الكوميديا السوداء تزدهر في سوريا.. والمعلم يلهم المتهكمين بعد إعلانه محو أوروبا عن الخريطة

كيف حرر شاب سوري أخاه من قبضة الأمن خلال إحدى المظاهرات؟

TT

بديهي أن يطلق على أي تهكم أو موقف يحمل مفارقات تثير الضحك، اسم «نكتة».. إلا في سوريا. فهناك، الكوميديا سوداء؛ وسوداء بامتياز، لأنها لم تعد تقتصر على النكتة السياسية التي تولد من رحم الخيال، فالواقع على الأرض السورية يثبت أنه لطالما كان الواقع أغنى من الخيال.. وحتى إن كوميديا الموقف باتت تولد من رحم أكثر المواقف رعبا وأشدها يأسا وعنفا.

ويروي أحد النشطاء لـ«الشرق الأوسط» أنه وفي إحدى المظاهرات الحاشدة التي كان يشهدها حي بابا عمر في مدينة حمص السورية، وبينما كان الأصوات تصدح بالهتاف: «الشعب يريد إسقاط النظام» انقضت جموع من قوات الأمن على المتظاهرين، وكان واضحا أن هدفها اعتقال أكبر عدد منهم. وكما هو معلوم في سوريا، إذا ألقي القبض عليك كمتظاهر من قبل الأمن السوري النظامي، أو من يتبعونه من فرق باتت تعرف بـ«فرق الموت»، فأنت مستباح بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. يروي الناشط المشهد بأنه كان كالآتي: هرب المتظاهرون في كل اتجاه، وقبض الأمن على من قبض عليه من النشطاء، إلا أن شابا وقف من بعيد يراقب أخاه الذي قبض عليه ما يزيد على عشرة عناصر مسلحين، وبدأوا في جره إلى السيارة.. موقف مرّ وصعب؛ فماذا يفعل لينقذ أخاه. إنه العقل الذي قد يكون أحيانا أقوى من المدفع. صرخ الشاب الطليق مناديا أخاه الذي ألقي القبض عليه، وبجنون: «فجر نفسك فجر نفسك.. صارو كثار، اقتلهم..». لم تمر أجزاء من الثانية حتى انفض رجال الأمن كالمجانين من حول هذا الشاب خوفا من أن يقتلهم عندما ينفجر حزامه الناسف. وفي هذه الهنيهة، لاذ الشاب بالفرار ونجا من قبضتهم. الواقع أنه ليس هناك حزام ناسف؛ إنه ذكاء الشاب الذي أنقذ أخاه من مصير مجهول بإيهام الأمن بأن حزاما ناسفا بحوزة أخيه.. القصة تحولت إلى مشهد من كوميديا سوداء يمكن أن تنزع ابتسامة على أقل تقدير ممن يستمع إليها.

وفي حين أصبحت تيمة «الشعب يريد إسقاط النظام» الأكثر تكرارا في الشارع السوري، تسيطر عبارة «الله.. سوريا.. بشار وبس» على المسيرات التي يقوم النظام بحشدها لتأييده. كما تسيطر أيضا على الإعلام الرسمي الذي يصر على منحها مزيدا من الزخم أمام شعارات الشارع المعارض الغاضبة. ويتهكم الناشطون على الإنترنت بالقول إن أحد رؤساء الأجهزة الأمنية سأل رجل الأعمال رامي مخلوف، أحد أقارب الرئيس بشار الأسد، بعد أن أعلن أنه سيتحول للعمل الخيري وسيترك عالم الأعمال، ويقوم بتوزيع أمواله على الجمعيات الخيرية: «أستاذ رامي هل حقا ستتخلى عن كل أموالك؟»، فرد رامي مخلوف: «نعم». وأضاف يسأل: «ولكن ماذا ستترك لعائلتك؟»، فرد رامي مخلوف: «تركت لهم: الله.. سوريا.. بشار وبس».

وهكذا يستمر الإعلام الرسمي في تكريس هذا الترتيب الثلاثي «المقدس» الذي يقترن فيه الرئيس الأسد برب العالمين، فيما يصر الإعلام السوري الرسمي على أن يحتكر الصواب وكل ما تبقى من إعلام إلا ما رحم ربي؛ إعلام فتنة وتضليل. ويظهر شاهد عيان على إحدى القنوات الداعمة للنظام، ويقول للمذيعة: «هناك مسلحون يهاجمون الأحياء ويسرقون المحلات التجارية». فتبادره المذيعة: «صف لنا أشكالهم». فيصف «الشاهد»: «إنهم ملثمون لكن وجوههم تظهر أنهم ليسوا من أبناء المنطقة». «ويبدو أن الشاهد وعلى الرغم من اللثام، فإنه تمكن من تمييز الوجوه»، تتابع المذيعة وكان خطأ لم يرد.

وإلى اليوم وبعد شهر تقريبا من المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي أصبح يعرف بمؤتمر «عالم بلا أوروبا» لأن المعلم قال فيه إن سوريا ستنسى أن أوروبا موجودة على الخريطة، لا تزال هذه العبارة ملهمة لصناع النكتة السياسية العفويين. ويروي هؤلاء أن من بين أهم الإصلاحات التي ينوي النظام السوري إجراءها هو تغيير المناهج الدراسية في سوريا.. أما السبب، وفقا للمتهكمين، فهو رغبته في إزالة أوروبا من الخرائط الموجودة في الكتب المدرسية.. فيما يروي آخرون أن أحد أهم الأسباب التي منعت العقيد الليبي معمر القذافي من تنفيذ تهديده بالزحف إلى أوروبا، هو أنه لم يجدها على الخريطة.

لكن المعلم يصر على معاقبة أوروبا من خلال مسحها عن خريطة العالم، وهذه ليست دعابة؛ فالمعلم قالها بنفسه.. ونقل موقع «عكس السير» السوري الموالي للنظام عن المعلم قوله، خلال ندوة حوارية بجامعة دمشق أمس، إن الأوروبيون «إذا أرادوا العودة إلى الخارطة عليهم التراجع عن سياستهم حيال سوريا». ونقل موقع سوري موال للنظام عن المعلم قوله: «إن الأوروبيين ينتهجون سياسة فتح ونبش الملفات لكي يصطادوا موقفا ضد سوريا، ولكن حتى الآن لم يفلحوا، فلجأوا إلى محيطهم الغربي لفرض عقوبات على سوريا، وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأميركية». وعلى الرغم من أن أوروبا ليست موجود على الخريطة في عرف المعلم، فإن بلاده لا تزال ترسل رسائل لخطب ود الأوروبيين، ليخففوا ضغطهم على النظام.