المزاج المصري يتجه نحو الدولة المدنية رغم مكاسب الإسلاميين من الثورة

البرادعي تصدر المركز الأول في استطلاع للجيش بين 18 مرشحا محتملا للرئاسة

TT

ظهر من استطلاعين للرأي في مصر، أحدهما قام به الجيش، والثاني قامت به مؤسسة خاصة، أن المزاج المصري يتجه نحو الدولة المدنية، لا الدولة الدينية، وذلك على الرغم من المكاسب التي حصدها تيار الإسلام السياسي من ثورة 25 يناير التي أطاحت بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، في الحادي عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي. وفي استطلاع الرأي الذي أجراه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بين 18 مرشحا محتملا لانتخابات الرئاسة المقبلة، بينهم إخوان وسلفيون، جاء الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ذو ميول للدولة المدنية، في المرتبة الأولى، بينما قال استطلاع آخر أجرته مؤسسة «سينوفيت» أمس، وهي شركة عالمية متخصصة في الأبحاث، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن غالبية المصريين تريد مرشحا ذا سمعة طيبة وبرنامجا انتخابيا واضحا، وأن يكون على رأس اهتماماته معالجة قضايا البطالة.

ونشر المجلس الذي يدير البلاد الاستطلاع على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، منذ يوم 19 الشهر الماضي، وقال وقتها إن الاستطلاع سيستمر حتى 19 الشهر الجاري (أمس)، لكن كثيرا من المراقبين لا يعولون على نتائج استطلاع على فيسبوك لا يعكس أصوات من لهم حق الاقتراع، قائلين إن غالبيتهم تتركز في الريف. ويأتي هذا في ظل حراك سياسي متواصل في مصر منذ «ثورة» 25 يناير، وتغير مزاج المصريين بعد «الثورة» من السكون والرضا بالواقع أيام مبارك، إلى الحركة الدائبة والتظاهرات المتتالية، لكن استمرار عدم الاستقرار أصبح يربك السياسيين في الداخل والخارج ويصيب البورصة والاقتصاد بهزات وخوف من المستقبل، كما أن البلاد مقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية والاستفتاء على دستور جديد. وبعد أن كانت الانتخابات تجري في غالبيتها في سلاسة بسبب هيمنة حزب واحد على الحياة السياسية، هو حزب مبارك، أصبح من الصعب إرضاء المزاج العام المتقلب، مع ظهور تيارات الإسلام السياسي الذي لم يكن مسموحا له بالعمل في الشارع من قبل بسبب القبضة الأمنية الشديدة. ويسود اعتقاد بأن الإسلاميين قد يهيمنون على الحكم، من خلال البرلمان والرئاسة وشكل الدستور المقبل. وكانت نسبة الإقبال علي التصويت في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مبارك عام 2005 نحو 23%، وهو تقدير للجنة الانتخابات الرئاسية يرى المعارضون أنه مبالغ فيه، لأن غالبية المصريين لم تكن تشارك في تلك الانتخابات. ويقول قيادي سابق في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل الذي كان يرأسه مبارك إن أغلب الأصوات التي كان يعتمد عليها الحزب في الفوز بأغلبية البرلمان والرئاسة كانت تأتي من المناطق الريفية، بغض النظر عن الكيفية التي كانت تجرى بها عملية التصويت. ويضيف الرجل الذي فضل عدم ذكر اسمه أن حزب مبارك «لم يكن له منافسون حزبيون أقوياء.. كان في الحقيقة ينافس جماعة الإخوان، لكن بالقبضة الأمنية.. كان يحول دون وصول مرشحي الجماعة للبرلمان والنقابات بأي شكل. ما زلت أؤمن بأن حكم الإسلاميين خطر على مصر، بسبب ارتباط بعضهم بحركة حماس وحزب الله وإيران. ومعالجة الحزب الوطني لمشكلة الإسلاميين كانت من الأخطاء، وهذه هي النتيجة اليوم». ويرى كثير من المراقبين أن أي غلبة لتيار الإسلام السياسي، ستدخل مصر في نفق من التوترات، خاصة في ملف العلاقات الخارجية الحاكمة، مثل شكل العلاقة مع إسرائيل وإيران وحركات المقاومة، كما يقول هاني راضي، العضو في ائتلاف الشباب الاشتراكي لثورة 25 يناير، مشيرا إلى أن الإسلاميين (الإخوان) حصلوا في انتخابات البرلمان عام 2000 على 17 مقعدا، وفي 2005 على 88 مقعدا، وفي 2010 تدخل نظام مبارك بقوة للحيلولة دون فوز أي من مرشحيهم. وألغى الجيش بعد عامين من توليه الحكم لأول مرة بمصر عام 1952، الحياة الحزبية وحظر عمل جماعة الإخوان المسلمين، وقبل مقتله على يد إسلاميين متشددين عام 1981 كان الرئيس أنور السادات قد سمح بعودة جزئية لأحزاب معارضة وصحف. وقبيل انتهاء نظام مبارك، كان بمصر أكثر من عشرين حزبا وسيل من الصحف المعارضة والخاصة وازدحام في قنوات التلفزة التي تتحدث في كل شئ. لكن التيار الذي هيمن على الصورة بعد «سقوط النظام» كان التيار الإسلامي، من خلال عدة أحزاب إخوانية وسلفية وجهادية وغيرها. ويعتقد راضي، وهو خريج كلية الحقوق بجامعة القاهرة، أن الإخوان كانوا يعتمدون في حصد أصوات الناخبين على المناطق الريفية والفقيرة، مثل حزب مبارك تماما، وأن إيجاد حياة سياسية متوازنة بين التيارات الإسلامية والليبرالية والعلمانية، يتطلب مشاركة الأغلبية الصامتة. ويعتقد راضي أن هذه الأغلبية تتكون من المجتمع الواعي، من أبناء الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة والعليا. ويقول استطلاع أجرته مؤسسة «سينوفيت» وجهاً لوجه مع المستطلعين لقياس آثار الثورة على المصريين، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن الاهتمام بالمشاركة في الانتخابات السياسية شهد تغيراً ملحوظاً، وأنه «بالرغم من أن غالبية المصريين لم يكن لديهم أي نشاط حزبي أو عضوية في أي من الأحزاب السياسية قبل الثورة، فإن ما يقرب من الثلث (29 %) ينوون الانضمام إلى الأحزاب السياسية».

وتوقع تامر النجار، الرئيس التنفيذي لـ»سينوفيت» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ألا يقل الإقبال في اقتراع انتخابات البرلمان التي ستجري قبل نهاية هذا العام عن 80%، ترتفع في الانتخابات الرئاسية التي تعقبها بما لا يقل عن 85%. وتابع النجار قائلا إن ثورة 25 يناير «حطمت 30 عاماً من الحواجز التي كانت تعوق حرية الإنسان المصري وقدرته على التطلع والحلم». وأشار النجار إلى أن الاستطلاع الذي أجرته «سينوفيت» في المناطق الحضرية بالقاهرة الكبرى والإسكندرية والدلتا والصعيد، تم على عينة تشمل 1084 من الذكور والإناث، تتراوح أعمارهم بين 15 إلى أعلى من 50 سنة، لتحديد ملامح الشخصية المصرية من خلال طبقات مختلفة ضمت الطبقة العليا والوسطى العليا والوسطى. ولم تشر «سينوفيت» للميول الإيديولوجية لمن قامت باستطلاع آرائهم، وإن كانوا سيختارون مرشحا إسلاميا أو البرادعي أو عمرو موسى، لكنه قال إن العينة أظهرت أن 90% من المستطلعين (من الطبقات الاجتماعية العليا والمتوسطة) أصبحوا يهتمون بالموضوعات السياسية بعد الثورة، ويؤمنون بأن أصواتهم سوف تصنع التغيير.

بالنسبة للمعايير الأساسية التي سوف يراعيها المصريون عند اختيار رئيس الجمهورية المقبل، فأهمها، وفقا لاستطلاع «سينوفيت»: 79% للسمعة الطيبة و52% للبرنامج الانتخابي للمرشح، و44% لخبرته السياسية و35% للقدرة على المناظرة، و27% اشترطوا ألا يكون من النظام السابق و19% للحزب السياسي الذي ينتمي إليه المرشح. وأشارت نتائج الاستطلاع أيضا إلى أن أهم القضايا التي يجب على الرئيس المقبل الاهتمام بها في هذه المرحلة: البطالة بنسبة 91% والتضخم 66% وزيادة الحد الأدنى للأجور 49%.