس، في صحيفتين مستقلتين هما «اليوم السابع» و«الدستور». ونشرت صحيفة «اليوم السابع» صورا على موقعها الإلكتروني لما قيل إنه الأقوال التي دونها المحققون بخط يدهم.

وتم التحفظ على مبارك في مستشفى بشرم الشيخ، ومن المقرر أن يمثل أمام المحكمة الشهر المقبل بتهمة قتل المتظاهرين. كذلك يواجه مبارك وابناه علاء وجمال، الذي كان خليفته المحتمل، تهما بالفساد. ومن المتوقع أن يتم الحكم على مبارك بالإعدام إذا ما تمت إدانته.

ونفى الرئيس السابق تهم الفساد الموجهة إليه وسعى إلى إيضاح كيف تم إيداع تبرعات خارجية بملايين الدولارات في حسابه المصرفي الخاص، حيث قال إنه كان يعتزم بناء وصيانة مكتبة ضخمة في مدينة الإسكندرية. وقال إنه لم يطلع إدارة المكتبة على وجود هذا المبلغ حتى لا يطالبوا به أو يستخدموه لأغراض أخرى غير المكتبة.

كذلك نفى وجود أي علاقة بصديقه رجل الأعمال حسين سالم الذي تطالب مصر إسبانيا بتسليمه. وسالم مطلوب على خلفية اتهامات بالفساد يتمحور أغلبها حول استغلاله لاسم مبارك في شراء أراضي مملوكة للدولة بثمن بخس.

وحاول مبارك الدفاع عن اتهامه بإصداره أوامر باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين أو موافقته على القيام بذلك، حيث قال إن مساعديه حجبوا عنه مدى تفاقم وخطورة الوضع خلال أحداث الثورة. كذلك قال إنه لم يعلم بمطالبات المتظاهرين حتى اندلعت المظاهرات يوم 25 يناير (كانون الثاني). وبدا منتقدا للجيش الذي أمره بالنزول إلى الشوارع يوم 28 يناير بعد المواجهات الدامية بين قوات الأمن والمتظاهرين.

وقال: «لقد طلبت من القوات المسلحة التدخل لإعادة النظام إلى الشارع والاضطلاع بمهمة الأمن، لكن بسبب طبيعة عملها، لم تتمكن من التعامل مع الأمر ولم تنفذ المهمة المطلوبة على أكمل وجه».

وسلط الضوء على أحداث الثاني من فبراير، عندما هاجم «بلطجية النظام» المتظاهرين في ميدان التحرير على أظهر الجمال والخيول. وشهد ذلك اليوم أسوأ المواجهات وأكثرها دموية في الثورة، واستمرت تلك المواجهات ليومين. وقال: «شوفت جمل بيجري في التلفزيون واندهشت جدا وبعد كده عرفت إنها (موقعة الجمل)» (رأيت جملا يجري على شاشة التلفزيون بين المتظاهرين. وتبين لي في ما بعد أن الناس يطلقون على تلك المواجهة «موقعة الجمل»).

إلى ذلك، بث الموقع الإلكتروني لجريدة «اليوم السابع»، أمس، ما سمته نص التحقيقات الرسمية مع علاء نجل مبارك، وفيه أكد أنه لا يمتلك إلا 4 شقق في القاهرة ومصدر دخله من شركة بقبرص، لا يتذكر رأس مالها لأن شقيقه جمال هو الذي وضع الفلوس باسمه فيها.. وأضاف أنه يمتلك أيضا فيلا عن طريق الشراء من حسين سالم بصفته رئيس شركة «نعمة» للغولف، «وتم شراؤها بمبلغ 400 ألف جنيه، على ما يتذكر».

والأسبوع الماضي أحال ممثلو الادعاء العام 25 شخصا إلى المحاكمة من ضمنهم رئيس مجلس الشعب السابق ورئيس مجس الشورى السابق ونواب موالون لمبارك بسبب تورطهم في تحريض مسلحين على أظهر جمال وخيول.

وأعلنت لجنة شكلتها الحكومة للتحقيق في أحداث يوم الثاني من فبراير بما توصلت إليه من نتائج يوم الخميس الماضي استنادا إلى شهادات 87 شاهدا. وصرحت اللجنة بأن صفوت الشريف، وهو من أخلص رجال مبارك والأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقا)، وراء تدبير الهجوم على المتظاهرين. وجاء في تقرير اللجنة أن الشريف «اتصل هاتفيا بنواب عن الحزب الوطني في البرلمان ومؤيديهم وحثهم على التصدي للمظاهرات المناهضة لمبارك في ميدان التحرير بالعنف. وقال شهود العيان إنه كان هناك تكليف واضح بإخلاء الميدان بأي وسيلة ممكنة». وقال شهود العيان للمحققين إنهم شاهدوا عددا من أعضاء الحزب الوطني (الحاكم سابقا) وسط الزحام يحرضون ضد المتظاهرين، وكان يمتطي بعضهم جمالا وخيولا، بحسب ما ورد في التقرير. ودفع فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب السابق، مبالغ مالية تتراوح بين 50 و500 جنيه (9 و90 دولارا) لأي بلطجي في كل مكان وأعطاهم وجبات ومخدرات لمهاجمة الحشد المتجمع في ميدان التحرير، كما جاء في التقرير المذكور.

واتخذ المجلس العسكري في مصر عددا من الإجراءات خلال الأيام القليلة الماضية لتهدئة الشعب وامتصاص غضبه الذي تجدد في الشوارع.

فقد أنهى منصور العيسوي، وزير الداخلية، يوم الأربعاء الماضي خدمة 700 من قيادات جهاز الشرطة لتطهير الجهاز من الفاسدين، لكن لم يرضِ ذلك المحتجين، حيث قالوا إن هناك حاجة إلى إعادة هيكلة جهاز الشرطة بالكامل لتغيير ثقافة الانتهاك والفساد التي يقوم عليها هذا الجهاز. وأعلنت السلطات القضائية خلال الأسبوع الحالي البثّ العلني لمحاكمات مبارك ورموز النظام المتهمين بالفساد أو الضباط المتهمين بقتل متظاهرين.