الأميركيون يشكون من «طائفية» القضاء العراقي و«تغاضي» المالكي عن هجمات الميليشيات الشيعية

الطرفان يرغبان سرا في تمديد الوجود العسكري لكن السؤال هو: وفق أي شروط

جنود أميركيون يتحدثون الى عراقي خلال قيامهم بدورية في محافظة بابل أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

أبلغت حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المسؤولين الأميركيين سرا أنها تريد أن يبقى الجيش الأميركي في العراق بعد انتهاء العالم الحالي ونفس الأمر ينطبق على الأميركيين الذين أبلغوا نظراءهم العراقيين سرا أنهم يريدون البقاء. ولكن السؤال هو: وفق أي شروط سوف يحدث هذا؟ وأي ثمن ستدفعه القوات الأميركية؟

في الواقع، تزداد الخسائر في صفوف القوات الأميركية، وهو نذير شؤم لما سيحدث في المستقبل إذا ما تم التوصل إلى اتفاق لإبقاء القوات الأميركية هنا بعد الموعد المحدد للانسحاب في نهاية العام. وبشكل ضمني، تتغاضى الحكومة العراقية، التي تريد للأميركيين أن يبقوا في العراق، عن الهجمات التي تشنها الميلشيات الشيعية ضد القوات الأميركية من خلال فشلها في التعامل مع هجماتهم بنفس القوة التي تتعامل بها مع الهجمات التي تشنها الجماعات السنية المتمردة مثل تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين».

إن عدم رغبة أو عدم قدرة حكومة المالكي على كبح جماح الميلشيات يضيف عنصرا جديدا إلى النقاش الذي يركز حتى الآن على قدرات قوات الأمن العراقية والاعتبارات السياسية المحلية في كل من واشنطن وبغداد، وليس على سلامة الجنود الأميركيين.

وفي الآونة الأخيرة، انشغل المسؤولون الأميركيون بتوجيه الاتهامات لإيران بسبب تسليحها للميلشيات التي تهاجم القوات الأميركية، ولكنهم كانوا أقل حدة في التنديد بتواطؤ الحكومة العراقية. وفي حديثه للصحافيين في واشنطن مؤخرا، قال الأميرال مايك مولن، وهو رئيس هيئة الأركان المشتركة: «تقوم إيران بشكل مباشر للغاية بتقدم الدعم للجماعات الشيعية المتطرفة التي تقتل جنودنا»، وأضاف أن أي نقاش مع الحكومة العراقية لبقاء القوات الأميركية هنا خلال العام المقبل «يجب أن يرافقه التعاون للسيطرة على إيران في هذا الصدد». وخلال زيارته الأولى للعراق كوزير للدفاع يوم الاثنين الماضي، دق ليون بانيتا ناقوس الخطر وأشار إلى أنه يتعين على الحكومة العراقية أن تقوم بالمزيد من الخطوات.

وتعد طريقة تعامل قوات الأمن العراقية بطريقة غير متكافئة مع تهديدات الجماعات السنية والشيعية المتمردة بمثابة التركة التي خلفتها أعمال العنف الطائفية التي تفجرت بسبب الغزو الأميركي للعراق قبل ثماني سنوات، حيث أدى هذا الغزو إلى الإطاحة بالحكم السني للبلاد وتنصيب حكومة يهيمن عليها الشيعة الذين لا يزالوا يكنون الحقد والكراهية لمن كانوا يضطهدونهم في السابق.

وثمة سبب آخر وراء شعور الأميركيين بالإحباط وهو النظام القضائي العراقي الذي يعاني هو الآخر من داء الطائفية. ففي الآونة الأخيرة، كانت هناك واقعة في مدينة الحلة بمحافظة بابل جنوب العاصمة العراقية بغداد تعكس المعاملة غير المتكافئة في المحاكم العراقية، حيث قامت وحدة تابعة للجيش الأميركي بالقبض على ثلاثة رجال يقومون بزرع قنابل على جانب الطريق وتم تسليمهم للسلطات القضائية المحلية. ووفقا لمسؤول محلي فإن الرجال الثلاثة هم أعضاء في «لواء اليوم الموعود»، وهي ميلشيا تابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المناهض للولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن أتباع مقتدى الصدر في البرلمان قد ساعدوا نوري المالكي على البقاء في سلطته كرئيس للوزراء لفترة ثانية.

ومع ذلك، تمت تبرئة الرجال الثلاثة بعد محاكمة استغرقت ساعتين منع خلالها المسؤولون العسكريون الأميركيون من الإدلاء بشهاداتهم. وعلى افتراض أن الشريكين المضطربين يمكنهما إيجاد طريقة للوصول إلى الهدف المتفق عليه بصورة متبادلة وهو إبقاء الوجود العسكري الأميركي لما بعد نهاية هذا العام، فإن السؤال هو كيف يمكن أن يكون الوضع في العراق مثل كوريا الجنوبية وليس مثل الصومال.

في الحقيقة، يمكن للأميركيين أن يضغطوا على القادة العراقيين لكبح جماح الميليشيات، ولكن قد يفوق هذا قدرات حكومة ضعيفة ومنقسمة مثل الحكومة العراقية. ما يريده الجنود هو مزيد من الحرية حتى يتمكنوا من تنفيذ العمليات بأنفسهم. وبموجب الاتفاقية الأمنية، يمكن أن تتصرف القوات الأميركية، ولكن فقط في حالة الدفاع عن النفس - عادة ما يكون ذلك من خلال إطلاق النار في حالة تعرضها لهجوم - كما أن القوات الأميركية ممنوعة من القيام بعمليات ضد الشبكات المتشددة بناء على معلومات استخباراتية.

من جانبه، صرح بانيتا خلال الأسبوع الجاري بأن الأميركيين سوف يأخذون زمام الأمور بأيديهم إذا لم يقم العراقيون بالتصعيد من حملتهم ضد المتشددين، وجاء رد الفعل على هذه التصريحات سريعا، حيث قال المتحدث الرسمي باسم المالكي إن مثل هذه العمليات ستكون «انتهاكا للاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة». وأثارت تصريحات بانيتا استياء مقتدى الصدر، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث قوله إنهم «سخروا من سيادة العراق بصورة علنية».

في الواقع، يجري كل شيء على قدم المساواة، حيث سيفضل العراقيون التوصل إلى اتفاق بين الحكومتين لاستمرار وجود القوات الأميركية دون تعقيدات سياسية نتيجة إحالة هذا الاتفاق إلى البرلمان، في حين يصر الأميركيون على أنه يجب أن يتم التصديق على أي اتفاق من قبل البرلمان لأن محاميهم قد قرروا أن ذلك هو السبيل الوحيد لضمان الحصانة القانونية للجنود الذين سيبقون في العراق.

وحتى يكون هذا مقبولا لمواطني العراق والولايات المتحدة، فإن لعبة العلاقات العامة سوف تستخدم لغة مقبولة من الناحية السياسية ولكنها ستحجب حقيقة أن الجنود الأميركيين سوف يستمرون في مواجهة عدوهم وأنهم سيكونون بحاجة إلى الدفاع عن أنفسهم وسوف يستمرون في فقدان أرواحهم بكل تأكيد.

* خدمة: «نيويورك تايمز»