رغم تقارب الثقافة ووحدة اللغة.. العمل الإعلامي في أميركا وبريطانيا يختلف شكلا وأسلوبا

فضيحة التنصت على الهواتف في بريطانيا تكشف الاختلافات الإعلامية

TT

قبل شروع الصحافيين البريطانيين في التنصت المزعوم على هواتف مئات الأشخاص بوقت طويل، كان بعضهم يتبع أساليب مثيرة للدهشة لكتابة مواضيعهم الصحافية، مثل التنكر في شخصيات وهمية لخداع المشاهير، ودفعهم نحو أنماط سلوك تجعل منهم محط عناوين صحافية، أو عرض أموال مقابل الحصول على شائعات وأقاويل وأخبار، أو تدبير مكايد محكمة للسياسيين أو غيرهم.

وعلى الرغم من أن الرائج أن الولايات المتحدة وبريطانيا دولتان تجمعهما لغة مشتركة واحدة , فإنه في خضم فضيحة التنصت على الهواتف التي تعصف بإمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية العالمية، بدا من الواضح أيضا أن الدولتين تفصلهما وجهتا نظر مختلفتان تماما إزاء وسائل الإعلام الإخبارية. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام على الجانبين تغطي الأنباء، وأحيانا تثير ضجة كبرى، فإن ما يعد مقبولا بين المراسلين في بريطانيا، يبدو صادما في الولايات المتحدة. والمعروف أن بريطانيا تتميز بوسائل إعلامية رفيعة المستوى، مثل «بي بي سي» و«فايننشال تايمز» و«غارديان» و«تايمز»، إلى جانب منابر إعلامية أخرى, تتوافق أخلاقياتها ومستوى الدقة والحماس بها مع ما هو سائد في المؤسسات الإعلامية الأميركية، وعلى الرغم من عيوب مثل هذه المؤسسات، فإنه يحسب لها حرصها على تحري الدقة قدر المستطاع. إلا أن صحف التابلويد البريطانية التي يجمعها صراع محتدم، تهيمن على مبيعات الصحف اليومية في البلاد، وتركز اهتمامها على أخبار الجرائم والمشاهير والرياضة. وتنشر صحيفة «صن» المملوكة لمردوخ يوميا صورة لفتاة عارية في صفحتها الثالثة. اللافت أنه لا يوجد مكافئ دقيق لهذه النوعية من الصحف داخل الولايات المتحدة. يذكر أن نيويورك بها اثنان من صحف التابلويد، هما «ديلي نيوز» و«نيويورك بوست» المملوكة لمردوخ. وعلى الرغم من الشعبية التي تحظيان بها، وتشير الأرقام إلى أن معدل توزيع «نيويورك بوست» يبلغ 522.000 نسخة يوميا، بينما يبلغ معدل توزيع «صن» 2.8 مليون نسخة. والملاحظ أن صحف تابلويد في نيويورك تركز على الإثارة بصورة قوية، ومع ذلك لا تظهر بها صور عارية، ولا تنساق وراء نمط القصص المثيرة الفاضحة التي تنشرها نظيراتها البريطانية. واللافت أيضا أن قليلين فقط داخل بريطانيا شعروا بصدمة كبيرة لدى معرفتهم بأمر فضيحة التنصت على الهاتف، عندما تكشفت للمرة الأولى عام 2005. ولم يبد الرأي العام البريطاني غضبا حقيقيا تجاه الأخبار المسربة من التنصت على هواتف مشاهير وسياسيين ونجوم رياضيين من قبل «نيوز أوف ذي وورلد» حتى الأسبوع الماضي، عندما كشفت «غارديان» عن أن عمليات التنصت القذرة التي تورطت فيها الصحيفة ربما شملت آلاف المواطنين العاديين، بينهم فتاة مفقودة اتضح لاحقا أنها تعرضت للقتل. وحتى إغلاقها بعد شعورها بالعار الأسبوع الماضي، كان مظهر محمود الذي يبدي عشقا خاصا للتنكر، مما أكسبه اسم شهرة «الشيخ الزائف» يعمل لديها. والعام الماضي تنكر محمود في مظهر رجل أعمال عربي، وتظاهر بعرض أكثر من 700.000 دولار على سارة فيرغسون، دوقة يورك، مقابل أن تعرفه بزوجها السابق، الأمير أندرو. وجرى تصوير سارة سرا وهي تبدي استعدادها «لفتح أي باب تريده» مقابل المال.

وفي عام 2003 كشف محمود عن خطة مزعومة لاختطاف مغنية فريق سبايس غيرلز السابقة، فيكتوريا بيكام، لكن دوره تعرض لانتقادات بعد انهيار الدعوى ضد مدبري الخطة في أعقاب الكشف عن أن المخبر الرئيس لمحمود تلقى أكثر من 14.000 جنيه إسترليني من صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» لقاء قصته. كما دفعت الصحيفة لبغايا من أجل الإيقاع بماكس موزلي، رئيس سباقات فورميولا - 1، في عام 2008.

وعلى الرغم من أن هذه التكتيكات مشهورة في الولايات المتحدة، فإنها تعتبر انتهاكا أخلاقيا من قبل غالبية الصحافيين. وفي بريطانيا هناك اعتقاد بأن الغايات تبرر الوسائل، بحسب ماري ديجيفسكي، كاتبة الرأي في صحيفة «إندبندنت» في مقابلة معها عبر البريد الإلكتروني.

وقالت: «يتمتع الصحافيون في كل القضايا بالحرية في الاستشهاد بالدفاع عن المصلحة العامة، وإن الفائدة من نشر هذه المعلومات تفوق الوسائل المشبوهة المستخدمة في ذلك». ووصفت ديجيفسكي التنصت على الهواتف بأنه دفاع مشروع في كثير من الحالات، في كل من القانون العادي وقانون الصحافة. وقد استخدمت الـ«تلغراف»، التي تعتبر واحدة من أكثر الصحف احتراما في بريطانيا، هذه الأساليب العام الماضي، عندما أرسلت محررتين للقاء فينس كابل، المسؤول الحكومي الذي كان مسؤولا عن مراجعة عرض مردوخ لشراء شركة «بريتش سكاي برودكاستنغ». ولم تعرف الصحافيتان عن نفسيهما (وهو ما يعتبر سلوكا لا أخلاقيا في الولايات المتحدة)، وحصلتا على بعض التصريحات المتطرفة من كابل. وأدت المقالات التي نشرت فيما بعد إلى إقالة كابل من المراجعة.

وترى لورا بيرز، أستاذة التاريخ البريطاني في الجامعة الأميركية أن «الصحافة البريطانية، بشكل عام، أكثر سخرية وحزبية، وأنها ثقافة الفضيحة». وأكد جون ليود، مدير معهد رويترز لدراسات الصحافة في جامعة أوكسفورد، أن «نيوز أوف ذي وورلد» منذ نشأتها عام 1843 اعتمدت على نشر القصص الجنسية، التي كانت في مجملها روايات مأخوذة من وثائق المحكمة من إجراءات الطلاق. وهو ما يعني أن هذه القصص تم اعتبارها الشيء الأكثر تشويقا, ولذا وضعتها في بؤرة نموذج أعمالها. وأشارت بيرز إلى أن البريطانيين لديهم نموذج أكثر تعددا في طبقاته من الصحافة الأميركية، حيث الصحف الرخيصة الموجهة للطبقة العاملة، إلى جانب الصحف الموجهة للطبقة المرتفعة الدخل والمتوسطة أيضا. وكقاعدة أيضا، فقد اتخذت الصحافة مظهرا عدائيا بصورة معاكسة نحو السلطة. وأوضحت بيرز أن «الصحافة الأميركية تحاول أن تكون منصفة ومتوازنة، فالصحافة الأميركية تردد ما يقوله السياسيون دون رؤية نقدية كبيرة، فيما ينظر البريطانيون إلى الخط الرسمي بنوع من العداء، من هنا نشأ نوع من العلاقة العدائية ومساحة أكبر للرأي. وهناك اعتراف صريح بأن الرأي يقع في مقدمة ما يقومون به». لكن هذا لا يشير إلى أن النموذج الأميركي متفوق بطبيعته. فالصحافيون البريطانيون يحبون الإشارة إلى أوجه القصور أيضا، من الاختلاق والانتحال، إلى تقرير دان راذرز المعيب بشأن الخدمة العسكرية للرئيس جورج دبليو بوش، وإلى روايات جوديث ميلر المثيرة للشكوك في «نيويورك تايمز» بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية. وتضيف ديجيفسكي: «يبدو لي أن الصحافة الأميركية عرضة للخطر بصورة مختلفة، فالابتكار يقع في ناحية، والولاء للمصالح السياسية في الناحية الأخرى. كما أن الإعلام الأميركي ليس أقل إثارة للإزعاج، وربما في بعض الحالات أسوأ مما قد يحدث في الصحافة البريطانية؛ لأنه خاضع للتسييس بصورة مختلفة، لكنه صريح ومتوقع».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ « الشرق الأوسط»