متظاهرون: لن نتوقف بعد كل هذه التضحيات.. وبلغنا نقطة اللاعودة

مسؤول أميركي: سوريا في خضم مرحلة انتقالية.. والطريق أمامها سيكون عسيرا للغاية

مشيعون في دمشق يحملون صور قتلى القابون الذين سقطوا أول من أمس
TT

رغم أن المظاهرات، التي باتت مألوفة يوم الجمعة، أصبحت منتشرة في أرجاء سوريا، فإن نشطاء ودبلوماسيين وبعض المسؤولين الحكوميين، يعتقدون أن الاقتصاد المتردي، والمعارضة، التي باتت أكثر انتظاما، على الرغم من أنها ما زالت منقسمة، إضافة إلى الاستجابة الحكومية المرتبكة، تعيد رسم وجه سوريا، حتى لو تمكن الرئيس بشار الأسد من البقاء في السلطة.

لا تزال الثورة المشتعلة منذ أربعة شهور محصورة في موقف متأزم أمام حكومة لا تزال تحظى بتأييد، لكن بينما يعتقد مسؤولون حكوميون أن البلاد تشهد الآن فترة انتقالية للخروج من أربعة عقود من الحكم الاستبدادي على يد عائلة الأسد، تبقى الوجهة التي تنتقل نحوها البلاد غير واضحة المعالم.

يقول بيتر هارلينغ، المحلل لدى «مجموعة الأزمات الدولية» المقيم في دمشق: «إننا نشهد حالة تأزم، لكن من المتعذر الإبقاء على الوضع القائم»، وفي الوقت الذي يبدو أن المظاهرات فيه تكتسب زخما، مع خروج أعداد غير مسبوقة في حماه، بقلب سوريا، ودير الزور، في شمال شرقي البلاد، فإنها لم تظهر بعد على نحو حاسم داخل دمشق وحلب، أكبر مدينتين بالبلاد ومحور اهتمام الحكومة. يُذكر أن قوات الأمن قتلت، يوم الجمعة، 27 شخصا، وأصابت العشرات بجروح، في صدامات بالكثير من المناطق.

وتعمد الحكومة لحشد تأييد القاعدة الشعبية لها - المؤلفة من الأقليات الدينية والطبقة الوسطى ونخبة أصحاب الأعمال، عبر الترويج لما يرقى لمستوى ادعاء سلبي للشرعية؛ حيث تروج لرسالة مفادها: إذا رحلنا، ستتفتت البلاد أو تسقط في حرب أهلية أو يسيطر عليها الإسلاميون، إلا أن الإصلاحات التي أقرتها الحكومات جاءت مترددة. ولكن يبدو أن المسؤولين يعرضون أكثر قليلا مما طرحه نظام الرئيس حسني مبارك في مصر: معارضة أليفة لكن قانونية، إلى جانب قدر من حرية الصحافة والتعبير.

إنما حتى هذا النموذج يبدو غير مؤكد، مع لجوء حكومة تزعم أنها تولت تحديث سوريا إلى قوات الأمن، لفرض سيطرتها على المناطق المضطربة. وتدعي الحكومة أن المئات من قواتها لقوا مصرعهم في قتال مع متمردين إسلاميين مدعومين من الخارج.

ويرى نشطاء أن مظاهراتهم لا تزال سلمية، وأن 1400 شخص قتلوا من دون داع.

وقالت منتهى الأطرش، عضو منظمة «سواسية» لحقوق الإنسان في دمشق: «يساورني التشاؤم. أعتقد أن المشوار سيكون طويلا للغاية»، وأضافت: «هذا النظام لن يرضخ بسهولة لمطالب الشعب».

وقد شهدت الأسابيع الماضية تبادلا للأدوار في سوريا، مع فشل شعب تتطور رؤيته يوما بعد آخر، وحكومة مترددة في جعل ما جرى التهليل له باعتباره حوارا وطنيا أكثر من مجرد حوار داخل جنبات النظام. وقال مسؤول بالإدارة الأميركية في واشنطن رفض ذكر اسمه: «كل أسبوع يمر يكشف أن البلاد لا يمكن أن تعود لسابق عهدها، وأنها بالفعل في خضم فترة انتقالية، وأن الطريق أمامها سيكون عسيرا للغاية. أعتقد أن المستقبل يبدو كئيبا وهذا ما يخيف الناس».

وقال نشطاء أن أعداد المتظاهرين الجمعة ربما كانت الأكبر من نوعها منذ بداية الثورة، وإن كانت المظاهرات لا تزال متركزة في مناطق هي الأكثر تمردا حتى الآن، وهي حمص وحماه في وسط سوريا، ودير الزور وقابون وضواح من دمشق. وجاءت درجة التنظيم في الكثير من المظاهرات لافتة، خاصة القابون.

في القابون، تولى عشرات المتظاهرين حماية مباني الحكومة المحلية ومقار حزب البعث من أعمال التخريب والنهب، لحرمان قوات الأمن من ذريعة لشن هجوم قاس ضدهم. وحملت جموع، قدر عددها أحد الشهود بـ20 ألفا، بالونات وأعلام عليها شعارات. ويعكف نشطاء بدأب على توثيق هذه المشاهد. عن ذلك، قال صاحب متجر في القابون أشار لنفسه باسم أبو خالد: «أصبحنا أكثر تنظيما الآن، وبلغنا نقطة اللاعودة».

عندما فتحت قوات الأمن النار - بعد تعرضها لاستفزازات طبقا للرواية الحكومية - أقام المتظاهرون حواجز لسد الطريق أمامها، وفي تناقض صارخ مع الخوف الذي خيم على سوريا لأمد طويل، أثار المشهد الواردة من القابون صدامات مشابهة في حماه التي لم تعد قوات الأمن بها تثير الرعب في نفوس الناس، الذين يفترض أن تسيطر عليهم. وقال مزراع، 30 عاما، أشار لنفسه باسم أبو محمد، ويعيش في ضاحية دمشقية تدعى كسوه: «لن يتوقف الناس بعد كل هذه التضحيات».

في حماه، قلب الثورة، وافق سكان بالمدينة على إزالة بعض الحواجز، التي بنوها الأسابيع الماضية، طالما تسمح لهم قوات الأمن بالتظاهر السلمي. في دير الزور، حيث بدا أن زخم الثورة يشهد تحولا، شارك عشرات الآلاف في أضخم مظاهرات من نوعها حتى اليوم، وطوق الكثيرون منهم منطقة مرورية، كانت تعرف من قبل بميدان الرئيس، وأعيدت تسميته الآن ميدان الحرية.

ووصف أحد النشطاء المظاهرة بأنها «رسالة قوية وواضحة».

في المقابل، اعترف مسؤولون سوريون بأن للمتظاهرين بعض المظالم المشروعة، ومع ذلك استمروا في وصف المظاهرات بنفس المصطلحات التي سبق استخدامها مع انتفاضات أخرى أواخر السبعينات وثمانينات القرن الماضي، حيث قالوا إن الثورة يقوم بها إسلاميون يعملون وفق أجندات أجنبية.

وفي الوقت الذي تبدو الثورة في الجزء الأكبر منه سلمية، فإن مؤشرات تنامت مؤخرا حول ازدياد وتيرة العنف، مما يشير لمواقف أخرى مشابهة وقعت في الجزائر والعراق. في ظل غياب عملية سياسية حقيقية، يلجأ الخصوم للسلاح للضغط من أجل تنفيذ مطالبهم. ويتحدث سكان عن تزايد أعداد من يشترون أسلحة، خاصة بمناطق مثل حمص، وارتفاع أسعار الأسلحة.

منذ أسبوعين، تم رفع لافتة في ضاحية بدمشق مدون بها أسماء مرشدين لحساب الحكومة وتهدد بالانتقام. ويقول نشطاء حقوقيون إنهم اطلعوا على تقارير تفيد بمقتل أكثر من 10 مرشدين، وإصابة أعداد أكبر بكثير، معظمهم إصابات خطيرة. ويعتقد دبلوماسيون إن انفجار خط أنابيب للغاز الطبيعي في شرق هذا الأسبوع ربما كان عملا تخريبيا، وليس حادثة، مثلما صور مسؤولون سوريون الأمر.

في تلك الأثناء، لا يزال الاقتصاد يترنح مع خسارة الليرة السورية من قيمتها، وتباطؤ النمو، واحتمالات انكماش الاقتصاد، وانهيار السياحة، وهروب رؤوس الأموال.

وأعرب أحد الخبراء الاقتصاديين عن اعتقاده بأن الحكومة أمامها حتى نهاية العام حتى تواجه الانهيار الذي تحدث عنه الأسد، في خطاب له، الشهر الماضي. وقال آخرون إن الوقت أقل كثيرا.

وفي الوقت الذي لمح فيه الأسد إلى أن الدستور ستعاد كتابته - وهي خطوة تاريخية، لو أنها كانت قد اقترحت منذ أربعة شهور - يرى نشطاء، بل ومتعاطفون مع الحكومة، أن الحوار الوطني الذي جرى التهليل له فارغ من أي مضمون حقيقي. وقال نبيل سمان، مدير مركز الأبحاث والتوثيق في دمشق: «الموقف الآن تجاوز مرحلة الحوار. بإمكان الدولة فعل شيء الآن، لكنها إذا لم تفعل وخلال الأسبوع المقبل تقريبا، يساورني تشاؤم بالغ تجاه النتيجة».

* خدمة «نيويورك تايمز»