أحلام جيمس مردوخ مهددة

الابن الرابع لأبيه وخريج أرقى مدارس نيويورك وهارفارد

جيمس مردوخ
TT

شاب وسيم وثري وخريج أرقى المدارس الخاصة في نيويورك وجامعة هارفارد العريقة والابن الرابع لإمبراطور الإعلام روبرت مردوخ، إنه جيمس مردوخ الذي ولد ليكون إمبراطورا. قبل أسبوعين من الآن لم يكن هناك أدنى شك في أن جيمس سوف يرث مملكة أبيه يوما ما ويدير مؤسسة «نيوز كورب» للأخبار والترفيه التي ظل والده يبنيها طيلة حياته.

ولكن لم تعد هذه الخلافة مؤكدة بعد الآن، وربما يلوح في الأفق شيء أكثر قتامة، حيث سيواجه مردوخ الابن (38 عاما) يوم الثلاثاء ما يمكن أن يكون لحظة فارقة في الدراما التي تعاني منها شركات العائلة بعدما وقف كل من الأب والابن أمام لجنة مشكّلة من البرلمان البريطاني للرد على أسئلة حول فضيحة التنصت على الهواتف والتي هزت مؤسستهما الإعلامية وهددت خططهما وضربت غطرسة العائلة في مقتل.

وبعد الكشف عن الفضيحة توقعت الصحف البريطانية والمحللون الأميركيون أن يكون جيمس هو المسؤول التنفيذي القادم الذي سيجبر على تقديم استقالته من مؤسسة «نيوز كورب».

وفي مقابلة شخصية معه قال مايكل وولف، وهو كاتب السيرة الذاتية لروبرت مردوخ: «تقديري الشخصي هو أن النتيجة النهائية ستكون أن شخصا من خارج عائلة مردوخ هو الذي سيشغل منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة (نيوز كورب)».

ويدور التحقيق حول بعض الأسئلة الكلاسيكية التي تتعلق بالفضيحة مثل: ما الذي يعلمه روبرت مردوخ ووالده؟ ومتى عرفا بذلك؟ وبما أن جيمس يشغل منصب رئيس عمليات «نيوز كورب» الإعلامية في بريطانيا، فقد يكون قد لعب دورا مباشرا ووثيق الصلة بهذه الفضيحة أكبر من الدور الذي لعبه والده البالغ من العمر 80 عاما، كما تولى جيمس إحدى العمليات التي يحيطها ادعاءات بحدوث عمليات تنصت على الهواتف على نطاق واسع، وقال إن المشكلة تكمن في عمل فردي من قبل أحد المراسلين.

وعلى الرغم من أن جيمس لم يشارك في عمليات الصحيفة البريطانية التابعة لـ«نيوز كورب» حتى عام 2007، أي بعد وقوع الكثير من عمليات التنصت على الهواتف، فليس هناك أدنى شك في أن له يدا في هذه القضية، فعلى مرأى ومسمع منه قامت مؤسسة «نيوز كورب» بإغلاق صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي يشرف هو عليها والتي تعد المحور الرئيسي لعميلة التنصت على الهواتف، كما قامت «نيوز كورب» بسحب عرضها بقيمة 12 مليار دولار للاستحواذ على ما تبقى من أسهم شبكة «بي سكاي بي» (التي يترأسها جيمس) وقبلت استقالة اثنين من كبار المسؤولين التنفيذيين وهما ريبيكا بروكس (مرؤوسة جيمس المباشرة) وليز هينتون (سلف جيمس والرئيس التنفيذي لشركة «داو جونز» وشركاه).

وهناك أيضا قضية تقديم جريدة «نيوز أوف ذي وورلد» الرشى لمسؤولي الشرطة. ومن الجدير بالذكر أن مؤسسة «نيوز كورب» تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها وتخضع للقوانين الاتحادية التي تمنع تقديم الرشى لمسؤولين أجانب، ويمكن أن يتم إدانة جيمس مردوخ أو غيره من مسؤولي شركة «نيوز كورب» إذا ما ثبت أن موظفي المؤسسة قد قاموا بتقديم رشى للشرطة البريطانية.

ولا تزال الفضيحة تلقي بظلالها على أسهم مؤسسة «نيوز كورب»، إضافة إلى الضغوط المالية على عائلة مردوخ، حيث انخفضت الأسهم المتداولة علنا بقيمة 69 سنتا أو ما يعادل 4.4 في المائة لتغلق عند 14.96 دولار للسهم يوم الاثنين الماضي. وقد انخفض سعر السهم الآن بأكثر من 15 في المائة منذ نهاية شهر يونيو (حزيران)، وهو ما يعني انخفاض قيمة الأسهم بأكثر من 6 مليارات دولار. ومن جانبه وقف روبرت مردوخ إلى جانب نجله، وقال خلال مقابلة شخصية أجريت معه الأسبوع الماضي مع قبل صحيفة «وول ستريت جورنال» التي تملكها مؤسسة «نيوز كورب» إن الشركة قد تعاملت مع الأزمة «بشكل جيد للغاية وبكل الوسائل الممكنة»، وألقى باللائمة على المحققين الخارجيين الذين عينتهم الشركة نتيجة عدم تحديدهم لحجم المشكلة بشكل كامل. وفي ما يتعلق بجيمس قال: «أعتقد أنه تصرف بأسرع ما يمكن وفي اللحظة المناسبة».

ولم يكن جيمس مردوخ مسؤولا بشكل مباشر عن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» عندما أصبحت عملية التنصت على الهواتف شيئا معتادا، ولكنه وافق على دفع أكثر من مليوني دولار كتعويضات للضحايا، بينهم رئيس رابطة كرة القدم ومسؤول تنفيذي في قسم العلاقات العامة يتمتع بعلاقات طيبة مع أشخاص بارزين. وقد تم إغلاق الدعاوى القضائية التي أدت إلى التسوية، مما أدى إلى مزيد من الشكوك بأنه قد تم تسوية الدعاوي حتى لا يتم الكشف عن المزيد من الانتهاكات.

وقال جيمس مردوخ في وقت لاحق إنه «لم يكن لديه صورة كاملة» عندما وافق على دفع التعويضات، واعترف بأنه «أخطأ عندما أكد أن هذه القضايا تقتصر على أحد الصحافيين».

ومن الجدير بالذكر أن جيمس مردوخ قد وصل إلى شهرته ومكانته المرموقة من خلال العمل في وسائل الإعلام الإلكترونية التي تعد الجزء الأسرع نموا والأكثر ربحية في مؤسسة «نيوز كورب»، ولكن لديه خبرة قليلة في إدارة الصحف التي بدأها والده والتي تعد مصدر الثروة التي حققتها العائلة. وقد أثارت فضيحة التنصت على الهواتف وعدم خبرة جيمس بهذه الصناعة تكهنات بأن «نيوز كورب» سوف تقوم في نهاية المطاف ببيع الصحف البريطانية.

وولد جيمس في بريطانيا العظمى وحصل على الجنسية الأميركية مثل والده الذي ولد في أستراليا. وقد نشأ جيمس في نيويورك بصحبة والده ووالدته، آنا، وهي الزوجة الثانية لمردوخ الذي تزوج ثلاث مرات. وقد التحق جيمس بمدرسة «هوراس مان» بنيويورك ثم بجامعة هارفارد، على الرغم من أنه ترك الجامعة قبل أن يكمل دراسته. وعلى الرغم من أنه قضى سنوات كثيرة في الخارج في إدارة مصالح والده، فإنه يتحدث بلهجة أميركية ومتزوج من أميركية وعضو في مؤسسة خيرية أنشأها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.

وقبل وقت طويل من اندلاع الأزمات البريطانية، شهدت سيرة جيمس المهنية منحنى من الصعود والهبوط، حيث ترك جامعة هارفارد في عام 1991 وقام هو واثنان من أصدقائه بإنشاء شركة تسمى «راوكوس ريكوردس» التي أطلقت السيرة المهنية لنجوم الهيب هوب مثل موسديف وتاليبكويلي، واستحوذت مؤسسة «نيوز كورب» على الشركة في عام 1998 وسرعان ما انضم جيمس إلى شركة العائلة.

وبعد ذلك تولى جيمس مسؤولية عمليات مؤسسة «نيوز كورب» على الإنترنت وشارك في الكثير من المشروعات التي حقق بعضها نتائج إيجابية وبعضها الآخر نتائج سلبية، حيث تزامنت محاولات الشركة لتوسيع أعمالها في صناعة التسجيلات مع انهيار هذه الصناعة بسبب تأثير الإنترنت عليها، ولكن كان حظه أفضل في مجال الفضائيات، حيث قام بإعادة تأهيل مشروع «نيوز كورب المسمي «ستار تليفيجن» في عام 2000. (كانت زوجة روبرت مردوخ الثالثة، ويندي دينغ، تعمل في «ستار تليفيجن» عندما التقى بها مردوخ). وبعد أشهر قليلة من الاحتفال بعيد ميلاده الثلاثين تم تعيين جيمس مردوخ لإدارة شبكة «بي سكاي بي»، وهو ما أثار الاتهامات بأنه قد تم تعيينه في هذا المنصب بسبب المحسوبية. ومن جهته يقول سام هارت، وهو محلل في وسائل الإعلام البريطانية، إن جيمس كان له دور أساسي في بناء الشركة، و«الكثير من قوة الشركة اليوم تقع في نهاية المطاف في يد جيمس مردوخ».

في بداية الأمر كان يتم النظر إلى أكبر أبناء مردوخ من الذكور وهو لاكلان (39 عاما) على أنه سيخلف والده، ولكنه ترك الشركة في عام 2005 بعد فشل الاستثمار في شركة للاتصالات السلكية واللاسلكية، ويقوم الآن بإدارة شركته الخاصة في أستراليا (لا يزال عضوا في مجلس إدارة «نيوز كورب»)، أما الابنة الكبرى لمردوخ (54 عاما) فشاركت في الشركة بصورة محدودة للغاية. وكانت الابنة الثانية إليزابيث (42 عاما) تشغل في السابق منصب مديرة شبكة «بي سكاي بي»، وقد واجهت هي الأخرى تهما بالمحسوبية كان آخرها في الدعوى المرفوعة من قبل المساهمين الأميركيين الذين شعروا بالمرارة نتيجة شراء الشركة لشركة الإنتاج التلفزيوني التي تملكها إليزابيث، والتي تحمل اسم «شين تي في» مقابل ثمن باهظ.

وتعد ويندي (42 عاما)، زوجة روبرت مردوخ، لاعبا أساسيا في هذه الدراما، حيث كانت تعمل كمسؤولة تنفيذية صغيرة لمؤسسة «نيوز كورب» في هونغ كونغ قبل زواجها بمردوخ في عام 1999، وهي في الثانية والثلاثين من عمرها، ويقول بعض المحللين إنها صاحبة السلطة داخل الأسرة.

وبالطبع فإن روبرت مردوخ هو صاحب السلطة الحقيقية، حيث إنه هو الذي يسيطر على أسهم مؤسسة «نيوز كورب» وهو القادر على اختيار خليفته.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»

* ساهم في التقرير إليزا ماكنتوش من لندن