شباب «الإخوان» يرفضون الاستسلام لقرار فصلهم ويحاولون التجديد من الداخل

مراقبون اعتبروه نوعا جديدا في إدارة الصراع داخل جماعة تتمسك بـ«السمع والطاعة»

TT

لا يزال الكادر الإخواني أحمد عبد الجواد، يتمسك بوجوده في جماعة الإخوان المسلمين بمصر، رغم إصدارها قرارا بفصله مساء أول من أمس، على خلفية ما اعتبرته الجماعة رفضه الالتزام بقرار مكتب الإرشاد (أعلى هيئة تنفيذية بالجماعة) بعدم المشاركة في الاعتصام الذي دعت له قوى سياسية منذ نحو أسبوعين احتجاجا على ما سموه «تباطؤ الحكومة والمجلس العسكري (الحاكم) في تطهير البلاد من بقايا النظام السابق».

ويرى مراقبون أن إصرار شباب الجماعة المفصولين على تقديم مذكرات لمجلس شورى الإخوان العام (أعلى هيئة تشريعية ورقابية بالجماعة) للاحتجاج على قرار المكاتب الإدارية بفصلهم، يعكس نوعا جديدا من إدارة الصراع السياسي داخل الجماعة الأكثر تنظيما وتماسكا في البلاد، التي اشتهرت بمبدأ «السمع والطاعة».

ويقول شباب الإخوان إن نمط إدارة الجماعة في ظل نظم استبدادية لم يعد يصلح في زمن يتطلع فيه الشعب المصري كله للحرية والديمقراطية، خاصة بعد أن لعب هؤلاء الشباب دورا مهما في وقائع الثورة.

يحمل عبد الجواد وهو عضو قسم الطلبة داخل الجماعة، على كتفه مكبر صوت متنقلا، يعتبره سلاحه الوحيد في المظاهرات السلمية التي كان واحدا ممن شاركوا في الإعداد لها يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، والتي انتهت بالإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في 11 فبراير (شباط).

ويعتصم عبد الجواد في ميدان التحرير، للمطالبة بسرعة إجراء محاكمات النظام السابق ومن يتهمونهم من عناصر الشرطة بقتل الثوار إبان الثورة، وكذلك سرعة إجراء تغيير وزاري للإطاحة بوزراء يعتبرونهم من قيادات الحزب الوطني الديمقراطي الذي هيمن على الواقع السياسي في مصر خلال الثلاثين سنة الماضية قبل أن تصدر محكمة مصرية بعد الثورة قرارا بحله.

وينخرط عبد الجواد حفيد المرشد الخامس لجماعة الإخوان، بسهولة مع باقي أطياف القوى السياسية على تنوعها، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، داخل ميدان التحرير، بقدر أكبر من الثقة المتبادلة التي ربما تفتقر لها قيادات النخب السياسية في مصر.

وعكست محاولات «الإخوان» إنجاز تحالف يضم القوى الرئيسية في البلاد، خلال الشهرين الماضيين، ما وصفه مراقبون «بعدم الثقة» بين «الإخوان» وقوى سياسية تقليدية، بعد أن قررت عدة أحزاب التراجع عن تحالفها مع الجماعة تحت مظلة «التحالف الديمقراطي من أجل مصر».

كانت الجماعة التي تخشى بعض القوى السياسية من أن تحل محل الحزب الوطني، قد فصلت بالفعل خمسة كوادر من شبابها داخل ائتلاف شباب الثورة الذي يضم 9 فصائل سياسية، كانت أول من دعا للتظاهر يوم عيد الشرطة (25 يناير) الماضي، وعلى رأس هؤلاء الشباب إسلام لطفي عضو المكتب التنفيذي بالائتلاف.

ويعترض لطفي على الطريقة التي قررت بها الجماعة الانخراط في العمل الحزبي وأنشأت بقرار من مكتب الإرشاد حزب الحرية والعدالة، الذي يمثل ذراعها السياسية. وأصدرت قرارا آخر يقضي بفصل أي عضو بالجماعة ينضم إلى حزب آخر غير حزبها.

لم يكتفِ لطفي بالانضمام إلى حزب آخر، بل عمل على تأسيس حزب جديد يحمل اسم «التيار المصري»، ويعبر عما يطلقون عليه روح «ميدان التحرير»، الذي غدا قبلة الثوار وشهد طوال 18 يوما هي عمر الثورة المصرية على نظام مبارك نوعا من التقارب الشديد بين القوى الإسلامية والقوى الليبرالية واليسارية، كما اصطف فيه المسلمون والمسيحيون متجاوزين حالة الاحتقان الطائفي التي هيمنت على الواقع المصري خلال السنوات الأخيرة.

ويقول محمد القصاص الذي صدر بحقه هو الآخر قرار بالفصل من الجماعة أول من أمس، إنه مصمم على اللجوء إلى مجلس شورى الجماعة، ويضيف «سوف نفعل ما يرضي ضمائرنا.. لا نعرف بالضبط ما هي الطريقة التي يمكن أن يتجاوب بها المجلس لكن علينا أن نطرق هذا الباب ليعلم الجميع وجهة نظرنا».

الإصرار الذي يبديه شباب «الإخوان» للاحتفاظ بمواقعهم داخل الجماعة، يتناقض مع الطريقة التي واجهت بها قيادات تاريخية للجماعة قرارات مماثلة. وخلال الشهر الماضي فصلت الجماعة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي يعد المؤسس الثاني لـ«الإخوان» في السبعينات، بعد أن أعلن عزمه الترشح لمنصب الرئاسة مخالفا بذلك قرار «الإخوان» بعد الترشح لهذا المنصب.

كما استقال الدكتور محمد حبيب نائب المرشد السابق وانضم إلى حزب النهضة الذي أسسته القيادات الإصلاحية في الجماعة التي اختلفت مع الطريقة التي أديرت بها انتخابات المرشد ومكتب الإرشاد الأخيرة.

وتقلل قيادات «الإخوان» من أهمية فصل شبابها قائلة إن عددهم لا يتجاوز «أصابع اليدين»، لكن المؤتمر الذي عقده شباب الجماعة قبل نحو ثلاثة شهور وشهد حضورا مكثفا من الشباب ورفض مكتب الإرشاد دعوتهم لحضوره، يشير، بحسب المراقبين، لوجود تناقض بين رؤية وتطلعات الشباب، والقيادة الإخوانية.