فضيحة التنصت على الهواتف تلطخ سمعة اسكتلنديارد

ضباط على استعداد لقبول رشى لتمرير معلومات

TT

دخلت عالم الخلود عبر صفحات سير أرثر كونان دويل وأغاثا كريستي، لتتحول اسكتلنديارد بذلك لرمز للشرطة يحظى باحترام عالمي، بينما يجري النظر لمسؤوليها باعتبارهم الحراس الأوفياء على حكم القانون داخل بريطانيا.

إلا أنه مع تفجر فضيحة التنصت على الهواتف، يواجه ضباط اسكتلنديارد أسوأ أزمة تعترض طريقهم منذ سنوات، وهي أزمة رسمت صورة بعض كبار المسؤولين في الهيئة باعتبارهم مجموعة من الضباط الفاشلين، بينما بدا آخرون كضباط منغمسين في الفساد على استعداد لقبول رشى تتجاوز قيمتها 160.000 دولار لتمرير معلومات مثيرة للصحف.

وتكشف الفضيحة الأخيرة عن صلات مريبة بين صحف التابلويد البريطانية والشرطة، الأمر الذي هز ثقة الرأي العام في اسكتلنديارد - وهو الاسم الذي تشتهر به شرطة العاصمة لندن، التي كان يوجد مقرها من قبل في شارع يدعى غريت اسكتلنديارد. وتهدد فضيحة التنصت المكانة المرموقة التي تمتعت بها الشرطة طيلة 182 عاما، مما أدى لفتح تحقيق مستقل حول شبهات الفساد وسوء الإدارة بجميع مستويات جهاز الشرطة، وتهديد وظائف كبار المسؤولين بالشرطة في وقت يستعد فيه الجهاز لجهود ضخمة وقت استضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012.

تتركز الفضيحة على ادعاءات بأن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، المملوكة لروبرت مردوخ، استخدمت لسنوات أساليب غير قانونية في جمع الأخبار، منها تقديم رشى ضخمة لضباط والتنصت على الرسائل الصوتية الخاصة على هواتف آلاف البريطانيين العاديين، بدءا من ضحايا الجرائم وصولا للمشاهير وأفراد العائلة المالكة.

بعد إلقائها القبض على اثنين فقط عام 2006 واعتبارها التجاوز الذي وقع من قبل الصحيفة حادثا فرديا، أغلقت شرطة العاصمة عن القضية. ورغم كشف صحيفة «الغارديان» عن معلومات عام 2009 حول وقوع تجاوزات أوسع نطاقا بكثير داخل «نيوز أوف ذي وورلد»، أعاد الضباط فتح القضية فقط تحت وطأة ضغوط متصاعدة في وقت سابق من العام الحالي. وحتى ذلك الوقت، أصر محققو الشرطة أمام سياسيين والصحافة والرأي العام على عدم وجود ما يستعدي إعادة فتح القضية.

حاليا، تتركز الأضواء على العلاقة بين قوة الشرطة التي يتجاوز عدد أعضائها 51.000 ضابط وصحف التابلويد البريطانية الباحثة دوما عن الفضائح، وما إذا كانت هذه الصلة قد أثرت على قرارات الشرطة. الخميس، ألقت الشرطة القبض على رئيس التحرير التنفيذي السابق لـ«نيوز أوف ذي وورلد»، نيل واليز، واعترف في اليوم ذاته على أنه عمل مستشارا إعلاميا لحساب اسكتلنديارد من أكتوبر (تشرين الأول) 2009 حتى سبتمبر (أيلول) 2010. وتقاضى 38.000 دولار سنويا ليحضر لمكان عمله مع اسكتلنديارد يومين في الشهر، رغم انتشار ادعاءات في ذلك الوقت حول تورط الصحيفة في نشاطات غير قانونية خلال فترة عمله بها.

ويأتي ذلك في أعقاب تعرض مسؤولي شرطة العاصمة السابقين والحاليين لاستجواب أمام لجنة برلمانية هذا الأسبوع ارتقى لمستوى إذلال علني بالنسبة لبعضهم، مع سخرية برلمانيين علانية من جون ييتس، مساعد مفوض الشرطة الذي كان مرشحا من قبل لرئاسة اسكتلنديارد. وتصاعدت الدعوات لاستقالته هذا الأسبوع بعد ظهور معلومات تفيد بتناوله الغداء مع محررين من «نيوز كوربوريشن» في وقت كانت «نيوز أوف ذي وورلد» لا تزال قيد التحقيق.

من جهته، اعترف نيكولاس كليغ، نائب رئيس الوزراء، الخميس، بقوله «سمعنا أمورا غير عادية عن شرطة العاصمة هذا الأسبوع، خاصة أن ضابطا رفيع المستوى شعر أنه من المقبول أن يتناول شرابا وطعاما مع مسؤولين تنفيذيين بارزين بصحيفة تخضع للتحقيق معها. الآن، أمام شرطة العاصمة مهمة كبيرة لأن تستعيد ثقة الرأي العام التي خسرتها».

وخلال مقابلة أجريت معه، قال المسؤول السابق بـ«نيوز أوف ذي وورلد»، بول مكمولان إن الصحيفة اعتادت دفع أموال لضباط الشرطة مقابل معلومات، وجرى الحصول على المال من «خزينة بمكتب المحرر الإداري».

وقال: «استمر هذا الأمر خاصة مع ديانا»، في إشارة لأميرة ويلز الراحلة. وأضاف: «كنا نتلقى اتصالات هاتفية من مصادرنا الشرطية تخبرنا أي المطارات ستهبط فيها، ومن برفقتها. وهذه النوعية من المعلومات كانت تقدر بعدة آلاف من الجنيهات». وأشار لخبر صحافي كان يعمل على كتابته، حيث تم دفع ما يعادل 5.000 دولار بالجنيهات البريطانية لضابط عثر على ابنة الممثل الشهير دنلوم إليوت - المعروف بأدواره في «رايدرز أوف ذي لوست آرك» و«روم ويز فيو» - معدمة وتعيش في الشوارع. وقال: «اتصل بنا وأخبرنا عن الأمر، وقمنا بتغطية القصة. حصل هو على المال، وحصلنا نحن على الخبر. وقد قتلت نفسها بعد بضع سنوات. وساورني شعور بالندم حيال هذه الفتاة تحديدا».

بجانب مزاعم الرشى - بما في ذلك تقارير نشرتها «الغارديان» هذا الأسبوع حول تلقي ما يصل لخمسة ضباط أموالا من «نيوز أوف ذي وورلد» تزيد على 160.000 دولار - تواجه اسكتلنديارد انتقادات شديدة لسوء إدارتها التحقيق حول فضيحة التنصت على الهواتف.

ويرى مراقبون أن اسكتلنديارد تتهيأ الآن لمواجهة التداعيات المترتبة على إجراء تحقيق مستقل بشأن الفضيحة، بما في ذلك تورط اثنين من ضباطها على الأقل فيها. إلا أن الأمر الأهم ربما يكون التوصل لعيوب تنظيمية داخل نظام الإدارة في اسكتلنديارد سمح للتحقيق الذي أجري حول التنصت بالتعرض للتجاهل وعدم معاقبة الضباط المتورطين في تجاوزات.

من ناحيته، قال تيم نيوبيرن، بروفسور علم الإجرام في كلية لندن للاقتصاد: «قليل من الضباط يقدمون على أفعال لم يكن ينبغي عليهم الإتيان بها. إنهم فاسدون، وهو أمر ليس بالصادم سواء في شرطة نيويورك أو اسكتلنديارد، لكننا سنتعرف من خلال التحقيق الآن على كيف وما إذا كان هذا الأمر تجري إدارته من قبل الحلقات العليا من سلسلة القيادة، وما إذا كان هناك فشل في التحرك. وسيلقي القاضي بعض الأسئلة الدقيقة شديدة الصعوبة».

- المراسلة الخاصة إليزا ماكنتوش أسهمت في التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ «الشرق الأوسط»