محمد الأسواني: القائمون على إدارة البلاد يتحركون كـ«السلحفاة».. والمشهد «غامض»

بعد 30 عاما في سجون مبارك.. قال في حوار مع «الشرق الأوسط»: مصر تريد رئيسا عادلا ينزل للشارع

محمد الأسواني (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

دعا الشيخ محمد الأسواني، وهو من أشهر السجناء السياسيين في مصر، عقب الإفراج الصحي عنه يوم الجمعة الماضي، المجلس العسكري الحاكم للإفراج عن 84 معتقلا سياسيا يعانون من أمراض نفسية وعضوية مزمنة، قائلا إن هؤلاء المعتقلين أصبحوا أشبة بالمومياوات ولا يشعرون بأن ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أسقطت حكم الرئيس السابق حسني مبارك قد غيرت الحياة.

وتحدث الأسواني الذي يبلغ من العمر الآن 59 سنة، في أول حوار مع «الشرق الأوسط»، عن فترة اعتقاله التي استمرت 30 سنة في عدة سجون مصرية عاشها كلها داخل زنزانة انفرادية لا يعرف ما يدور خارج حدود زنزانته، ولا يعرف شيئا عن أهله بعد أن منعت عنه الزيارة لمدة 15 عاما، موضحا أنه تم تصوير المعتقلين في مشاهد فيديو عندما تعرض مبارك لمحاولة اغتيال في أديس أبابا ليؤكد ضباط الداخلية للرئيس السابق أن هناك سيطرة على السجون. وتم سجن الأسواني للمرة الأولي عام 1981 عندما اتهم بقيادة تنظيم لقلب نظام الحكم في مصر بالقوة، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لأفراد الشرطة، في القضية التي حملت رقم «462» وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاما، ثم حكم عليه بالسجن 7 سنوات إضافية في قضية حيازة سلاح، ثم حكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما في قضية «الهروب الكبير من السجن». وقال الأسواني، الذي أصيب بشلل نصفي نتيجة جلطة دماغية، وتضخم بالكبد وضمور بالكلية اليمنى وأزمات ربو مزمنة، إن الذي يحدث في مصر الآن هو ما حدث في إيران منذ 30 عاما؛ لكن الفرق أن ثورة إيران لم تجامل أحدا مثلما جاملت الثورة المصرية، مؤكدا على أنه كان يهيئ نفسه لقضاء بقية سنوات عمره في المعتقل. وتطرق الأسواني، الذي يسكن في شقة صغيرة بضاحية عين شمس (شرق القاهرة)، إلى الأوضاع الحالية التي تشهدها مصر منذ الإطاحة بنظام مبارك قبل نحو 5 أشهر، قائلا إن مصر تريد رئيسا عادلا ينزل للشارع. وأضاف أن المشهد في التحرير غامض بعد أن أصبحت فيه 6 منصات بـ6 أجندات و«بعد أن أوصلنا النظام السابق إلى حالة فقدان الثقة في الآخرين». وإلى أهم ما جاء في الحوار الذي أجري في القاهرة..

* حدثنا عن شعورك بعد الخروج من المعتقل؟

- لدي شعور عجيب، فلم أكن متخيلا أن أخرج للحياة من جديد، وهيأت نفسي أن أقضي سنوات عمري الباقية في المعتقل، وذلك من خلال استقرائي للوضع العام في مصر.. وعدت للحياة المدنية من جديد وأشعر أن هناك فجوة زمنية بيني وبين الحياة.

* وكم عاما قضيتها في المعتقل، وكيف دخلته؟

- أنا أقدم سجين مصري قضيت 30 عاما داخل المعتقل، وأطلق علي «إمبراطور السجون المصرية»، ودخلت المعتقل في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1981، وكنت وقتها طالبا في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ولم أكن أنتمي لأي تيارات دينية داخل الجامعة، وبحكم نشأتي الدينية، التصقت بالمسجد في الكلية، وكانت مصر وقتها تعيش فرحة نصر حرب السادس من أكتوبر؛ ولكن ما فعله الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، جعلني ثائرا، وزاد الأمر، عقب زيارة شاه إيران محمد رضا بهلوي إلى مصر.. خرجنا في مظاهرات إلى الشارع، وهو الشاه الذي أخرجه شعبه. وبالمناسبة، الذي يحدث في مصر الآن هو ما حدث في إيران منذ 30 عاما؛ لكن الفرق بين مصر وإيران أن ثورة إيران لم تجامل أحدا مثل الثورة المصرية. وفي هذه الأحداث تم القبض علي مع مجموعة من الطلبة؛ لكني تمكنت من الهرب، وتولدت لدي قناعة بعد ذلك أن أبتعد عن وجه الأمن حفاظا على عائلتي وأسرتي. بدأت في العمل السري واختفيت عن الأنظار وظهرت كطالب عادي؛ لكن فكرة التغيير كانت لا تزال تسيطر علي مخيلتي، وكنت على علاقة بصديق له علاقة مباشرة بالمجموعة التي اغتالت السادات ويدعى «صلاح» وكان يتردد علي في منزل الأسرة ويبدو أن الأمن كان يتتبعه، وذات مرة جاءوا للقبض علينا، وتخيلت وقتها أنهم من أقربائنا من صعيد مصر جاءوا للأخذ بالثأر، حيث كان والدي عليه ثأر في محافظة أسوان مسقط رأسي، وعادات الصعيد أخذ الثأر من الفاعل أو أبنائه.

* وهل انتقلت الأسرة من صعيد مصر إلى القاهرة بسبب الثأر؟

- نعم، ووالدي تعرض لمحاولة قتل فعلا. فوجئت بأفراد الأمن يطرقون الباب ويقولون شرطة، فتخيلت أنهم من الصعيد جاءوا للأخذ بالثأر مني، وطلبت من والدتي الكفيفة عدم فتح باب الشقة، حتى أتمكن من الهرب من الباب الآخر، وأثناء حديث والدتي معهم فتحت باب الشقة وخرجت بسرعة، وفوجئت أن هناك إطلاق نار علي وقد أصبت في ذراعي وفي رجلي؛ لكني تمكنت من الهرب، وأثناء هروبي تبادل الأمن إطلاق النار بعضهم على بعضهم، ظنا منهم أنني من أطلق الرصاص، ووقع قتيل ومصابين.

* إذن كيف تم القبض عليك؟

- بقيت في هروب من مكان لآخر لمدة شهر واحد؛ إلا أن أحد أصدقائي وشى بي عند الأمن وتم القبض علي واتهمت في عام 1981 بقيادة تنظيم لقلب نظام الحكم في مصر بالقوة، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لأفراد الشرطة، في القضية التي حملت رقم «462» وحكم علي بالإشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عام، ثم حكم علي بالسجن 7 سنوات إضافية في حيازة سلاح في القضية نفسها، ثم حكم علي بالسجن لمدة 12 عاما في قضية «الهروب الكبير من السجن».

* وهل كنت وقتها تنتمي لأي تيار ديني؟

- لم أكن أنتمي لأي تيار سياسي أو ديني، وجرمي أنني كنت متدينا، وكنت أرى أن الوضع في مصر خطأ، وكان النظام السابق يرى أني خطر عليه، وكنت متهما بقلب نظام الحكم بالقوة، وهي تهمة كبيرة.

* ولماذا فكرت في الهروب من السجن؟ - فكرت في الهروب بعد حصول 66 ضابطا داخل المعتقلات ممن ساهموا في تعذيب المسجونين السياسيين وأسرهم، على البراءة وتم الإفراج عنهم ومنحهم مبارك أرفع الأوسمة وأرسلهم في رحلة حج، وفوجئنا بميكروفون السجن يشغل أغنية فريد الأطرش «يا عوازل فلفلوا»، وكنت واحدا من المسجونين، ولا نعرف ماذا نعمل، وشعرنا أن دماءنا ذهبت هباء، وفكرنا وقتها في الهرب من ليمان طرة.

* وكيف نفذتم الهروب؟

- هربنا بإمكانات بسيطة جدا، كانت موجودة داخل السجن عن طريق سلم خشبي تم صنعه.. في البداية فكرنا في عمل نفق وفشلنا لمدة عام، كنا نفكر في الهروب قبل صدور الأحكام ببراءة الضباط، لكن بعد براءتهم زادنا ذلك إصرارا على الهروب.

* وكم من السجناء تمكنوا من الهرب؟

- ثلاثة هم من تمكنوا من الهرب، وهم خميس محمد مسلم وعصام القمري وكنت ثالثهم، وكنا متيقنتين أننا سوف نموت، وجميع الحراس أمطرونا بالطلقات.. خرجنا سجن طرة ومشينا على خط مترو أنفاق القاهرة، والكلاب البوليسية التي كانت تتبعنا دلتهم على طريق مصر السويس بدلا من الطريق الذي كنا نسير فيه، وكنا عبرنا النيل عبر مركب شراعي حتى الطريق السريع.

* وهل كنتم تحددون وجهتكم وقتها؟

- الضغوط النفسية التي تعرضنا لها في السجن جعلتنا لا نفكر، وكنا نخاف من إلصاق التهم بنا، وكنا نخاف على زملائنا في السجن من الغدر بهم وقتلهم، ومكثنا أسبوعا في شقة شخص يدعي خالد بخيت في حي الشرابية، حتى داهمت الشرطة الشقة، وتمكنا من الهروب، وقتل «القمري»، حيث كانت تعليمات وزير الداخلية الأسبق زكي بدر بقتلنا وتصفيتنا جسديا، ثم ذهبنا إلى الشيخ «خالد» في حي حدائق المعادي صديق شقيقي الأصغر طارق الأسواني، وعندما بدأت الأموال تنفد منا، طلب شقيقي من أحد أصدقائه بعض الأموال، وبالفعل طلب مقالبتنا في شارع القبيسي خلف المستشفي القبطي بشارع رمسيس بوسط القاهرة، فذهبت أنا وطارق لنجد الأمن هناك، وتمت إصابتي في رجلي ورأسي، وظنوا أني مت، وأدخلوني المستشفي في المشرحة، وسجلت أنى على قيد الحياة، لذلك كان من الصعب التخلص مني، لكن «خميس مسلم» تم قتله والتمثيل به بعد أن قيدوه.

* وفي أي السجون قضيت مدة اعتقالك؟

- قضيتها في جميع سجون منطقة ليمان طرة، وأتذكر أنهم كانوا يحملونني أثناء تأديتي امتحان كلية الحقوق من كثرة القيود الحديدية الموجودة حول عنقي ويدي وأرجلي.

* حدثنا عن الوضع داخل المعتقل؟

- قضيت فترة حبسي في سجن انفرادي حتى أصبت بجلطة مخية، وقتها سمحوا لي بأحد المعتقلين معي في الحجرة، ومنعت عني الزيارة لمدة 15 عاما.. كانت هناك خطة للتخلص من أي معارضة سياسية داخل السجون، فعندما تعرض مبارك لمحاولة اغتيال في أديس أبابا بإثيوبيا تم التنكيل بنا، وتم تصويرنا في مشاهد فيديو ليتم عرضها على مبارك، ليعرف أن هناك سيطرة على السجون. ولك أن تتخيل أن المسجون كان معه أكثر من 12 فردا يتناوبون ضربه على ورديات، وحجرتي في سجن العقرب متران في 3 أمتار، وكان عندي بطانيتين اثنتين فقط في الصيف والشتاء، وكان يتم وضع الأكل على الأرض، وهو عبارة عن حبات من الأرز على رغيف خبز، و6 حبات فول، وفي مرة وجدت 12 فتحة في فولة واحدة، وكان لا يوجد علاج في السجون لمرضى السكري والضغط، إضافة إلى الجلد.

* هل مورس التعذيب ضد أسرتك؟

- تم اعتقال شقيقتي عبير الأسواني لمدة عام وهي في الصف الرابع الابتدائي، وتم سحلها هي وأمي شبه عاريتين لمسافة كيلومترين من منزلنا حتى مقر جهاز أمن الدولة، وحدثتني شقيقتي عن أن زوجات المعتقلين كان يتم التحفظ عليهن في أمن الدولة بالملابس الداخلية الممزقة، وبعضهن أصبن بالجنون نتيجة الاعتداء عليهن جنسيا، أما طارق، فقد اعتقل لمدة 14 عاما، وكون أمي كفيفة هذا ما منعهم عن اعتقالها.

* وهل تتفق معي أن النظام السابق كان يتبع خطة لقتل المعتقلين؟

- طبيعي كانت هذه خطتهم لقتلنا شارك فيها الأمن والأطباء التابعون له.

* وهل تبدل الحال عقب تنحي مبارك عن السلطة؟

- قبل تنحي مبارك لم يكن أحد يتعامل معنا نهائيا من الضباط والأطباء وكانوا يخافون منا؛ لكن بعد الإطاحة بمبارك بدأوا يتعاملوا معنا عن قرب، والحال تغير كليا، ونمت على سرير خشب لم أره منذ 30 عاما، وكميات الأكل زادت وحدثت لنا «تخمة» وسمحوا لنا بالزيارة.

* وهل اقتربت من الإسلاميين داخل المعتقل؟

- أول من التقيت معهم الجهاديون، وأفكارهم نالت إعجابي واعتبرتها منطقية، وكنت أرى أن الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد هما أكثر من ظلم في عهد مبارك.. أكثر من جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي، حيث نالت التيارات السلفية في عهد مبارك بعض الحريات كبديل عن الإسلاميين الذين ظن مبارك أنهم سوف يغتالونه، وسمح لهم بمساحة محدودة من الحرية، ليؤكد أنه ليس ضد التيار الإسلامي.

* ما رأيك في دخول التيارات الدينية معترك السياسة؟وهل تؤيد صعود «الإخوان» للحكم؟

- كل التيارات الدينية في مصر له أجندات خاصة، وأفضل ما في هذه الأجندات أنها لا تحتوي على أشياء تضر بالمصريين، ولا أرى مشكلة في وصول «الإخوان» للحكم، وعلى الرغم من عدم معرفتي بأجندتهم الخاصة، فإنني أعرف أنهم أفراد مخلصون ويحبون مصر ولديهم كوادر واعية.

* بعبارة بسيطة، كيف كان حال الإسلاميين في عهد مبارك؟

- حالهم أشبه بشخص تريد أن تقتله، لكن دون وضع بصمات عليه.. مارس عليه الموت البطيء، وكان أمام المسجونين السياسيين إما الإصابة بالجنون أو الأمراض المزمنة.

* وبماذا تخطط لمستقبلك بعد خروجك؟

- نتيجة إصابتي بجلطة مخية مزمنة، أصبحت صحتي لا تسمح، وأحاول أن أجد طبيبا مشهورا لمتابعة حالتي، وأفكر بالزواج «ولو القيامة ستقوم باكر سوف أتزوج اليوم».

* وكيف ترى المشهد السياسي في مصر الآن؟

- المشهد غامض؛ فالنظام السابق أوصلنا إلى حالة فقدان الثقة في الآخرين.. جعل الشباب لا يثق في تحركات الآخرين، فالمشهد الآن يتمثل في شباب متعجلين، وقائمين على إدارة شؤون البلاد يتحركون تحركا «سلحفائيا»، وهو ما أوجد الخلاف بين الطرفين، فضلا عن خروج البلطجية بحثا عن بديل للنظام السابق.

* كيف ترى المشهد في ميدان التحرير الآن؟ وتقييمك لمحاكمات رموز النظام السابق؟

- التحرير بعد أن كان فيه أجندة واحدة، أصبحت فيه 6 أجندات بـ6 منصات، وأرى أن المحاكمات بطيئة، ونظام مبارك نجح في الدفع ببعض من عناصره في القضاء المصري، وإذا كنا نريد محاكمات، فلا بد من تطهير القضاء.

* صف لنا كيف تابعت ثورة «25 يناير»؟ وهل رجال الداخلية تعاملوا بوحشية مع المتظاهرين؟

- لم يكن أحد يتخيل أن تحدث في مصر ثورة، وكانت الثورة حلما، ورجال وزير الداخلية حبيب العادلي تعاملوا مع المتظاهرين بوحشية شديدة، وقتل المظاهرين كان بناء على تعليمات، وفي الداخلية خطط في حال تخطي الناس للحاجز الأمني وانهيار النظام أن يتم إخراج البلطجية من السجون وهذا ما حدث بالفعل.

* من وجهة نظرك، لماذا يرفض ضباط الشرطة ممارسة عملهم في إعادة الأمن لشارع؟

- الضباط قادرون ولديهم إمكانات وثقة بالنفس، لكن هم تعودوا على نوع واحد من العمل وهو وأن يكون كل فرد فيهم على حريته مثلما تعودوا وقت العادلي، فهم لا يريدون وزيرا صارما، فهم يريدون أن يضربوا الناس وأن يموتوا دون تلقي تعليمات، وأن يكون كل ضابط وزير نفسه، وفي الوقت نفسه عندما يمتنعون عن العمل نجري عليهم «ونبوس إيديهم» ونقول لهم أنتم أسيادنا، وأن الثورة غلطة، ونجيب مبارك من شرم (الشيخ)، ونتعهد لهم بأننا لن نعمل ذلك ثانية.

* رسالة تريد أن توجهها لشباب الثورة وللمجلس العسكري؟

- أوجه رسالة شكر للشهداء، فلولا دماؤهم ما خرجت من سجني، وأنا مدين لهم بحياتي، وأطالبهم بالارتفاع فوق مستوى الطلبات الشخصية والبعد عن الانتقام الشخصي. أما المجلس العسكري، فأدعوه للإفراج عن 84 معتقلا سياسيا مصابون بأمراض نفسية وعضوية وهم أشبه بالمومياوات، ويريدون أن يشعروا بالتغيير والثورة.. والإفراج عنهم بجرة قلم. وسرعة إنهاء الملف الخاص بالمحاكمات لمبارك ورجاله.

* من وجهة نظرك، ما مواصفات الرئيس المقبل؟

- مصر في حاجة إلى رئيس يحب العدل، ويتفقد رعيته في الشارع على دراجة ويركب الأتوبيسات ليرى المواطنين في الشوارع والعشوائيات.