شبان «البلاي ستيشن» مقاتلون أشداء على جبهة مصراتة

أكثر جرأة مما يتوقع الآخرون ولا يخشون صواريخ «غراد» ويتحسبون لقذائف «المورتر»

مقاتلون ليبيون على جبهة القتال جنوبي بلدة بئر الغنم يستعدون لإطلاق صاروخ (رويترز)
TT

ما قبل اندلاع القتال في ليبيا لا يشبه ما بعده، فقد بدلت الحرب مظاهر الحياة اليومية كافة وطالت الهوايات وحتى وسائل التسلية. والشبان الذي يقاتلون اليوم على الجبهة في مصراتة، كانوا مولعين من قبل بألعاب الكومبيوتر، مشغولين بالرد على مكالماتهم الهاتفية عبر الهواتف المحمولة، أو إجراء أخرى، أو استخدامها لألعابهم أيضا.

ولم يكن يخطر ببال أهالي المدينة الذين يراقبون هذا المشهد اليومي، أن يتحول هؤلاء الشبان إلى مقاتلين حقيقيين.

يقول محمود السقطري، وهو رجل أعمال كون اللواء الأول من فوج المرسى، أحد ألوية المعارضة المسلحة التي تقاتل لإنهاء حكم العقيد الليبي، معمر القذافي، الممتد منذ 41 عاما، في تحقيق من نك كاري «رويترز»: «قبل الانتفاضة، كان كل ما يهم هؤلاء الشبان هو مستحضرات تصفيف الشعر، والملابس، والموسيقى، والهواتف المحمولة، والجلوس في المقاهي.. لكنهم الآن يقاتلون ولديهم الإرادة للموت من أجل قضية».

ووسط احتجاجات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة أوائل العام الحالي، طالب أبناء مصراتة ومناطق أخرى في ليبيا، بالمزيد من الحرية، فأرسل القذافي جنوده لإخماد الاحتجاجات. وبعد أن فتح هؤلاء الجنود النار على المتظاهرين، انتفض أبناء مصراتة ليردوا في البداية بقنابل البنزين وبنادق الصيد.

ومنذ ذلك الحين انتزع مقاتلو مصراتة السيطرة على ثالث أكبر مدينة في ليبيا من كتائب القذافي. وبعد ارتكاب أخطاء كلفتهم الكثير من الأرواح، شكل هؤلاء المقاتلون جبهة قوية بطول 36 كيلومترا إلى الغرب من مصراتة.

وعلى الرغم من أن هؤلاء المقاتلين يواجهون جنودا في كتائب القذافي، أفضل تدريبا، فإنهم يتقدمون ببطء تحت قصف مستمر، للحفاظ على ذخائرهم حتى لا تنفد، والسيطرة على الأراضي وتقليل الخسائر البشرية.

يقف المقاتلون الشبان على بعد نحو عشرة كيلومترات شرقي زليتن، أكبر مدينة بين الدفنية وطرابلس، مما يشهد بشجاعتهم.

وقال السقطري لـ«رويترز» قبل زيارة مقاتلي فوج المرسى على الجبهة: «إنهم يعاملونني باحترام شديد.. لكن حين أراهم، أشعر أنني لا أستحق كل هذا الاحترام. قبل بضعة أشهر كانوا مدنيين، لكنهم الآن مستعدون للموت من أجل حريتهم».

ويمثل صلاح (20 عاما) نموذجا للكثير من الشبان على الجبهة في الدفنية، وكان طالبا في كلية الطب حين بدأت الانتفاضة، وكان يعيش حياة رغدة، ويقضي الكثير من الوقت في لعب مباريات كرة القدم على البلاي ستيشن، ويقول إنه من عشاق فريق برشلونة الإسباني لكرة القدم. ويهز شاب آخر رأسه ويقول، إنه يحب ريال مدريد، في حين يطرق ثالث برأسه لينظر إلى شعار فريق مانشستر يونايتد المنقوش على حذائه دون أن يقول شيئا.

يعتزم صلاح العودة إلى الجامعة بعد الحرب، لأنه يريد أن يتخصص في أمراض القلب، ويقول: «يجب أولا، أن نهزم القذافي.. لا يمكن أن نكون أحرارا في ظل حكمه».

وتنتشر الهواتف المحمولة بين المقاتلين على الجبهة، لكن وظيفتها تغيرت بعد توقف استقبال الإشارة منذ بدء الانتفاضة الليبية، وتحول مقاتلو المعارضة الليبية، إلى استخدامها في التقاط الصور لبعضهم البعض، وتسجيل وقائع المعارك التي يخوضونها. غير أن بين المقاتلين في فوج المرسى، مصور فيديو هاو، يدعى يزيد (23 عاما)، وهو طالب متخصص في علم الأحياء المجهري، ويحمل كاميرا فيديو على الجبهة يعتبرها بندقيته. وكان يزيد، قد أصيب مرتين برصاصة في فخذه اليمنى، وبشظية في ركبته اليسرى، مما يجعل المشي بالنسبة له مؤلما والركض مستحيلا.

وقطع الشبان تحت سن العشرين أو فوقها بقليل، شوطا كبيرا خلال بضعة أشهر، وهم يرتدون سراويل الجينز والقمصان القطنية، وما يتاح لهم من أحذية. ويمزحون حين تطلق قوات القذافي صواريخ «غراد» عليهم من على مسافة قريبة، لأنها لا تكون فعالة إلا إذا أطلقت من على بعد.

لكن على غرار الجنود في أي مكان، فإن ما يمقتونه هو الهجمات بقذائف المورتر، لأنها تضرب على مسافة أقرب من الجبهة، وتحدث المزيد من الخسائر البشرية.

وقال أحمد (21 عاما)، وهو طالب هندسة يتقاسم خندقا مع صديقين: «صواريخ غراد ليست فيها مشكلة، لكنني لا أحب قذائف المورتر». وأضاف: «الشظايا المتطايرة من قذائف المورتر تحدث إصابات كثيرة».

وحين يسمع صوت دوي قذيفة مورتر يكبر الرجال على الجبهة قبل أن تسقط. وعلى الرغم من المخاوف بشأن المورتر، فإن جميع الرجال على الجبهة يوجهون تركيزهم لقضيتهم فيما يبدو.

وحين سئل شاب اسمه علي (21 عاما) عن أفكاره للمستقبل بعد الصراع، هز رأسه وقال: «لا يهمني هذا الآن. كل ما أريده هو قتل القذافي».

ومنذ تحدث علي إلى «رويترز» أصيب علي بشظية في ساقه، لكنه عاد إلى الجبهة.

لقد أصبحت الإصابات بالنسبة لمقاتلي المعارضة «أوسمة شرف»، حتى إن الشبان في الوحدة التي يقودها طارق ماضي، المصرفي السابق، يحرصون على التباهي بإصاباتهم.

وقال ماضي الذي كان مسؤولا عن صناديق الودائع الآمنة في فرع بنك (بي إن بي باريبا) بمصراتة، قبل تفجر الصراع: «معظم الرجال هنا أصيبوا أكثر من مرة». وتتراوح أعمار معظمهم بين 17 و20 عاما، لكن الإصابة شيء ومشاهدة الأصدقاء يموتون شيء آخر تماما.

ويتكرر مشهد مجموعات من الشبان يبكون خارج مستشفى الحكمة بمصراتة بعد مقتل أحد زملائهم.

وفي المستشفى الميداني الأقرب إلى الجبهة، كان شاب مصاب بجروح طفيفة ينتحب بشدة، ليس بسبب جروحه، وإنما على رفيقه الذي لاقى حتفه إلى جواره. وتستطيع أن ترى آثار هذه الخسائر البشرية على وجوه رجال مثل سفيان (21 عاما)، وهو طالب بكلية الهندسة، وحينما سئل كيف تكيف مع الحياة على الجبهة، رد سفيان ضاحكا: «الحرب ممتعة»، لكن الضحكة لم تبلغ عينيه، حين ينظر إليك تطل عينا رجل طاعن في السن من وجه شاب، يقول: «الآن وقد بدأنا يجب أن نصل إلى طرابلس.. إذا كان القذافي يريد العودة إلى مصراتة فعلى جثثنا».

ويشعر الرجال الأكبر سنا في مصراتة، مثل محمد «49 عاما» بالانبهار، ويقول: «لم نتوقع من شباننا أن يقاتلوا بهذه البسالة.. لكنهم أكثر جرأة منا، ومما كنا نعتقد».