طاجيكستان: معركة في الأفق بين تيار ديني صاعد وحكم استبدادي متجذر

جدل إزاء قانون يمنع الأطفال من ارتياد المساجد.. ومطالبة طلاب الدراسات الدينية في الخارج بالعودة

مصلون في أحد مساجد العاصمة الطاجيكية (نيويورك تايمز)
TT

تشهد طاجيكستان تناميا كبيرا في المظاهر الإسلامية، يمكن ملاحظته مع انتشار اللحى لدى الرجال والحجاب لدى النساء، وازدهار بيع سجاجيد الصلاة في الأسواق، وكذا التسجيلات الدينية والساعات التي تظهر عليها صور أماكن إسلامية مقدسة.

فبعد عقود من فرض العلمانية في هذا البلد، يهرع أبناء هذه الجمهورية المعدمة التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي السابق نحو دينهم التقليدي يملأهم حماس شديد، الأمر الذي يخلق قلقا بالغا لدى الحكومة الاستبدادية الموجودة هنا. ويخالج الحكومة الفزع من شبح الراديكالية الإسلامية والتحديات الناشئة عن القيادات الدينية متنامية النفوذ. وعليه، تعمل السلطات الطاجيكية بدأب على قمع أشكال التعبير الديني.

وكان من نتائج ذلك إلقاء القبض على رجال ملتحين على نحو عشوائي، ومنع النساء من حضور الشعائر الدينية. هذا العام، طالبت الحكومة الطلاب الذين يدرسون علوما دينية في جامعات بدول مثل مصر وسوريا وإيران بالعودة إلى الوطن. وأغلقت الشرطة مساجد خاصة والمواقع الإلكترونية الإسلامية، وتفرض الحكومة الآن رقابة على خطب الجمعة، وتحرص على التدخل عندما يحيد رجال الفتوى عن النهج الحكومي.

وخلال الشهر الماضي، اتخذ أعضاء البرلمان ما اعتبره كثيرون هنا خطوة كبرى بتمريرهم قانونا يحظر عدة أمور، منها: حضور الأطفال دون الـ18 للصلاة في المساجد. ويدعى هذا القانون «مسؤولية الوالدين تجاه التعليم وتنشئة الأبناء»، وأشار مسؤولون إلى أن هذا الإجراء يرمي للحيلولة دون غياب الأطفال عن المدارس لحضور الصلاة في المساجد، وسيحاسبون الآباء والأمهات إذا حدث ذلك.

على الجانب الآخر، شبه منتقدو الحكومة هذا الأمر بأنه محاولة على غرار ما كان يحدث في الحقبة السوفياتية لكبح المد الإسلامي، إلا أن الكثيرين حذروا من أن منع الشباب من ارتياد المساجد ربما يخلف تأثيرا عكسيا.

وقال محمد علي هايت، نائب رئيس حزب النهضة الإسلامي المعارض في طاجيكستان: «بعد بدء سريان القانون وبدء ممارسة الحكومة وقوات الأمن الضغوط، ربما ينجذب الشباب للتنظيمات غير القانونية. ومن المحتمل أن تتفاقم مستويات الراديكالية بالبلاد». ومن الواضح أنه يجري النظر إلى تنامي المشاعر الدينية في طاجيكستان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق المجاورة باعتباره تهديدا للقادة السلطويين بالمنطقة، الذين يتقلد بعضهم السلطة منذ عقود.

وتسببت حركة التمرد التي تشنها حركة طالبان في أفغانستان المجاورة في تفاقم المخاوف، خاصة في وقت تستعد فيه الولايات المتحدة الأميركية لسحب قواتها من الأخيرة. ومن وقت لآخر تقع صدامات بين قوات الحدود الطاجيكية مع أفراد أفغان، ونسبت السلطات عدة هجمات ضد وحدات شرطية وعسكرية العام الماضي إلى مسلحين أجانب. يُذكر أن التنقل بين البلدين سهل نسبيا، وقال الكثير من أبناء طاجيكستان الذين التقيناهم إنهم زاروا أفغانستان لتلقي نوع من التدريب الديني.

وقال رئيس طاجيكستان، إمام علي رحمانوف، في خطاب ألقاه في أبريل (نيسان) الماضي: «لاحظنا في السنوات الأخيرة محاولات من جانب حركات متطرفة للتأثير على تصورات الأطفال إزاء العالم. وبدأ قادة الكثير من الجماعات والتيارات المتطرفة بالظهور داخل معاهد أكاديمية وتجنيد شباب يفتقر إلى الخبرة»، وذلك في إطار دعوته للحاجة إلى قانون حول مسؤولية الوالدين.

وقال خبراء مستقلون إنه لا توجد أدلة قوية توحي بأن الجماعات الإسلامية المسلحة وجدت قبولا لها في طاجيكستان، ويرون أن القادة الإقليميين غالبا ما يستغلون تهديد التطرف الإسلامي كذريعة لشن حملات قاسية ضد خصومهم السياسيين وأنصارهم. يُذكر أن رحمانوف وحاشيته، ومعظمهم علمانيون من أعوان الاتحاد السوفياتي السابق، قاتلوا وانتصروا في حرب أهلية وحشية ضد ائتلاف من جماعات معارضة مسلمة وعلمانية خلال تسعينات القرن الماضي. وعلى الرغم من أن القادة الميدانيين السابقين من المعارضة وعدوا بالحصول على مقاعد في الحكومة بعد الحرب، تعرض الكثير منهم للسجن أو النفي أو القتل.

وعن ذلك، قال خودزهي أكبر تورادزونزودا، وهو زعيم إسلامي بارز وعضو سابق بالبرلمان: «نشهد تطرفا علمانيا هنا»، مؤكدا أن الحديث عن الراديكالية الإسلامية في طاجيكستان «كذب». وأضاف: «هذا فقط لخداع الناس، وتعزيز الديكتاتورية، وإنفاق مزيد من المال على الأسلحة والخدمات السرية».

جدير بالذكر أن القانون الذي يحظر على الأطفال ارتياد المساجد لم يبدأ سريانه بعد؛ حيث لا يزال يتعين على رحمانوف، الذي اقترحه، التوقيع عليه. إلا أن منتقدي الحكومة وشخصيات دينية يرون أن السلطات بدأت في فرضه في الكثير من المناطق؛ حيث تشن غارات على المساجد، ويُطرد منها الشباب وتفرض غرامات على البالغين المتهمين بتدريس الدين من دون إذن حكومي. وبعد توقيع القانون، يمكن أن يواجه الآباء والأمهات غرامات ضخمة، بل وحتى السجن، في حال انتهاكهم القانون. وأوضح مافلون مختاروف، نائب رئيس لجنة الشؤون الدينية، وهي كيان حكومي يتولى الترويج لهذا الإجراء، أن القانون لن يمنع الأطفال أو أي فرد آخر من الصلاة، لكنه أصر على أن أبناء البلاد، الذين أصبح الكثيرون منهم متدينين حديثا، بحاجة للتوجيه. وأضاف: «لقد أقررنا هذا القانون كي ندفع الآباء والأمهات للاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه تنشئة الأطفال. التلاميذ يجب أن يكونوا بالمدارس، إذا ذهبوا جميعا للصلاة بالمساجد وأهملوا دراستهم سيعجزون عن التعلم».

وأوضح أن القانون لا يمنع الطلاب من تعلم الإسلام في واحدة من المدارس الدينية التي تديرها الحكومة أو الأقسام الدينية داخل الجامعات. يُذكر أنه يوجد في طاجيكستان، التي يقطنها 7.6 مليون نسمة، قرابة 20 مدرسة فقط من هذا النمط، على الرغم من أن مختاروف قال إن الحكومة تنوي افتتاح المزيد. وقال إن جميع الأطفال سيسمح لهم بحضور احتفالات الأعياد في المساجد.

من ناحية أخرى، نددت حكومات غربية، بينها الولايات المتحدة، بالإجراء، علاوة على تنديد دبلوماسي أميركي مؤخرا بما وصفه بـ«الانتهاكات المنظمة المستمرة الفاضحة للحرية الدينية» من جانب حكومة طاجيكستان. إلا أن الخوف من التطرف الإسلامي بلغ مبلغا عظيما دفع الكثير من أبناء البلاد، بينهم مسلمون متدينون، لدعم القانون. مثلا، قال زور شيلاييف، 32 عاما، مهندس، بينما كان يقف في حشد من المصلين الذين انتهوا لتوهم من صلاة الجمعة بأحد مساجد العاصمة: «تعمل الحكومة على ضمان عدم تأثير المنظمات الإرهابية الأجنبية على الشباب بتشويه آرائهم عن الإسلام. هناك دوما تهديدات قائمة، خاصة بالنظر لنوعية الدول المجاورة».

وانتقد آخرون الحملة الحكومية باعتبارها ضلت السبيل. ويرى هؤلاء النقاد أن مثل هذه القوانين لن تجدي في محاربة الأسباب الجذرية للتطرف، خاصة بالنظر للفقر المتوطن بالبلاد، إضافة لجميع المشكلات المرتبطة به، ولم تفعل السلطات مجهودا يذكر للقضاء عليه.

وتجلت هذه المشكلات في ساحة المسجد المركزي هنا في أحد الأيام القريبة عندما أقدمت مجموعة من الفتية بملابس رثة على التسول من مرتادي المسجد، من دون أن يبدوا اهتماما بالأذان. وعند سؤالهم لماذا لا يدخلون المسجد للصلاة، أجاب أحدهم بخجل: «نحن صغار للغاية».

* خدمة «نيويورك تايمز»