أطفال مصراتة يدفعون ثمنا أكبر لحرب القذافي على مواطنيه

لم يعرفوها إلا على شاشات التلفزيون ثم صاروا ضحاياها في بلادهم

محمد بلشيخ (12 عاما) الذي أصيب بشظية صاروخ أطلقته كتائب القذافي يتلقى العلاج بمركز في مصراتة (رويترز)
TT

حين بدأ حلف شمال الأطلسي عملياته العسكرية في ليبيا، في 19 مارس (آذار) الماضي، كانت تحت هدف دولي معلن ومشرع عبر مجلس الأمن، هو حماية المدنيين، لكن الكثير من هؤلاء سقطوا نتيجة عنف رد كتائب القذافي المسلحة، ليس على قوات الناتو؛ بل على الثوار المعارضين لحكم القذافي. ووسط الجميع، سقط العديد من الأطفال ضحايا الانتقام الليبي الرسمي من الشعب المطالب بحقوقه ككل. أطفال مصراتة كانوا مثل كثير من الليبيين في المناطق التي تم تحريرها من سيطرة قوات القذافي ضحايا مباشرين للاعتداء على المدنيين، والأكثر معاناة خلال ويلات الحرب والتشرد والتهجير.

ينقل نيك كاري (رويترز) من مصراتة الصورة التالية: «عندما غادر محمد (12 عاما) منزله مع أخيه علي، في 20 مارس (آذار) الماضي، ذهب لتقديم الماء للمقاتلين العطشى في مكان مجاور، ممن كانوا يحاربون قوات الزعيم معمر القذافي. قال محمد إن (كل ما كنا نريد القيام به هو مساعدة الثوار). وبينما كان وأخوه في الشارع، سقطت قذيفة صاروخية بالقرب منهما. أصيب علي الذي يكبره بعامين، بشظية في ساقه ومعدته، وهو الآن يمشي بعكازين، وفقد محمد ذراعه اليمنى وإبهام يده اليسرى، وأصيب بالعمى في عينه اليسرى، وبكسور في ساقه اليمنى أيضا، وخضع لجراحة ترميمية في ساقه اليسرى».

ومع ذلك، ومع انتشار مئات الأمثلة والشواهد على جرائمها ضد المدنيين، ظلت حكومة القذافي تنفي تعمد استهدافهم، ويقول الناطقون والمتحدثون باسمها إنها تشن حربا على عناصر مسلحة ومتشددين من «القاعدة». أما من أصيب بقذائفهم، فلا يشك أبدا في مصدرها.

قال محمد لـ«رويترز»، بينما كان يخضع لجلسات العلاج العادية في «مركز الجزيرة للعلاج الطبيعي» إنها «كانت ميليشيا القذافي»، وأضاف: «لقد أطلقوا علينا (قذيفة) آر بي جي الصاروخية».

بعد ذلك، تمكنت قوات المعارضة في مصراتة من طرد قوات القذافي من المدينة، وإبعادها إلى خط للجبهة يبعد نحو 36 كيلومترا إلى الغرب من ثالث أكبر المدن الليبية، وهم الآن على بعد نحو 10 كيلومترات إلى الشرق من زليتن، أكبر المدن بين المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والعاصمة طرابلس.

ومحمد، واحد بين آلاف ضحايا القتال في مصراتة وحولها منذ بدء الانتفاضة. وبسبب نقل كثيرين إلى الخارج للعلاج، ومنهم محمد على سبيل المثال وقد عولج في تركيا لمدة شهرين قبل العودة إلى بلده، لم يتضح بعد الثمن الحقيقي للتحرر من حكم القذافي في مصراتة، نتيجة صعوبة الحصول على البيانات.

لكن ليس هناك شك يذكر بين بعض من يقدمون الرعاية لأطفال مثل محمد في أنه عند بدء عودة المصابين بأعداد كبيرة، فإن المدينة ستجد صعوبة في توفير العلاج المطلوب.

يقول الطبيب، الهادي المودع، الذي يرأس «مركز الجزيرة»، إن العاملين يعالجون حاليا 160 شخصا، و«عندما يعود المزيد من المصابين للوطن، لا أعتقد أنه ستتوفر لدينا الإمكانات أو الفرق اللازمة لعلاجهم.. ما من أحد يعلم متى سيعودون أو عدد من سيعود منهم بالتحديد، لكنهم سيحتاجون علاجا لفترة طويلة.. ستكون مشكلة كبيرة بالنسبة لنا».

لكن طبيبا في المستشفى الميداني التابع لمنظمة «إنترناشيونال ميديكال كوربس» قرب خط الجبهة، قدم لمراسل «رويترز»، أحدث أرقام رسمية بالنسبة للمدينة منذ بدء الانتفاضة في منتصف فبراير (شباط) مع قول إن البيانات ربما تكون غير كاملة. وحتى 16 يوليو (تموز) الحالي، قتل 813 شخصا في مصراتة وأصيب 7848 وهناك 781 في عداد المفقودين.

قال ديمتريوس موجني، في المستشفى التابع لـ«إنترناشيونال ميديكال كوربس»: «للأسف ليس هناك الكثير من البيانات المتاحة التي يمكن الاعتماد عليها».

ليست الإصابات وحدها هي ما ستواجهه مصراتة لسنوات عدة مقبلة، بل الصدمة المصاحبة لجروح الحرب أيضا.

وتقول سلمى، وهي طالبة في كلية الاقتصاد، إن أطفال مصراتة هم الأكثر تضررا من الحرب، فـ«الكبار مثلي، يجدون صعوبة، لأننا لم نشهد، قبل ذلك، حربا إلا على شاشات التلفزيون.. ليس في شوارعنا. تخيلوا مدى صعوبة ذلك على الأطفال».

وسيتعين على مركز جديد للعلاج الطبيعي أسسته كلية التقنية الطبية التابعة لجامعة مصراتة و«مركز الجزيرة»، تحمل العبء الأكبر عندما يعود مصابو مصراتة، لكن من الصعب تحديد عدد العائدين.

وقال موجني من المستشفى الميداني التابع لـ«إنترناشيونال ميديكال كوربس»: «لن نكتشف حجم المشكلة إلا مع انتهاء الحرب.. حينئذ سنعلم الثمن الذي دفعه أهل مصراتة».