أخطاء الشرطة قد تلقي بظلالها على دورة الألعاب الأولمبية في لندن

كاميرون وجيمس مردوخ على خط النار.. وتساؤلات حول هفوات في الحكم

كاميرون قبيل مؤتمر صحافي في جنوب أفريقيا أمس (أ.ب)
TT

ما زالت أصداء قضية التنصت على الهواتف تتردد بعمق في بريطانيا، بعد توالي الاستقالات والاعتقالات، من بينهم اثنان من قادة شرطة لندن، بعد ساعات قليلة من القبض على ريبيكا بروكس، المديرة التنفيذية السابقة لـ«نيوز إنترناشيونال»، الفرع البريطاني لإمبراطورية رجل الإعلام الشهير روبرت مردوخ. وقد أثارت الوتيرة المتسارعة لانتشار الفضيحة تساؤلات فورية حول مدى التداعيات التي يمكن أن تحدث، مع وجود كل من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وجيمس مردوخ، نجل روبرت مردوخ، على خط النار بسبب هفوات في الحكم، على أقل تقدير.

تأتي استقالة قائد شرطة لندن، بول ستيفنسون، وسط انتقادات هائلة لطريقة تعامل الشرطة مع الفضيحة التي قام فيها موظفون بصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، المغلقة حاليا، بالتنصت على هواتف الآلاف من المواطنين البريطانيين – بدءا من ضحايا الجرائم وحتى أفراد العائلة المالكة – وتقديم الرشا لضباط الشرطة للحصول على معلومات. وتضمنت أخطاء الشرطة تعيين نيل ياتيس (استقال أيضا)، وهو محرر سابق في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» مستشارا خاصا لشرطة العاصمة لندن على الرغم من التقارير المنتشرة على نطاق واسع بأنه قد حصل على أخبار بطريقة غير قانونية خلال فترة عمله بالصحيفة. وقد تم القبض على ياتيس يوم الخميس الماضي.

وفي نهاية هذا الأسبوع كشفت تقارير عن أن ستيفنسون قد وافق على إقامة مجانية في منتجع صحي فاخر يتم الترويج له من قبل ياتيس، على الرغم من إصرار ستيفنسون، يوم الأحد، على أن رئيس التحرير السابق لم يقم بترتيب هذه الزيارة.

وقد شعر كثيرون بالدهشة بعد رحيل ستيفنسون من منصبه بعد عامين ونصف العام، وقال ستيفنسون، يوم الأحد: إن «النزاهة» لا تزال قائمة، لكنه قال إن التركيز عليه وعلى غيره من كبار الضباط في شرطة العاصمة قد سبب ارتباكا كبيرا في الوقت الذي تستعد فيه الشرطة التي يبلغ قوامها 51 ألف فرد للتعامل مع واحدة من كبريات عملياتها الخاصة، وهي دورة الألعاب الأولمبية التي ستقام في لندن عام 2012.

وفي تفسيره للسبب وراء عدم إبلاغ مقر رئاسة الوزراء في وقت سابق بأن ياتيس كان أحد المشتبه بهم وكان على جدول رواتب الشرطة في الوقت نفسه، أشار ستيفنسون إلى أنه قد تم حجب المعلومات بهدف حماية رئيس الوزراء. كان ستيفنسون قد قال إن ياتيس لديه «علاقة وثيقة» بأندي كولسون، مدير الاتصالات السابق لكاميرون ورئيس التحرير السابق لصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد».

ويتعرض كاميرون لانتقادات شديدة من جانب حزب العمال المعارض بسبب تعيينه كولسون، الذي استقال من منصبه في يناير (كانون الثاني) الماضي بعد تزايد الضغوط عليه بعد اكتشاف مزيد من التفاصيل حول حجم فضيحة التنصت على الهواتف. وقد تم اعتقال كولسون خلال الشهر الحالي فيما يتعلق بالفضيحة.

وقال ستيفنسون: «لم أكن أريد تقديم تنازلات لرئيس الوزراء بأي طريقة من خلال الكشف عن المشتبه فيه الذي كان على علاقة وثيقة بكولسون».

وأكد كاميرون أنه قام بتعيين كولسون لمنحه «فرصة ثانية»، وعلى افتراض أن عملية التنصت على الهواتف في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» كانت عملية مقصورة على حالة واحدة فقط. وقد طالب كاميرون بمحاكمة كولسون إذا تبين أنه قد كذب على رئيس الوزراء والشرطة والشعب.

وقال أندرو راسل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة مانشستر: «يشعر رئيس الوزراء بعدم الراحة نتيجة هذه الفضيحة التي من المحتمل أن يكون لها تأثير أكبر على منصبه».

وفيما يتعلق باستقالة ستيفنسون، قال كاميرون، يوم الأحد: «أعرف أن اليوم سيكون مناسبة حزينة للغاية بالنسبة له، إلا أنني أحترم وأتفهم قراره بالاستقالة من شرطة العاصمة، وأتمنى له التوفيق في المستقبل». وقد اعترف ستيفنسون أن الشرطة قد أساءت التعامل مع القضية، فبعد اعتقال اثنين فقط عام 2006 والنظر للمخالفات التي وقعت في الصحيفة على أنها حادث فردي، تغاضى الضباط عن دراسة هذه القضية، وعلى الرغم من قيام صحيفة الـ«غارديان» البريطانية بالكشف، في عام 2009، عن مخالفات على نطاق أوسع بصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، فإن الضباط قد قاموا بفتح ملف القضية خلال العام الحالي فقط بسبب تزايد الضغوط عليهم. وقد حدث هذا التغير الكبير في شرطة اسكوتلانديارد بعد اعتقال بروكس، التي استقالت من منصبها يوم الجمعة الماضي كمديرة تنفيذية لـ«نيوز إنترناشيونال»، بسبب الاشتباه في التآمر للتنصت على الاتصالات، وبتهمة الفساد، في إشارة إلى الرشا التي يزعم أن ضباط الشرطة قد حصلوا عليها لتسريب معلومات.

ويمثل هذا الاعتقال سقوطا مريعا لبروكس التي كانت المؤسسة السياسية البريطانية تخشاها وتتودد إليها في الوقت نفسه بسبب وصولها لمنصب الرئيس التنفيذي لشركة «نيوز إنترناشيونال». ومن المعروف أن بروكس هي صديقة كاميرون وكانت تذهب معه لركوب الخيل في بلدة تقع على بعد 75 ميلا من لندن، حيث يملك كل منهما عقارات ريفية بهذه المنطقة.

جدير بالذكر أن بروكس قد ترأست صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» خلال الفترة بين عامي 2000 و2003، وهي الفترة التي انتشرت فيها التقارير بشأن قضية التنصت على الهواتف. وفي عام 2003 اعترفت بروكس للبرلمان بأن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» قد دفعت، تحت قيادتها، مبالغ مالية لضباط في الشرطة مقابل الحصول على معلومات – وهو الاعتراف الذي يظهر أن اسكوتلانديارد قد أعطت قليلا من الأهمية لهذه القضية في ذلك الوقت. وقد نفت بروكس معرفتها بعملية تنصت الشركة على الهواتف.

وقد أثر اعتقال بروكس على شبكة «نيوز كورب» التي أجبرت على التخلي عن عرضها للاستحواذ على شبكة «بي سكاي بي» الأسبوع الماضي. وبما أن بروكس –التي وصفها مردوخ ذات مرة بأنها بمثابة ابنته – تواجه اتهامات جنائية، يتساءل الخبراء عما إذا كان جيمس مردوخ (38 عاما) الذي يشرف على المصالح البريطانية لـ«نيوز كورب» يمكن أن يصبح طرفا في الفضيحة أم لا.

ويرى إد ميليباند، زعيم المعارضة في بريطانيا رئيس حزب العمال، أنه يتعين حل شبكة الإعلام البريطانية التابعة لروبرت مردوخ، قائلا، في مقابلة مع صحيفة «ذي أوبزرفر»: إن «نيوز كورب» لديها «قدر كبير من السلطة على الحياة العامة في بريطانيا».

ولم يتضح بعدُ ما إذا كانت بروكس، التي تم الإفراج عنها بكفالة أول من أمس الأحد، ستمثل أمام البرلمان كما كان مقررا أم لا. وقال محللون إن اعتقالها جاء وسط تكهنات بأنها قد تكشف اليوم الثلاثاء عن معلومات تؤكد فشل اسكوتلانديارد في التعامل مع الفضيحة.

وقال جوناثان تونغ، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة ليفربول: «من الواضح أن رجال الشرطة قد شعروا بأنهم في حاجة للمضي قدما في أسرع وقت ممكن، وربما يكونون قد شعروا براحة أكبر في التحرك أمس وتجنب الأسئلة المحرجة ليلة الثلاثاء».

* خدمة «نيويورك تايمز»