التوترات بحمص تثير مخاوف من اندلاع أعمال عنف طائفية في سوريا

الخوف يسيطر على المدينة ومعظم المحلات التجارية أغلقت.. ونزوح للسنة والعلويين من مناطق يشكلون فيها أقلية

صورة مأخوذة من موقع «يوتيوب» الالكتروني لمواطن يعذب من قبل قوات الامن السورية
TT

أثارت موجة من أعمال القتل داخل مدينة حمص مخاوف من انزلاق الانتفاضة الشعبية داخل سوريا إلى مستنقع صراع طائفي لطالما زعزع الاستقرار داخل لبنان والعراق المجاورتين. ونشبت أعمال العنف نهاية الأسبوع في وقت تركز فيه الانتباه على مظاهرات ضخمة سلمية في أغلبها مناوئة للحكومة داخل العديد من المدن الأخرى بمختلف أنحاء البلاد، كان من ضمنها أكبر مظاهرات أقيمت حتى الآن داخل العاصمة السورية دمشق.

وفي حمص، استمرت المظاهرات الأسبوعية أيضا، ولكن خيمت التوترات الطائفية بين الأغلبية السنية داخل المدينة، الذين يمثلون أغلبية الحركة الاحتجاجية داخل الدولة ذات الأغلبية السنية، والأقلية العلوية، وهي الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد ومعظم أفراد نظام حكمه.

ومن الصعب التثبت من تفاصيل ما حدث بسبب قيود على دخول الصحافيين سوريا، كما تشهد المدينة حالة استقطاب حادة بين الطوائف المختلفة مما جعل روايات السكان المحليين متناقضة بصورة كبيرة.

وبناء على مقابلات أجريت مع شهود عيان من كلا الجانبين وعامل في القطاع الطبي يتتبع أعمال العنف ويجمع الجثث، بدا أن التوترات تفاقمت عقب قيام حشد من العلويين معهم عصي بإحاطة مسجد داخل منطقة سنية بعد صلاة الجمعة وأخذوا يهتفون بشعارات ضد السنة.

ورد السنة باختطاف ثلاثة علويين، وفي يوم السبت، عثر على جثثهم في منطقة سنية داخل المدينة، وقد ظهرت آثار العديد من الأعيرة النارية على الجثث. وثار العلويون، وقاموا بنهب وحرق محلات تجارية يملكها السنة. وفي حالة الهرج، قُتل ثلاثة على الأقل من السنة، من بينهم امرأة في السابعة والعشرين قتلت بالرصاص بينما كانت تخرج من منزلها داخل منطقة ذات أغلبية علوية.

وقال أحد النشطاء إن ستة من السنة قتلوا، مما يرفع عدد القتلى في عمليات القتل الثأرية إلى تسعة، على الرغم من أن العامل الطبي الذي شاهد الجثث لم يستطع التثبت إلا من مقتل ستة.

وتحدث سكان محليون يوم الاثنين عن سيطرة مشاعر الخوف على المدينة، حيث كانت معظم المحلات التجارية مغلقة وكان يسمع دوي الرصاص بصورة غير مبررة، فيما نزح سكان من السنة والعلويين من تلك المناطق التي يجدون أنفسهم أقلية داخلها.

وقال رجل أعمال مسيحي، شريطة عدم ذكر اسمه لأنه يخشى على سلامته: «نحن على وشك حرب أهلية»، وقال إنه في البداية كان يدعم حركة الاحتجاجات، ولكنه الآن يقف مع الحكومة بعد أن شاهد حوادث طائفية تجعله يخشى على مستقبل الأقليات الدينية داخل سوريا.

وقال ناشط يدعو إلى تطبيق الديمقراطية داخل حمص، لم يرغب أيضا في ذكر اسمه خشية تبعات ذلك، إن معارضين سنة يشعرون بحالة الرعب نفسها. وقال: «الجو داخل المدينة مرعب، حيث إن الناس يخشون من أعمال إبادة جماعية، وندعو بأن يمر الليل من دون أن نُقتل.» وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها حمص، وهي ثالثة كبريات مدن سوريا ويعيش فيها 1.5 مليون نسمة، أعمال عنف طائفية منذ اندلاع احتجاجات بمختلف أنحاء البلاد ضد حكم الأسد قبل أربعة أشهر. وكثيرا ما وقعت مصادمات بين الشباب العلويين ومتظاهرين خلال احتجاجات يوم الجمعة، بحسب ما ذكره سكان محليون.

وقد سقط معظم ما يقدر بـ1400 قتيل بين صفوف المحتجين خلال الانتفاضة حتى الآن على يد القوات الأمنية. وتقول تنظيمات حقوقية إن 30 على الأقل قتلوا يوم الجمعة. ولكن تدخل الاضطرابات السورية شهرها الخامس حاليا، وتغيب أي إشارة إلى احتمالية حدوث تسوية سواء من جانب الحكومة أو المحتجين، وتوجد احتمالية بأن تتحول المواجهات إلى صراع طائفي أوسع، بحسب ما يقوله محللون.

ولطالما قالت الحكومة السورية إن «عصابات مسلحة» مسؤولة عن الاحتجاجات كافة تقريبا، وحذرت بصورة متكررة من أن استمرار الاضطرابات قد يؤدي إلى حرب أهلية. ويتهم نشطاء يدعون إلى نظام ديمقراطي الحكومة بإثارة توترات طائفية لتبرير تصرفات وحشية استخدمت لقمع الاحتجاجات ولإقناع المجتمع الدولي ليتراجع عن دعم مطالب المحتجين بتنحي الأسد.

وقال بيان أصدرته لجان التنسيق المحلية، وهي الكيان الأكثر تنظيما بين الحركات الناشطة، تعليقا على أعمال العنف: «لن تفلح ألاعيب وممارسات النظام القذرة لإثارة حرب طائفية لتقسيم مواطني (حمص). ونؤكد على الطبيعة السلمية للثورة.» ولكن كان هناك العديد من المؤشرات التي تظهر أن لجان التنسيق المحلية، وهي إحدى الحركات المشاركة في تنظيم ومتابعة الاحتجاجات، ليس لديها نفوذ كبير على المحتجين داخل حمص، أو حتى داخل كثير من المدن الأخرى بمختلف أنحاء البلاد. وقد ظهرت صفحة على موقع «فيس بوك» الأسبوع الماضي تحمل اسم «ثورة حمص» وعليها صورة لرجل يلبس قناعا، وقد أعطت هذه الصفحة إطلالة على مدى عمق الأحقاد الطائفية. وأشارت بعض الرسائل إلى العلويين على أنهم «خنازير» وتحدثت عن مؤامرة لتطهير سوريا من السنة ودعت السنة إلى حمل السلاح ضد الحكومة. ولم يتسن التأكد من أصل الصفحة التي جذبت أكثر من 2000 معجب.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»