توترات في واشنطن بسبب التغيرات السكانية

المدينة تفقد سكانها السود بسبب القادمين الجدد من الأثرياء البيض

تراجع عدد السكان السود في واشنطن إلى أقل من 50% (نيويورك تايمز)
TT

تمر واشنطن، التي تعد أول مدينة أميركية تضم غالبية من الأميركيين الأفارقة، وإحدى المدن التي كانت لها الريادة في تجارب الحكم الذاتي للسود، بمرحلة تاريخية ومهمة للغاية، حيث تراجع عدد السكان السود في واشنطن إلى أقل من 50 في المائة من عدد سكان المدينة خلال العام الحالي وربما خلال فبراير (شباط) الماضي، بعد مرور نحو 51 عاما من تمثيلهم للأغلبية في المدينة، وفقا لتقديرات ويليام فراي، وهو ديموغرافي بارز في معهد بروكينغز.

ولا يوجد كثير من الجدال حول هذا التحول، ولكنه قد ترك موجات من الاستياء في أحياء المدينة وألب بعض سكان المدينة وغالبيتهم من الأميركان الأفارقة ضد القادمين الجدد الأثرياء ومعظمهم من البيض.

وقال توم شيروود، الذي شارك في تأليف كتاب «مدينة الحلم: العرق والسلطة وتراجع واشنطن العاصمة»: «لا يمكنك سوى أن تنظر حولك وترى وجه المجتمع وهو يتغير أمام عينيك. يمكن أن يكون هذا شعورا غير مريح، وسوف ترى بعض الناس يعبرون عن آرائهم حيال ذلك ويعربون عن قلقهم من خلال استخدام كلمات عنصرية».

وتقول باميلا جونسون، وهي أميركية من أصل أفريقي تعيش في شارع إتش ستريت وتملك مبنى صغيرا، إن الضريبة العقارية المفروضة عليها قد ارتفعت بمقدار ثلاثة أضعاف خلال ثلاث سنوات ونصف السنة، منذ أن بدأت المدينة في بناء نظام الترام التي لم تكن ترغب فيه، وأضافت أنها لا تستطيع أن تدفع هذه الضرائب وأنها كانت واحدة من ضمن عشرات الملاك الذين يواجهون خطر فقدان ممتلكاتهم.

وقالت جونسون، وهي تجلس في مطعم يقدم المأكولات الجامايكية في شارع إتش ستريت، الذي تم إضافة رصيف جديد له ومصابيح جديدة ومنمقة ومسارات الترام اللامعة: «لقد تم فرض هذه العملية علينا، والآن يتم إخراجنا من هنا».

وقال تشارلز ألن، المتحدث الرسمي باسم تومي ويلز عضو مجلس مقاطعة كولومبيا الذي يمثل المنطقة، إن المنطقة قد بذلت قصارى جهدها لمساعدة جونسون وغيرها من أصحاب العقارات عن طريق خفض معدلات الضرائب العقارية وإقناع مكتب الضرائب والإيرادات في المدينة بحذفهم من قائمة بيع الممتلكات بسبب الضرائب المتأخرة. وبالإضافة إلى ذلك وقّع المجلس على مساعدات بقيمة 723.000 دولار للشركات الصغيرة التي تضررت بسبب التغيرات التي طرأت على المدينة.

وقل ألن: «لقد تحولت المباني من كتل فارغة إلى شركات تعج بالنشاط وارتفعت قيمة العقارات، ويشعر معظم ملاك العقارات بالسعادة حيال ذلك»، وأشار إلى أنه قد تم افتتاح 55 شركة جديدة في المنطقة على مدى السنوات القليلة الماضية (وقالت جونسون إنه قد تم إغلاق الكثير من المتاجر كذلك).

ومن الجدير بالذكر أن واشنطن تأتي في المرتبة الثالثة بين المدن الكبيرة من حيث متوسط نمو الدخل خلال العقد الماضي، وربما يكون الاستياء الذي يشعر به أناس مثل جونسون أمرا حتميا في كثير من الأحيان كنتيجة لتصاعد موجة قوى السوق.

ولكن غالبا ما يكون هناك تداخل بين قضايا العرق والطبقات الاجتماعية، ونتيجة للتحول في التركيبة السكانية للمدينة - ارتفع عدد السكان البيض بنسبة 31 في المائة خلال العقد الماضي مقابل انخفاض عدد السكان السود بنسبة 11 في المائة - فإن الكثير من السكان السود الأقل ثراء يقولون إنهم يشعرون بأنهم مستبعدون من ثروات المدينة. وفي شهر أبريل (نيسان) الماضي أفاد مكتب الإحصاء بأن منطقة وارد 8 الواقعة في جنوب شرقي المدينة وغالبية سكانها من الفقراء والسود كانت تعاني من أعلى معدل للبطالة في البلاد.

وتقول شيرلي بارنيل، وهي عاملة بمصلحة المركبات وورثت مؤخرا عن والدتها منزلا بالقرب من شارع إتش، وكان يتعين عليها دفع 11.000 دولار كضرائب متأخرة على المنزل: «التغيير أمر جيد، ولكنه نوع من الركلات للبعض منا».

وصرح كثير من القادة السود البارزين بأن المدينة قد أصبحت أكثر تنوعا من ذي قبل، حيث أصبح هناك الكثير من الأشياء التي يمكن القيام بها، وتراجعت معدلات الجريمة وارتفعت الضرائب، وأضافوا أن قانون المدينة يتطلب تخصيص جزء من المساحة السكنية الجديدة لذوي الدخل المنخفض.

وقالت إليانور هولمز نورتون، وهي نائبة عن المدينة: «إنها مدينة مؤلفة من عناصر اجتمعت من جميع أنحاء العالم، وأرسى السود ثقافتهم التي تعيش هنا، ولن تتغير نكهة المدينة بمجيء البيض إليها».

ومع ذلك فقد أدى تدفق الوافدين الأثرياء إلى إثارة غضب السكان ذوي الدخل المنخفض، ولا سيما المستأجرين. ومن الجدير بالذكر أن نحو 38 في المائة من السود كانوا من أصحاب المنازل في عام 2009، مقارنة بـ56 في المائة من البيض، وفقا لفراي.

ويرى بعض من السكان الأكثر فقرا أن هذا التغيير يهدف إلى طردهم من المدينة، وأن بناء الحدائق المخصصة للكلاب وممرات الدراجات والترام ما هي إلا محاولات من قبل البيض الأثرياء لإعادة ترتيب أولويات الإنفاق لتتناسب معهم فقط. وقد ظهر هذا التصور خلال الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي العام الماضي، وكان يتم استخدامه - ظلما، حسب قول الكثير من الأشخاص - لتوجيه النقد إلى أدريان فينتي الذي كان عمدة المدينة آنذاك.

وقال باري، عمدة المدينة السابق الذي قضى فترة من حياته في السجن ولكنه ما زال يحظى بحب السود في دائرته: «لقد قام فينتي بأشياء كانت بمثابة عناصر جذب للبيض».

ومن جهته شكك اسيرلنغ تاكر، وهو ناشط سابق في مجال الحقوق المدنية وعضو مجلس المدينة ويشغل حاليا منصب رئيس المسرح الوطني، في هذا الوصف بقوة وقال: «يرى معظم السكان في واشنطن أن ما يحدث في شارع يو ستريت وإتش ستريت أمر إيجابي للغاية. بعض السود يحبون صورة السود المسيطرين، ولكني لست متأكدا من معنى ذلك، وأعتقد أنهم قلقون بشأن فقدان النفوذ السياسي».

* خدمة «نيويورك تايمز».