فضيحة التنصت على الهواتف تثير نقاشا أميركيا بشأن المؤسسات الإعلامية الكبرى

نائب أميركي: ملكية وسائل الإعلام ليست حقا.. بل امتياز قائم على الثقة والمسؤولية

TT

على مدار فترة طويلة من الزمن وجه نشطاء تقدميون وجماعات مهتمة بالشأن العام انتقادات شديدة لإمبراطور الإعلام روبرت مردوخ ومؤسسته «نيوز كورب» بسبب ما سموه التحيزات السياسية، لكن خلال الأسابيع الأخيرة اعتمدوا على سبب آخر للمطالبة بإلغاء التراخيص التلفزيونية الممنوحة له وبتفكيك مؤسسته، وكان هذا السبب هو فضيحة التنصت على الهواتف في بريطانيا.

وتعتبر الفضيحة، حسب تصريحاتهم، فرصة لرفع مستوى الوعي بعملية دمج وسائل الإعلام، في وقت تقوم فيه الحكومة الأميركية بمراجعة القواعد التي تحكم حجم امتلاك شركات مثل «نيوز كورب» و«كومكاست» و«والت ديزني» لشركات أخرى.

وقال جيف كوهين، وهو المدير المؤسس لمركز بارك لوسائل الإعلام المستقلة في كلية إيثاكا: «بالنسبة لنا نحن الذين نحذر من أخطار تركز الكثير من وسائل الإعلام في قبضة عدد قليل جدا من الشركات، تعتبر هذه الفضيحة هبة من السماء».

من ناحية أخرى، تعتبر هذه الفضيحة بمثابة فرصة للنواب الديمقراطيين للدعوة إلى مزيد من الاهتمام بممارسات مثل هذه الشركات.

وفي مقابلة شخصية معه، تساءل النائب بوبي راش، وهو ديمقراطي من ولاية إلينوي وواحد من المنتقدين لمردوخ، عما إذا كان قد تم السماح لإمبراطور الإعلام بالاستحواذ على الكثير من وسائل الإعلام، وأضاف: «لا يمكننا نسيان المبدأ الأساسي لملكية وسائل الإعلام في الولايات المتحدة. إنه ليس حقا، بل هو امتياز قائم على الثقة والمسؤولية».

وقال النائب تامي بالدوين، وهو ديمقراطي من ولاية ويسكنسن: إنه بالإضافة إلى قضية دمج وسائل الإعلام، فإن فضيحة التنصت على الهواتف تثير تساؤلات حول «توقعات الخصوصية في العالم الرقمي وكيف ندعم حرية الصحافة مع ضمان نزاهة الصحافة وصدقها».

ويعتقد أنه سيكون هناك القليل من التهديدات الفورية لإمبراطورية مردوخ الإعلامية التي تضم شبكة «فوكس» و24 محطة تلفزيونية محلية وصحيفتي «وول ستريت جورنال» و«نيويورك بوست» وشركة أفلام «تونتيث سينتشوري». وفي الأسبوع الماضي أشارت لجنة الاتصالات الاتحادية إلى أن فضيحة التنصت على الهواتف تقتصر على بريطانيا وحدها.

ومع ذلك، من الممكن أن تؤثر الفضيحة على رؤية اللجنة لقواعد ملكية وسائل الإعلام، خاصة إذا كان هناك خلاف ملموس حول أباطرة الإعلام الأقوياء مثل مردوخ.

ويبرز هذا الخلاف بالفعل في بريطانيا؛ حيث يتحدث السياسيون بصراحة حول التوصل إلى قوانين جديدة من شأنها أن تؤدي إلى تفكيك مؤسسة «نيوز كورب»، التي تملك 39% من شبكة «بي سكاي بي»، فضلا عن الكثير من الصحف هناك.

وفي الولايات المتحدة، دعا السياسيون إلى إجراء تحقيقات فيما إذا كانت الشركات المملوكة لمؤسسة «نيوز كورب» قد قامت هي الأخرى بالتنصت على هواتف الأميركيين، بمن في ذلك ضحايا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية. ويقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحقيق الآن، ويوم الثلاثاء نفى روبرت مردوخ رؤيته لأي دليل على أن ضحايا هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة كانوا عرضة «للتنصت» من قبل موظفيه.

لكن جماعات إصلاح وسائل الإعلام، مثل جماعة «الصحافة الحرة» التي تدعو لمزيد من التنوع في ملكية وسائل الإعلام، تقول إن قلقها يمتد إلى ما هو أبعد من أي تحقيق فردي.

وقال كريغ أرون، وهو ورئيس جماعة الصحافة الحرة، الأسبوع الماضي: «أعتقد أن هذه هي اللحظة التي يجب فيها التعامل مع الأضرار الجسيمة التي خلفتها إمبراطورية مردوخ في نظام وسائل الإعلام الخاص بنا على مدى العقود القليلة الماضية». وقد وجد كتاب «احتكار وسائل الإعلام الجديدة» الذي كتبه بن باجديكيان عام 2004 أن 5 شركات فقط تمتلك أكثر من نصف عدد محطات الراديو والتلفزيون والصحف اليومية والمجلات وشركات إنتاج الأفلام في الولايات المتحدة. وفي شهر يناير (كانون الثاني) الذي شهد أحدث عملية دمج لوسائل الإعلام، وافقت الحكومة على عرض من شركة «كومكاست» للاستحواذ على شركة «إن بي سي يونيفرسال».

من جهة أخرى، هناك من يؤيد دمج شركات وسائل الإعلام ويقول إن عمليات الدمج تحسن عملية حصول المستهلكين على المعلومات والأخبار ووسائل الترفيه، وإن الإنترنت قد عزز المنافسة، وهو ما خلق خيارات جديدة للمستهلكين.

على جانب آخر فإن جماعات مثل جماعة «الصحافة الحرة» ترى عكس ذلك؛ حيث ترى أن عمليات الدمج تخفض من عدد العاملين بمهنة الصحافة في البلاد وتقلل من تنوع الأصوات، سواء في وسائل الإعلام المطبوعة أو المرئية. وقال أرون إنه شعر بأن معظم الأميركيين كانوا على علم بوسائل الإعلام الكبيرة مثل «فوكس» و«إن بي سي»، لكنهم لا يدركون أن مالكي هذه المؤسسات يسيطرون على العشرات من مؤسسات الإعلام الأخرى. لكن «عندما يعرف الناس حجم الشركات التي تستحوذ عليها هذه المؤسسات، فإنهم يشعرون بالقلق ويريدون معرفة المزيد على ذلك» حسب قول أرون، الذي أضاف أن الموقع الإلكتروني لمجموعة «الصحافة الحرة» ينشر رسما بيانيا باسم «من يملك ماذا؟» ويعتبر من أكثر المواد المثيرة والجاذبة للقراء على الموقع.

وخلال هذا الأسبوع، رفضت لجنة الاتصالات الفيدرالية التعليق على تقريرها بشأن الملكية الذي من المفترض أن يقوم بتقييم ما إذا كانت القواعد القائمة تعزز عملية التنوع والمنافسة بفاعلية أم لا. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قامت إحدى محاكم الاستئناف بتأييد معظم الخطوات التي اتخذتها اللجنة عام 2007 لتخفيف قواعد الملكية، لكنها رفضت قاعدة واحدة، لأسباب إجرائية، مكنت عددا كبيرا من الشركات من امتلاك صحيفة ومحطة في السوق المحلية نفسها.

أما الشبكات الإخبارية مثل «فوكس نيوز» – التي تعتبر سوط الليبراليين ورمزا للقوة السياسية لمردوخ – فلا تقع تحت إشراف لجنة الاتصالات الفيدرالية أو تقريرها بشأن الملكية، لكن تقوم اللجنة بالإشراف على 27 محطة محلية تملكها شركة «نيوز كورب»؛ لأن كلا منها يعتمد على رخصة اتحادية لاستخدام موجات البث العامة.

ومن النادر جدا أن يتم إلغاء الترخيص، وقال محللون إنهم لا يتوقعون حدوث مشاكل للمحطات على خلفية فضيحة التنصت على الهواتف، لكن يمكن للمعارضين أن يستشهدوا بشروط لجنة الاتصالات الفيدرالية التي تقوم بتقييم شخصية مالك المحطة عندما يحين موعد تجديد رخصة محطات «فوكس» أو «ماي نت وورك».

ويقول أرون: إن المشكلة الأكبر التي تواجه مردوخ هي أنه كانت لديه إمبراطورية لا تقهر قبل اندلاع فضيحة التنصت على الهواتف التي أصبحت من أكثر الأخبار انتشارا في بريطانيا والولايات المتحدة، لكن «مهما يحدث الآن، فقد ذهب هذا».

وقال أندرو جاي شوارتزمان، الذي يعمل في مجموعة «ميديا أكسيس بروجيكت»، إنه يشك في أن يغير المشاهدون المخلصون لشبكة «فوكس نيوز»، التابعة لـ«نيوز كورب»، من وجهة نظرهم، لكنه أضاف: «أصبحت هناك مجموعة أكبر من الناس ليس لديهم ثقة في وسائل الإعلام القوية، ويدركون أن دمج ملكية وسائل الإعلام لا يصب في صالح الديمقراطية، وسوف تتزايد هذه الشكوك نتيجة للآثام التي ارتكبتها مؤسسة (نيوز كورب)».

* خدمة «نيويورك تايمز»