إسلاميو مصر يرفضون استباق الدستور الجديد بمبادئ حاكمة ويهددون بالتصعيد

مصادر: المجلس العسكري يسعى لوضع ضمانات الدولة المدنية وسط ارتياح الليبراليين والمسيحيين

متظاهرون في ميدان التحرير بوسط القاهرة يتابعون صور شهداء الثورة المصرية أمس (أ.ب)
TT

الدخول لمجمع المطاعم والمقاهي الراقية في ضاحية مصر الجديدة، التي كان يسكنها الرئيس المصري السابق حسني مبارك، يثير التفكير في مستقبل البلاد، حيث بدأت مؤخرا نذر خلافات بين المجلس العسكري الحاكم وجماعات الإسلام السياسي المؤثرة في «الشارع العاطفي بطبعه»، وعلى رأسها جماعة الإخوان والسلفيين.

وبدأ الإسلاميون أمس يهددون بتنظيم مظاهرات مليونية ضد إجراءات تقول المصادر إن الجيش يريد القيام بها للحيلولة على ما يبدو دون انفراد محتمل للإسلاميين بوضع دستور جديد للبلاد، قد يثير الفرقة بين طوائف الشعب في دولة يزيد عدد سكانها على 80 مليون نسمة، وتعد من الدول الرئيسية في المنطقة.

وتتخوف قطاعات كبيرة من المصريين من تحول بلادهم إلى دولة دينية. وتقول مها (55 سنة)، وهي سيدة أعمال مسيحية تدير مكتبا للخدمات الإعلامية (pr) جوار مجمع المطاعم والمقاهي الراقي بالضاحية الواقعة غرب العاصمة إنها تتخوف من «الزحف الإخواني صوب البرلمان والرئاسة». وسارعت جماعات سياسية ليبرالية ويسارية بوضع وثائق فوق دستورية وقواعد لاختيار لجنة إعداد الدستور الجديد، في محاولة لتجاوز الأزمة التي باتت تعرف بـ«الدستور أولا»، أم «انتخابات البرلمان أولا».

وفي داخل المجمع الراقي حيث يختلط المسلمون والمسيحيون وسط روائح الطعام والبن، ارتفع صوت فتيات قرب نافورة تضخ وسط حمام السباحة. كن 5 يتحدثن حول منضدة عليها أكواب نسكافيه ومرطبات. وقالت إحداهن، وهي ترفع خصلات شعرها عن وجهها، إذا جاءت حكومة إخوانية فسوف تفرض عليهن ارتداء الحجاب عنوة، مشيرة إلى أنها جهزت منذ أسابيع جواز سفرها للهجرة في حال فازت جماعة الإخوان المسلمين بالأغلبية في البرلمان.

وقالت مها: «أنا فكرت في هذا الأمر حين شعرت أن هناك من يفتح الطريق بقوة أمام التيار الديني.. هذا كابوس، لكن في الفترة الأخيرة هناك تغير»، مشيرة إلى ما تعتقد أنه تدارك السلطات التي تدير البلاد لخطورة ترك وضع الدستور لجمعية منتخبة من البرلمان القادم الذي يمكن أن يسيطر الإسلاميون عليه وعلى الجمعية الدستورية. وتاريخيا لجماعة الإخوان علاقات ملتبسة مع بلاط الحكام، منذ تأسيس الجماعة على يد حسن البنا في مدينة الإسماعيلية شرق القاهرة عام 1928، حتى الوقت الراهن، مرورا بالعهد الملكي، والرؤساء العسكريين الذين جاءوا مع ثورة يوليو عام 1952، محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات. ويقول مصدر أمني رفيع، إن مرحلة حكم مبارك التي انتهت قبل 5 أشهر شهدت أيضا تنسيقا «من تحت المنضدة» بين الجماعة وحزب الرئيس السابق إلا أن هذا لم يستمر، وتحول إلى صدام.. «ومع إدارة المجلس العسكري للبلاد، بدأت الجماعة في تحقيق مكاسب، لكن هذا لا يعني أن مصر ستتحول لدولة دينية».

وبعد أن تم الاتفاق عقب استفتاء دستوري أجري منذ نحو أربعة أشهر، على إجراء الانتخابات البرلمانية أولا قبل نهاية هذا العام، يعقبها انتخابات الرئاسة ووضع الدستور، يقول المراقبون إنه ظهرت في الأفق مخاطر سيطرة الإسلاميين على البرلمان وبالتالي على اللجنة التي سوف ينتخبها البرلمان لوضع الدستور. ويبدو أن الإسلاميين بدأوا يدركون أن رياح الثورة التي دفعت بسفينتهم إلى الأمام لم تعد مواتية كالسابق، وهم ينظرون إلى إجراءات يزمع المجلس العسكري الحاكم القيام بها، حسب المصادر المطلعة، لوضع مواد «فوق دستورية» تكون حاكمة للهيئة التأسيسية لوضع الدستور لاحقا. وإذا حدث هذا فإن «الإخوان» والسلفيين سيخسرون على الأغلب معركتهم التي يخوضونها لتلوين الدستور باللون الديني.

وأعلنت جماعة الإخوان أمس أنها تدرس، مع كثير من القوى السياسية والشعبية، القيام بمظاهرات مليونية يوم الجمعة بعد المقبلة، في ميدان التحرير وكافة محافظات مصر لـ«يسمع الجميع صوت الشعب الهادر ويتلقى رسالته الغاضبة نتيجة العدوان على سيادة الشعب، ومحاولة اغتصاب حقوقه من قبل عدد قليل ممن لا يحترمون إرادته».

وصرح الأمين العام لجماعة الإخوان الدكتور محمود حسين، أن سبب الدعوة للمظاهرات يرجع إلى «محاولات عدد من المجموعات للالتفاف على إرادة الشعب والافتئات على حقه»، وشدد على تمسك الجماعة بالاستفتاء الشعبي الذي تم في شهر مارس (آذار) الماضي، وأسفر عن خارطة طريق وجدول زمني لإجراءات نقل السلطة من المجلس العسكري إلى السلطة المدنية المنتخبة من الشعب.

وأضاف أن هناك محاولة لفرض مواد «سموها فوق دستورية على الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، ضاربين عرض الحائط بسيادة الشعب وحقه في أن يمنح نفسه دستوره، ويصوغه وفق إرادته الحرة التي لا يجوز لأحد أيا كان أن ينتقص منها شيئا، وزعم هذه المجموعات أنها تتصرف برضا المجلس العسكري وبتكليف منه، وهو ما نشك فيه كثيرا».

وفور رحيل نظام الرئيس السابق تصدرت جماعة الإخوان والتيار السلفي والجهادي واجهة الحياة السياسية، وحصدت مكاسب جمة أصبحت تخيف القوى المدنية والعلمانية والمسيحيين المصريين.

وتحتفظ السيدة مها بعلاقات واسعة بحكم عمل شركتها، بطبقات اجتماعية وإعلامية مختلفة. وقالت إنها تتابع عن قرب فرص منافسة الأحزاب المدنية والعلمانية لزحف تيار الإسلام السياسي، مثل أحزاب الوفد والتجمع والجبهة الديمقراطية، وكذا مراحل تطور الحزب الجديد (المصريين الأحرار) الذي أسسه رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس. وأضافت: «فكرت في الانضمام لحزب ساويرس لكن لا أرى أنه يمكن أن يحقق نجاحا يذكر حاليا».

وأوضحت أن «جماعة الإخوان تروج ضد العلمانية وتقول إنها كفر.. وأغلبية الناخبين من المحافظات والأرياف حيث نسبة الأمية تتعدى 40 في المائة في عموم مصر ومن السهل إقناعهم بأن العلمانية ضد الدين».

وعن سبب اعتقادها في عدم قدرة الأحزاب المدنية والعلمانية على المنافسة في الانتخابات البرلمانية، قالت مها وهي ترشف القهوة: «كل هذه الأحزاب لم يكن لديها وقت للترويج لنفسها بعد ثورة 25 يناير، بينما حزب جماعة الإخوان يفتتح كل يوم مقرا جديدا في محافظة.. آليات الإخوان موجودة مسبقا على أرض الواقع، لكن المجلس العسكري سيظل بطريقة أو بأخرى ضامنا للدولة المدنية».

وتابعت مها وهي تصف ما قالت إنه مخاوف المسيحيين المصريين من دولة يسيطر عليها الإخوان: «هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعمل فرقة، ليس لدينا مذهبية أو قبلية وإنما أقباط، وأعتقد أن الإنسان المصري الطبيعي ليس مع الفرقة، لكن البسطاء والانفعاليين سهل استثارتهم، وهناك جهات من مصلحتها اللعب على الوتر الضعيف عند الناس وهو الوتر الديني».

كان موعد لقاء السيدة مها عصرا في مجمع المطاعم والمقاهي الشهير. وكان خط لترام مصر الجديدة المار من هناك يؤشر بالصدأ الذي يغطيه، لمرحلة انتهت، وأخرى لم تبدأ بعد. وفي الواجهة تصطف عدة أبراج ومحال تجارية وسيارات فارهة. وإلى اليمين، يبرز مفرق طرق ليس عليه أي علامات إرشادية عن الجهات التي تؤدي إليها الشوارع، سواء كانت يمينا أو يسارا.