العنف في كراتشي يهدد بحدوث انقسامات عميقة في باكستان

«المهجرون» يطالبون بإقليم خاص بهم.. والبشتون يتخوف من التطهير العرقي

TT

تحول شارع مليء بأكوام القمامة في كراتشي إلى خط أمامي في معارك عرقية وقعت مؤخرا وراح ضحيتها 100 شخص خلال أربعة أيام. وفي أعقاب تلك المعارك العنيفة يتحدث السكان الآن عن الشارع بوصفه فجوة تحدث انقسامات بين سكان هذه المدينة المطلة على المحيط الهندي، والتي يبلغ تعداد سكانها 18 مليون نسمة، بل وداخل المجتمع الباكستاني بأكمله.

من جانب آخر تشير المجموعة المعروفة باسم «المهجرون»، التي ظلت لوقت طويل هي المجموعة المهيمنة على هذا الحي الفقير، في حالة من الاهتياج الشديد إلى المنازل التي تبدو عليها آثار طلقات النار والمنازل المحترقة، مطالبة بالانتقال إلى إقليم جديد يكون بمثابة وطن لهم وحدهم. وعلى الجانب الآخر تشير قبائل البشتون التي نزحت إلى هنا في السنوات الأخيرة هربا من المتمردين الإسلاميين في موطنهم الأصلي شمال غربي باكستان أيضا إلى ثقوب في جدران المنازل أحدثتها الطلقات النارية، ويعبر بعضهم عن مخاوفهم من أن ثمة نوعا من التطهير العرقي قد يكون وشيك الحدوث.

يتحدث عدنان خان، من قبائل البشتون والذي تعرض أخوه لطلق ناري أودى بحياته من قبل أفراد مجهولي الهوية هذا الشهر، عن المهجرين قائلا: «يطالبون الآن بإقليم خاص بهم وحدهم، وربما يطالبون بعد ذلك بدولة بأكملها».

ترزح كراتشي، أكثر المدن اختلافا في الأعراق في باكستان، تحت وطأة أعمال عنف غير خاضعة لرقابة رجال الشرطة ويشعل جذوتها الساسة. وفي الوقت الذي يسعى فيه متمردو طالبان إلى الإطاحة بالحكومة من مخابئهم بالجبال، والتي تبعد مئات الأميال عن كراتشي، تظهر المعارك الدائرة في المدينة بشكل واضح.

الانقسامات العرقية والسياسية والطائفية العميقة التي تمثل تهديدا إضافيا لهذه الحكومة المزعزعة بالأساس، فضلا عن كونها عقبة في طريق وحدتها ضد المسلحين الإسلاميين.

وحينما انفصلت باكستان عن الهند في 1947 أدمجت نطاقا واسعا من قطاعات السكان المختلفة عن بعضها من حيث العرق واللغة تحت مظلة قضية مشتركة، ألا وهي الإسلام. لكن باكستان قد كافحت من أجل التعريف بدور الإسلام كرابط اجتماعي. في الوقت نفسه سعى الجيش القوي، الذي ينتمي أغلب أفراده إلى إقليم البنجاب الباكستاني، إلى قمع الحركات القومية المختلفة، حتى إنه أحيانا ما كان يعمد إلى دعم جماعات عرقية وطائفية كوسائل للتأثير. وتظل السياسات دموية ومحلية بدرجة كبيرة. ويقول البعض إن نتاج ذلك أمة تشلّها الشقاقات والانقسامات، وتجرّها إلى صراعات وحشية.

«لماذا يتقاتلون في كراتشي؟ لأنهم لم يصبحوا باكستانيين بعد. إن الشعب لم يصبح بعد أمة واحدة»، هكذا قال سيد جلال محمود شاه، رئيس أحد الأحزاب القومية الصغيرة التي تتخذ من كراتشي مقرا لها، وهو الحزب الذي يمثل أفراد الشعب المولودين في إقليم السند المحيط. والمهجرون، مثلهم مثل البشتون، يعتبرون من مجموعات النازحين إلى كراتشي، وهم مسلمون يتحدثون اللغة الأردية، تركوا الهند التي يعتبر أغلب سكانها من الهندوس، مع حدوث الانقسام بين الدولتين.

يعتبر التحول السكاني أصل النزاع في كراتشي، إذ يهدد تدفق قبائل البشتون القادمة من المنطقة التي مزقتها الحرب على طول الحدود الأفغانية سيطرة المهجرين على المدينة، الذين أحكموا قبضتهم عليها منذ أمد بعيد. ويتجلى الصراع من خلال عمليات اغتيال وأعمال نهب لأراضٍ وابتزاز، وهي الأعمال التي تنفذها عصابات توصف باعتبارها أجنحة مسلحة للأحزاب السياسية القائمة على أساس عرقي. ويتهم متحدثو الأردية، الذين تمثلهم الحركة القومية المتحدة، المعروفة اختصارا باسم «إم كيو إم»، قبائل البشتون بإيواء إرهابيين في كراتشي، ويقول الحزب الرئيسي المنافس لحركة «إم كيو إم»، وهو حزب «عوامي» الوطني، أو «إيه إن بي» اختصارا، إن 4 ملايين من البشتون في كراتشي يتم تجاهلهم من الناحية السياسية، غير أن العنف يتصاعد لمستويات جديدة، ويقول السكان إن التوترات العرقية تزداد حدة.

وتشير جمعية حقوق الإنسان في باكستان إلى أن 490 شخصا قتلوا في كراتشي في اغتيالات مدفوعة بأسباب عرقية أو سياسية وقعت في الأشهر الستة الأولى من العام. وقد زادت حدة العنف في أعقاب مقتل ناشط بحزب «عوامي» الوطني. وبعد هدوء حدة القتال تم اتهام حركة «إم كيو إم» باستثارة التوترات العرقية من خلال كتابات بدهانات الرش على الجدران بمختلف أنحاء المدينة يطالبون فيها بإقليم خاص بالمهجرين، وهو اتهام نفته الحركة تماما.

وفي يوم الأربعاء اتهم وزير إقليمي من حزب الشعب الحاكم في باكستان متحدثي الأردية بمحاولة تقسيم الإقليم بعد هجرتهم إليه «جياعا وعراة». وأشعل هذا بدوره موجة جديدة من أعمال العنف راح ضحيتها 15 قتيلا.

فضلا عن ذلك، فقد دفعت إلى تعليق العمل في مدينة توفر نحو 65 في المائة من الدخل لاقتصاد باكستان الذي يعاني من هبوط حاد، على نحو يقلق الحكومة المدنية المزعزعة في إسلام آباد. ووفقا لتقارير إعلامية باكستانية قدم الرئيس آصف علي زرداري، الذي اتهم حزبه أيضا بدعم العصابات في معاقلها القوية في كراتشي، اعتذاره إلى حركة «إم كيو إم» نيابة عن الوزير الإقليمي، ودعا إلى الوحدة لمحاربه ما سماه «العدو الحقيقي» لباكستان، وهو الإرهاب.

وعلى الرغم من ذلك، فطالما كانت الوحدة الوطنية مفهوما محيرا، خلافا لنصوص الكتب المدرسية التي تشير إلى باكستان بوصفها ملاذا للمسلمين الذين يعيشون في ظل اقتصاد عدائي، وهو اقتصاد الهند. وتعتبر ثلاثة من بين أربعة أقاليم باكستانية موطنا لحركات انفصالية أو قومية، وتشترك معا في عدائها لإقليم البنجاب، الإقليم الأكثر كثافة سكانية ونفوذا في باكستان.

في الوقت الذي تسعى فيه المؤسسة العسكرية في باكستان، التي حكمت باكستان خلال نصف عمرها منذ استقلالها، لتشكيل هوية وطنية موحدة، حاولت تهدئة حركات القوميين، بحسب نشطاء حقوقيين. وفي إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان، حيث تشن هجمات من قبل المتمردين منخفضي المستوى، أعلنت منظمة «هيومان رايتس ووتش» مؤخرا أنه تم العثور على 150 جثة هذا العام خلفتها عمليات قتل وإلقاء للجثث، والتي يعتقد أنها قد تمت على أيدي أجهزة الاستخبارات وقوات الأمن.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»