مظاهرات في إسبانيا.. دار دار

المحتجون يتجمعون أمام كل المنازل المهددة بنزع ملكيتها من أصحابها المدانين للبنوك

TT

حينما وصل رجال الشرطة مؤخرا لطرد ماريا خوسي ديل كوتو ماييسو (53 عاما) من منزلها، وجدوا الشارع المواجه لشقتها الكائنة في الطابق الأرضي مكتظا بالمتظاهرين، فعادوا أدراجهم. وقالت ديل كوتو لاحقا: «كان يوما يمكن أن يعتبره كثيرون كئيبا». وأضافت: «لكن بالنسبة لي، كان يوما مميزا. لقد التقيت بكل هؤلاء البشر المدهشين، وشعرت بالامتنان الشديد لهم».

وقد عاد معظم المتظاهرين الشباب الذين عسكروا بالآلاف في ميادين المدن الإسبانية الرئيسية لمعظم فترات شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) احتجاجا على الفساد الحكومي وعلى اقتصاد جعلهم عاطلين، إلى منازلهم. غير أن الحركة قد أثمرت عن جيش من المتطوعين الذين يحاولون إبراز وجودهم في عالم نظام نزع الملكية شديد التعقيد في إسبانيا - الذي ربما يكون الأشد قسوة من نوعه على مستوى أوروبا كلها - والذي عادة ما يترك ملاك العقارات السابقين غارقين في الديون لبقية مراحل حياتهم.

وكان من بين من تولوا مسؤولية تنظيم الاحتجاجات أمام منزل ديل كوتو المتواضع إلوي مورت (28 عاما). وقرر مورت، الذي يعمل مضيفا جويا، المساعدة في وقف عمليات نزع الملكية وطرد السكان من منازلهم بعد أن حضر اجتماعا نظمه المتظاهرون الذين احتشدوا في ميدان بويرتا ديل سول، الميدان الرئيسي في المدينة. وقال: «كان هذا عملا ملموسا جدا يمكنني القيام به. أردت أن أرى نتائج، وليس مجرد مظاهرات غامضة ضد المؤسسة المالية، أو المصارف تحديدا. رغبت في أن أرى عملا بناء».

شهدت إسبانيا، مثلها مثل الولايات المتحدة، انتعاشة ضخمة في مجال الإسكان التي ما لبثت أن تحولت إلى انهيار كاسح في عام 2008. ومع انهيار الاقتصاد، ارتفعت نسبة البطالة في إسبانيا لتسجل أعلى معدلاتها على مستوى دول الاتحاد الأوروبي، محدقة بنسبة 40 في المائة بالشباب - الذين بدوا حتى وقت قريب في حالة من اللامبالاة. وتغير هذا في 15 مايو (أيار)، عندما بدأ الشباب في الاحتشاد بمختلف أنحاء إسبانيا في مظاهرات سلمية استمرت لأسابيع في بعض المدن.

ويوظف الآن بعض من هؤلاء المتظاهرين مهاراتهم في استخدام شبكة الإنترنت في حشد جموع هائلة دفاعا عن حقوق ملاك العقارات المهددين، إذ يتجمع مئات من المتظاهرين أمام المنازل التي يقطنها أفراد مهددين بالطرد منها مثل ديل كوتو. ويحظى هؤلاء المتظاهرون بتغطية صحافية لم يحظوا بها من قبل على الإطلاق، فضلا عن تحقيقهم نتائج ملموسة، على حد قول البعض.

ومنذ يونيو، تم وقف 30 عملية نزع ملكية، وفقا لمجموعة مدافعة عن حقوق ملاك العقارات غير هادفة للربح تعرف اختصارا باسم «بي إيه إتش»، وهو ما يمثل ضعف المعدل السابق. وتجري مظاهرات معارضة لعمليات نزع الملكية وطرد السكان في مزيد من المدن.

وفي هذا الشهر، أصدرت الحكومة والمعارضة في البرلمان، التي تترقب بلا شك الانتخابات في العام المقبل، بيانات تصرح فيها بأنها ستراجع قوانين نزع الملكية وتنظر في إمكانية إدخال تعديلات عليها. وقال أدا كولاو، وهو محام حقوقي لدى «بي إيه إتش»: «نحن فخورون بأن مطالبنا باتت مطالب شعبية». وأضاف: «لقد أجبرت مظاهراتنا الحكومة على اتخاذ رد فعل، على الرغم من الضغط من البنوك».

وحينما لا يتمكن المدينون برهونات عقارية في إسبانيا من سداد ديونهم، يحرمهم القانون الإسباني من اللجوء إلى وسيلتين شائعتين في أماكن أخرى: لا يحق لهم تحويل المسؤولية إلى البنك وإخلاء ساحتهم أو تبرئة ذمتهم من الدين عن طريق المضي في إجراءات إشهار إفلاس. فهم يظلون مسؤولين قانونيا عن سداد قيمة القرض كاملة بعد نزع الملكية، وعند حساب الغرامة وقيمة الفائدة مستحقة السداد وعشرات الآلاف من الدولارات الممثلة في رسوم المحكمة، فربما ينتهي بهم الأمر إلى مواجهة كم هائل من الدين.

ويرغب المدافعون عن حقوق ملاك العقارات، في أن تتحول إسبانيا إلى نظام يشبه بدرجة كبيرة ذلك المتبع في الولايات المتحدة. لكن المقترحات الجديدة لا تصل إلى هذا الحد. فمعظمها يهدف فقط إلى تخفيف الشروط المعمول بها حاليا. فعلى سبيل المثال، ووفقا لهذه المقترحات، يبقى مسموحا للبنوك بأخذ نسبة من راتب المدين، ولكنها ليست نسبة كبيرة. وبالمثل، إذا لم يظهر مشترٍ في مزاد نزع ملكية واشترى البنك العقار نفسه، فسيتعين عليه دفع نسبة 60 في المائة من قيمة العقار في السوق، بدلا من 50 في المائة بموجب القانون الحالي.

إلا أن المدافعين عن حقوق ملاك العقارات يرون أن المقترحات تعد مجرد بداية. ويقول سانتوس غونزاليز سانشيز، رئيس جمعية الرهن العقاري الإسبانية، إن بعض المقترحات لم تدرس بشكل جيد والقضايا المطروحة بحاجة إلى مزيد من الدراسة. ورفض الادعاء بأن المتظاهرين «يعتمدون على الروايات أكثر من اعتمادهم على الأدلة الفعلية».

كان هناك نحو 94.000 عملية نزع ملكية في إسبانيا العام الماضي، وهو ما يعادل 4 أضعاف عدد هذه العمليات في عام 2007. وربما تستغرق عملية طرد شاغلي العقارات بعد نزع ملكيتها أكثر من عام كامل، وأحيانا ما توافق البنوك على إعادة تأجير المنازل مجددا لملاكها السابقين.

إن هناك تجاوزات هائلة في قطاع العقارات والقطاع المصرفي، مع اتجاه البنوك للإقراض بسرعة هائلة، لعملاء لا ينطوي التعامل معهم في الأغلب على مخاطر كبيرة ولا يفهمون بنود وشروط العقود. وعادة ما كانت تعتري الدهشة من وقعوا على رهونات عقارية كضامنين لإدراكهم أنهم يحتمل أن يخسروا كل ما امتلكوه.

وكانت ديل كوتو قد ضمنت قرضا لزوجها، الذي تركها وأطفالها، من بينهم ابن عمره 26 عاما من ذوي الاحتياجات الخاصة كان قد سقط من النافذة وهو طفل صغير. وقالت إنها كانت تبحث عن عمل كخادمة، ولكنها لم تتمكن من العثور على مثل هذه الوظيفة، كما أنها لا تملك أي مكان يمكنها أن تنتقل إليه في حالة طردها من منزلها الأنيق الذي تعيش فيه منذ 25 عاما.

ويعرقل المتظاهرون عملية نزع الملكيات وطرد السكان من حين لآخر. وتقول جماعات مؤيدة إنه عندما يشاهد رجال الشرطة وغيرهم من المسؤولين المشاركين في عمليات نزع الملكية هذه الحشود، غالبا ما يعودون أدراجهم. وتشير تلك الجماعات إلى أنه عادة ما يستغرق المضي في إجراءات نزع ملكية جديدة شهرا على الأقل، وربما تطول عن ذلك.

وقال مورت إن المتظاهرين أملوا أن يقتنع البنك بتأجير المنزل لديل كوتو بسعر يمكنها تحمله. وأضاف: «هذا هو هدفنا من كل هذه المظاهرات، أن يتم إيجاد حل مناسب كي لا يجد مثل هؤلاء أنفسهم في الشوارع من دون مأوى».

* أسهمت راشيل تشاوندلر في إعداد التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»