الحكومة الأميركية تبحث عن بضعة ديمقراطيين في مصر

منح أميركية بـ 65 مليون دولار لإرساء مشاريع توعية عن الحياة السياسية

تواصل الاعتصامات في ميدان التحرير أمس (إ.ب.أ)
TT

تقدم الولايات المتحدة منحا قدرها 65 مليون دولار لإرساء الديمقراطية، ومروان يونس يريد الحصول عليها. لكن مع تفحص المهندس للطلب في إحدى ليالي القاهرة الدافئة، بدأ يساوره القلق.

قال يونس لشريف حسني، شريكه في العمل الذي يجلس على حافة مكتبه: «يا إلهي، هناك الكثير من الشروط». سحب يونس البالغ من العمر 38 عاما سيجارة من علبة سجائره ومال بجذعه نحو جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص به وأخذ يتصفح 6 صفحات من الأسئلة. كانت بعض البيانات بسيطة مثل اسم المشروع واسم مقدم الطلب ورقم الهاتف، لكنه وجد سؤالا عن أهمية المشروع. توقف كل من يونس وحسني لوهلة، فهذا السؤال يمس جوهر مشروعهم ويوضح السبب الذي يجعل من الصعب على الولايات المتحدة إنفاق 65 مليون دولار على الديمقراطية في مصر.

منذ عام مضى، كان يقوم حسني بعمل إعلانات لتحسين صورة الحزب الوطني الحاكم الذي كان من عوامل خنق الديمقراطية في مصر. كذلك كان يونس يدرس لشباب الحزب صفوف عن السياسة. لكنهم باتوا حاليا في صف الثورة التي دمرت الحزب الحاكم وتقدموا بطلب عمل إعلانات توعية للناخبين عن الانتخابات الحرة.

أخذوا يناقشون الأفكار لأيام، ثم كتب حسني أخيرا: «هذه فرصة من أجل رفع الوعي وتغيير الإدراك لما يمكن أن يعود بالنفع على الناس من المجتمع الديمقراطي الذي يتسم بالشفافية».

ثم جاء السؤال حول المبلغ المالي الذي يحتاجونه، فأخذا يحسبان تكاليف العمالة والاستوديو وأجهزة التصوير، فبلغ إجمالي التكاليف 420 ألف دولار.

قبل الخامسة مساء يوم الخامس والعشرين من مايو (أيار)، ضغط حسني على أيقونة الإرسال. الآن على الثوار الجدد الانتظار ريثما تقرر الحكومة الأميركية ما إذا كانوا يستطيعون المساعدة حقا في إرساء الديمقراطية في مصر أم لا! هذه الاستمارة انتشرت على أجهزة كومبيوتر في مبنى من الزجاج والجرانيت في إحدى ضواحي القاهرة الجنوبية. هناك في المكاتب التي تضيئها مصابيح الفلورسنت، يجلس عدد من الأميركيين والمصريين يرتدون بطاقات تعريفية مكتوبا عليها «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» يصنفون عددا هائلا من الطلبات.

قبل هذه اللحظة بثلاثة أشهر، زادت الحكومة الأميركية من المعونة المقدمة لمصر من أجل دعم الديمقراطية بمقدار 3 أمثال بحيث وصلت إلى 65 مليون دولار. وتم تخصيص جزء منها بالفعل قدره يزيد على 30 مليون دولار إلى اثنين من المنظمات الأميركية التي لا تهدف للربح والتي تدرب الكوادر السياسية الواعدة، وجزء آخر قدره نحو 4.5 مليون دولار لبرنامج وزارة الخارجية للمجموعات السياسية الناشئة غير الرسمية، فضلا عن ملايين الدولارات من أجل البنية التحتية للانتخابات.

لكن في أعقاب الثورة المصرية، أرادت الولايات المتحدة توسيع نطاق المعونة الأميركية. ظلت الحكومة الأميركية لثلاثين عاما تعتمد على الرئيس السابق حسني مبارك في الحفاظ على السلام في منطقة الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب. وصرحت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني): «نرى أن النظام المصري مستقر».

وفي غضون أسابيع، كان نظام مبارك انتهى وأعادت الحكومة الأميركية تموضعها، حيث صرحت كلينتون يوم السادس عشر من مارس (آذار) قائلة: «الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة بكل طريقة ممكنة في ترجمة ما حدث في التحرير إلى واقع جديد بمصر».

تمثل المعركة الانتخابية القريبة بين إصلاحيين لا يتمتعون بالخبرة والحنكة السياسية و«الإخوان المسلمين»، التي كانت يوما ما محظورة وتعد من أكبر القوى السياسية في مصر، أكبر بواعث القلق.

كيف يمكن الوصول إلى الديمقراطيين الجدد في مصر؟ أعلن برنامج المعونة الأميركية عن منح للقيام باجتماعات توعية عن الديمقراطية. وتقدم ما يزيد على ألف مصري، الكثير منهم غير معروف لدى الحكومة الأميركية.

تجاوزت صعوبات توزيع المعونة النظر في الطلبات المقدمة. فسكان دولة مثل مصر يتشككون من التدخل الأميركي، حيث يوصف من يحصل على معونة من أميركا أحيانا بأنه تابع لها.

كذلك هناك عقبة أخرى تتمثل في الحكومة المصرية، التي لا تقبل أن يتضمن برنامج المعونة الأميركية مؤسسات غير مسجلة رسميا في مصر مثل منظمات أميركية كبيرة لدعم الديمقراطية ترتبط بالحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وصرحت فايزة أبو النجا، وزيرة التعاون الدولي، في مقابلة أن مصر تعتبر مثل تلك المؤسسات غير قانونية. وأوضحت قائلة وهي في مكتبها وأمامها صورة لها مع مبارك الذي رحل وبقيت هي في منصبها بالوزارة: «لا نستطيع السماح لهذا بالاستمرار».

لقد قدمت مصر احتجاجا رسميا بشأن توزيع 65 مليون دولار، حيث قالت الوزيرة: «إن هذا مساس بسيادة أي دولة. وما حاجة مصر بأي أموال لدعم الديمقراطية. لقد تغير الموقف تماما».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»