زوبعة سياسية في فرنسا بسبب دعوة مرشحة الخضر لإلغاء العرض العسكري التقليدي

إيفا جولي تتعرض لحملة «عنصرية» بسبب ازدواج جنسيتها الفرنسية ـ النرويجية

TT

يضج الوسط السياسي والإعلامي في فرنسا بجدل أثارته تصريحات مرشحة الخضر للانتخابات الرئاسية إيفا جولي عن العرض العسكري الذي يجرى تقليديا صباح الرابع عشر من يوليو (تموز) على جادة الشانزليزيه بمناسبة العيد الوطني الفرنسي.

وسبب الضجيج أن مرشحة الخضر والبيئويين اقترحت إلغاء العرض العسكري وإبداله بـ«عرض للمواطنين حيث يتجاور أطفال المدارس مع الطلاب والعاملين الاجتماعيين والفرنسيين المتقدمين سنا للاحتفال في أجواء السعادة بالقيم التي تجمعنا معا». وبحسب جولي، فإن الظروف التي شهدت ولادة الاحتفالات العسكرية قد تغيرت وبالتالي يتعين التخلي عن العروض العسكرية واستبدالها بما يتلاءم مع الواقع الحالي لفرنسا.

غير أن النار فتحت على إيفا جولي وانطلقت الحملات ضدها لتغطي على مسلسل دومينيك ستروس - كان ومغامراته النسائية في نيويورك. وانقض اليمين الفرنسي بكافة مكوناته وأجنحته وبعض اليسار على مرشحة الخضر ليهاجمها من زاوية واحدة كونها ولدت نرويجية وأصبحت فرنسية لاحقا وبالتالي فإنها «لا تفهم» القيم الفرنسية ولا روحيتها. وكان مستشار الرئيس نيكولا ساركوزي الخاص هنري غينو أول من صوب عليها، معتبرا تصريحاتها «إهانة لكل الذين قدموا منذ عصور أرواحهم للدفاع عن فرنسا وعن قيمها وحريتها»، وتعبيرا عن «جهلها لحقيقة فرنسا». وذهب وزير الزراعة برونو لومير إلى التعبير عن «صدمته» مما سمعه فيما دعاها نائب يميني اسمه ليونيل تاردي إلى «العودة إلى النرويج». وذهب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان النائب غي تيسيه إلى وصفها بـ«المعادية لفرنسا». أما رئيس الحكومة فرنسوا فيون فقد علق على تصريحات جولي بالقول إنها «لا تملك معرفة قديمة بالقيم الفرنسية»، في إشارة واضحة إلى أصلها الأجنبي، الأمر الذي أثار موجة من ردود الفعل المستنكرة لعنصرية اليمين في التعامل مع مزدوجي الجنسية أو الحاصلين حديثا على الجنسية الفرنسية.

وردت جولي أمس على هجوم فيون بالقول إنها «لم تنزل حديثا من سفينة دراكار»، في إشارة إلى السفن التي كان يستخدمها الفايكينغ من سكان شمال أوروبا قبل ألف عام عندما كانوا يغزون الشواطئ الأوروبية. وبعد فترة من التردد، عمد الاشتراكيون إلى الدفاع عن إيفا جولي وتركيز هجومهم على فيون، إذ رأت المرشحة مارتين أوببري أن ما يقوله فيون «ليس جديرا برئيس حكومة»، وأنه «يلتحق باليمين المتطرف».

وواقع الأمر أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فإن كل الحجج تصبح وسيلة للدعاية الانتخابية والتهجم على الخصم. لكن استهداف القاضية السابقة إيفا جولي التي رشحها حزب الخضر مؤخرا لتكون ممثلتهم في السباق الرئاسي يلعب على الوتر العنصري رغم أن إيفا جولي فرنسية منذ أكثر من 40 عاما.

ولدت غرو إيفا فارسيت (جولي لاحقا) عام 1943 في حي وأسرة متواضعين في أوسلو من أب خياط وأم متحدرة من بيئة زراعية. وفي سن الـ18 وصلت إلى فرنسا للدراسة وكانت فتاة بالغة الجمال إذ احتلت المرتبة الثالثة في انتخابات ملكة جمال النرويج. وفي باريس، عملت مربية أطفال في منزل لتكسب عيشها وتوفر مصاريفها الجامعية. ولاحقا تزوجت طالب طب هو ابن العائلة التي كانت تعمل لديها ما وفر لها الجنسية الفرنسية. وبعد حصولها على شهادة عليا في القانون والعلوم السياسية، أصبحت قاضية في عام 1981 حيث تدرجت في عدة مناصب. غير أن شهرتها حازتها عندما حققت في ملفات فساد مالي لشركة «ألف أكيتان» التي اشترتها شركة «توتال» لاحقا وبشأن دعوى فساد ضد وزير الخارجية الأسبق رولان دوما، أحد أقرب أصدقاء الرئيس السابق فرنسوا ميتران وبشأن صفقة الفرقاطات لتايوان حيث العمولات التي قبضت وصلت إلى عدة مئات من ملايين اليورو. وحتى الآن، لم يغلق ملف الصفقة وما زال يتفاعل. ومن «زبائن» إيفا جولي المدير السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس - كان عندما كان وزيرا للاقتصاد واضطر للاستقالة من منصبه بسبب فضيحة مالية برئت ساحته منها لاحقا.

في عام 2001، فجعت إيفا جولي التي تحولت إلى رمز لنزاهة القضاء واستقلاليته والرغبة الحازمة في محاربة الفساد والرشى بانتحار زوجها. وبعد فترة قليلة، قررت المرأة العودة إلى النرويج. وأصبحت في عام 2002 مستشارة لحكومة النرويج في قضايا الفساد كما عملت مستشارة لدى الحكومة الآيسلندية في القطاع نفسه. وفي عام 2005، أوجدت المرشحة الرئاسية ذات النظارتين الحمراوين شبكة «نيتوورك» مع قضاة مشهورين في محاربة الفساد مثل الإسباني بالتزار غارزون أو الإيطالي أنطونيو دي بيترو وغيرهما.

أما السياسة فقد ولجت بابها عام 2008 بمناسبة الانتخابات الأوروبية حيث ترشحت على لائحة الخضر والبيئويين وحصلت لائحتها في منطقة باريس على أكثر من 20 في المائة ما أدخلها إلى البرلمان الأوروبي وفتح أمامها باب السياسة واسعا. وبفضل هذه الدفعة، أعلنت العام الماضي رغبتها في الترشح للانتخابات الرئاسية عن الخضر وخاضت المنافسة ضد مرشح معروف هو نيكولا هولو. ورغم أن استطلاعات الرأي كانت ترجح فوز هولو، غير أن إيفا جولي فاجأت الجميع بأن كادت تفوز منذ الدورة الأولى حيث لم ينقصها سوى 63 صوتا. وفي الدورة الثانية، حصلت على أكثر من 58 في المائة وتأهلت للتنافس في الربيع القادم مع مرشحي اليمين واليسار على السواء. ويقول العارفون بإيفا جولي التي تتكلم الفرنسية بلكنة لذيذة إنها «لا تتراجع» عن هدفها، وإن الهجوم الذي تعرضت له بسبب كلامها عن العرض العسكري التقليدي لن يثنيها عن رغبتها في إيصال دماء جديدة وأفكار وممارسات جديدة إلى الحياة السياسية الفرنسية.