كلينتون تطمئن الهند أمنيا.. وتدعوها لتسهيل التعاون النووي

أكدت دعم واشنطن لمنح نيودلهي مقعدا دائما بمجلس الأمن الدولي

كلينتون تصافح الزعيمة السياسية الهندية صونيا غاندي في نيودلهي أمس (أ.ف.ب)
TT

دعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أمس، في نيودلهي إلى توطيد العلاقات بين الولايات المتحدة والهند في مجالات الأمن والطاقة النووية المدنية. وسعت كلينتون إلى تهدئة قلق نيودلهي إزاء رحيل قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، وحثتها من ناحية أخرى على تعديل قانون يمنع الشركات الأميركية من المشاركة في سوق الطاقة النووية التي يبلغ حجمها 150 مليار دولار وفتح ثالث أكبر اقتصاد في آسيا بشكل أكبر أمام الاستثمار الأجنبي.

ففي المجال الأمني، جددت كلينتون تعازي الولايات المتحدة بعد الاعتداءات الدامية التي شهدتها مومباي الأربعاء الماضي وأودت بحياة 19 قتيلا وأدت إلى إصابة أكثر من مائة آخرين بجروح. وقالت في ختام محادثات مع المستشار الهندي للأمن الداخلي شيفشنكار مينون، إن «الأمن الداخلي أولوية، وموضع شراكة متزايدة».

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الاعتداءات ولا ترجح الشرطة أي فرضية بشأن منفذي التفجيرات التي وقعت قبل لقاء كان مقررا عقده بين وزيري الخارجية الهندي والباكستاني لبحث حوار السلام الهش بين البلدين. وكانت الهند جمدت عملية السلام مع إسلام آباد بعد هجمات نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 في مومباي حين شن مسلحون هجوما في المدينة استغرق 60 ساعة وأدى إلى مقتل 166 شخصا. وقد نسبت نيودلهي هذه الهجمات إلى جماعة «عسكر طيبة» الإسلامية التي تتخذ مقرا لها في باكستان.

ورحبت الهند الأسبوع الماضي بقرار الولايات المتحدة تعليق قسم من مساعدتها العسكرية الضخمة لباكستان، معتبرة أن ذلك يسهم في التوازن الإقليمي. وتناولت الوزيرة الأميركية بحذر ملف العلاقات بين الهند وباكستان، وقالت إن اللقاءات الأخيرة بينهما في الأشهر الماضية «مشجعة». إلا أنها دعت إسلام آباد إلى «مواجهة كل أشكال التطرف العنيف»، في صيغة تعني بها الولايات المتحدة أنه على إسلام آباد عدم استثناء أي جهة في مكافحتها للمجموعات المتطرفة الناشطة على أراضيها وانطلاقا منها. من جهته، قال نظيرها الهندي إس إم كريشنا إنه على واشنطن أن «تأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض لتصبح أفغانستان قادرة على الدفاع عن نفسها من الإرهاب الذي ترعاه طالبان» بعد انسحابها في 2014.

من جهة أخرى، أكدت كلينتون في مستهل زيارة تستمر ثلاثة أيام لنيودلهي وتشيناي (مادراس سابقا)، أحد المراكز الاقتصادية الأكثر نشاطا في جنوب الهند، أن التعاون يمكن أن يوفر ملايين الوظائف في البلدين وقد يسهم في إرساء الأمن في المنطقة برمتها. وسجلت المبادلات التجارية بين البلدين زيادة بنسبة 30 في المائة عام 2010 بحسب مصدر هندي، لتصل إلى نحو 50 مليار دولار، ما يجعل من الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول للهند. غير أن كلينتون دعت كلا الشريكين إلى بذل المزيد «للحد من الحواجز وفتح أسواقنا وإيجاد فرص جديدة للشراكة الاقتصادية».

وحثت كلينتون المسؤولين الهنود بطريقة مهذبة لكن صارمة، على التحرك بشأن قضايا اقتصادية رئيسية، بينما يسعى الجانبان لتعزيز علاقة اشتملت على الكثير من الوعود التي لم تنفذ بعد. وكانت حكومة الهند قد وعدت منذ فترة بفتح اقتصادها الذي يبلغ حجمه 6.1 تريليون دولار، لكن يتعين عليها أيضا تبديد مخاوف المعارضة من فقد الوظائف لصالح الشركات الأجنبية.

وتستهدف زيارة كلينتون للهند وهي الثانية لها كوزيرة للخارجية البناء على ما تحقق من تقدم منذ زيارة الرئيس باراك أوباما لنيودلهي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وإعلانه أن أكبر ديمقراطيتين في العالم هما شريكتان طبيعيتان. ومنذ ذلك الحين تصطدم آمال الولايات المتحدة في تطبيق سريع للاتفاق النووي المدني بالكثير من العقبات التشريعية والتعقيدات السياسية التي تقول الشركات الأميركية الكبرى إنها تحول دون حصولها على نصيب من السوق الهندية.

وقالت كلينتون في مؤتمر صحافي بعد اجتماعها مع نظيرها الهندي إس إم كريشنا «نحتاج إلى حل هذه القضايا التي ما زالت عالقة حتى نتمكن من جني فوائد العمل الخارق الذي بذلته حكومتا بلدينا». ويريد المسؤولون الأميركيون أن «تشدد» الهند تشريعاتها بحيث تحمي صناع المعدات من المسؤولية القانونية في حالة وقوع حوادث نووية قائلين إن القوانين الهندية أشد صرامة بكثير من مثيلاتها في دول أخرى. وتحرص شركتا «جنرال إليكتريك وستنجهاوس» ذراع شركة «توشيبا» اليابانية بالولايات المتحدة على الحصول على نصيب من السوق.

وبذلت الولايات المتحدة جهودا حثيثة لتوطيد العلاقات مع الهند باعتبارها قطبا موازنا للنفوذ الصيني في آسيا. والهدف من «الحوار الاستراتيجي» الذي تجريه الولايات المتحدة مع «أقدم وأكبر ديمقراطية في العالم» بحسب تعبير إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجسيد هذا التعاون في مجالات الأمن والتجارة والتعليم والطاقة والتكنولوجيا.

وإذ أثنت كلينتون على التقدم الذي تحقق على صعيد التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والهند، فإنها دعت إلى تحقيق تقدم جديد في مجال أمن البحار الذي يشكل «مصدر قلق كبيرا في وقت نسعى فيه لحماية طرق الملاحة البحرية ومكافحة القرصنة والدفاع عن حرية الملاحة». ولفتت إلى أن مبيعات الأسلحة الأميركية ستسهل العمل المشترك للجيشين. وتم استبعاد شركتي «بوينغ» و«لوكهيد مارتن» الأميركيتين العملاقتين للطيران مؤخرا من استدراج عروض مهم لتزويد الجيش الهندي بـ126 طائرة مقاتلة.

ودعت كلينتون مؤخرا، إلى منح الهند العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وهي دعوة لا يتوقع أن تلقى استجابة في ظل عدم وجود إجماع دولي على إصلاح هذه الهيئة التي تهيمن عليها حاليا القوى الكبرى المنبثقة من الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا).