بهية مارديني لـ«الشرق الأوسط»: إيران تدير الدفة الآن في سوريا واستخدام الفتنة الطائفية يعني نفاد أوراق الأسد

رئيسة اللجنة العربية للدفاع عن حرية الرأي والتعبير: الحديث عن التسوية السلمية للثورة لا معنى له الآن

بهية مارديني
TT

قالت بهية مارديني، رئيسة اللجنة العربية للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، إن النظام السوري فقد السيطرة على زمام الأمور، مدللة على ذلك بتشديد خياره العسكري الذي بات لاهثا وراء المحافظات السورية الواحدة تلو الأخرى.

وتؤمن مارديني، التي تقيم بالقاهرة حاليا، بأن شهر رمضان سيشهد تصاعد التظاهرات في سوريا، وأنه سيكون بداية الحل في سقوط النظام، خاصة بعد خروج الأعداد الكبيرة وتزايد القمع والقتل مما يزيد من رد الفعل لمدى السوريين. وأكدت في حوارها مع «الشرق الأوسط» في القاهرة أن النظام السوري نفسه هو من أضاع فرصة الحوار حين بدأ بالدم، واستمر في سياسة الاعتقال والتعذيب وترهيب المواطنين، ولم يستفد من التاريخ القريب، ومن واقع الثورات العربية الراهنة. واتهمت مارديني إيران بمساندة النظام السوري عبر السلاح وعبر وسائل إعلامها، التي قالت إنها تحاول بث الفرقة في صفوف المعارضة عبر نشر أخبار وإشاعات عن خلافات ومشاكل بين المعارضين، وعبر الحديث عن فتنة طائفية مزعومة في سورية.. وهنا نص الحوار:

* برأيك لماذا فشل النظام السوري في معالجة الأزمة الحالية بغير الحل الأمني؟

- النظام نفسه في أزمة كبيرة، فهو لا يستطيع أن يدرك ومن ثم يحلل ما يحدث حوله، ففي البداية اعتبر أن سوريا ليست كتونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن وبقي متعاميا عما يحدث حوله إلى أن اتسعت التظاهرات دون أن يستطيع ضبط إيقاع الشارع الذي تعلو مطالباته ويرتفع صوته لعنان السماء، والآن لا يملك النظام إلا الحل الأمني للبقاء لأنه يعرف أن أي إصلاح سيقوضه بشكل كبير، فالنظام عاجز عن الإصلاح، وهذا جوهر المشكلة.

* هل أصبح سقوط النظام هو الحل الوحيد المتاح الآن؟

- لا أتخيل أي نهاية للثورة دون سقوط النظام، أراه هو الحل الوحيد والنهاية التي ستريح دماء الشهداء، وأقولها لك وللعالم أجمع: الشعب قال كلمته، ومن يخرج تحت أزيز القنص الغادر، ولا يهتم بالقتل والقمع لا بد أن ينتصر لا محالة

* هل تخشين على الثورة؟

- كان يمكن أن نخشى على الثورة في وقت سابق، أما اليوم وبعد أربعة شهور من الثورة فلا يمكن أن تنتهي دون إسقاط النظام لأنه مطلب شعبي ملح.

* هل يمكن أن يتم الوصول لتسوية سلمية للاحتجاجات؟

- وجود ونشاط الأمن السوري والشبيحة وفرق الموت والقناصة وقوات الجيش التي تنكل بالناس يفسد أي أحلام في التسوية السلمية للاحتجاجات، وأعتقد أنه يوما بعد يوم تصبح كلمتا «التسوية السلمية» للاحتجاجات لا معنى لها لأننا أمام نظام ديكتاتوري متصلب لا يريد أن يستمع.

* البعض يقول إن شهر رمضان الكريم سيكتب نهاية للاحتجاجات في سوريا؟

- أتوقع أن يكون شهر رمضان المبارك شهر التظاهرات في سوريا وأن تدخل حلب بشكل أقوى إلى بركان التظاهرات ولن يكون رمضان هو نهاية التظاهرات بل سيكون بداية الحل في سقوط النظام بعد خروج الأعداد الكبيرة وخاصة أن القمع والقتل يتزايد.

* النظام السوري يفتح يديه للحوار ورغم ذلك فإن المعارضة تصر على مقاطعة الحوار معه، برأيك هل انعدمت جدوى الحوار مع النظام السوري؟

- النظام السوري لم يفتح لا ذراعيه ولا قلبه أو عقله للحوار، انقطعت جدوى الحوار مع النظام مع أول طلقة وجهت من أنظمته الأمنية ضد المتظاهرين العزل، والنظام بنفسه هو من أضاع فرصة الحوار حين بدأ بالدم، فمحافظ درعا قام باعتقال الأطفال الذين كتبوا على الجدران وعذبهم بشكل وحشي بدلا من تجاوز المسألة، وواصل النظام تجاهله للشعب السوري ولم يستفد من التاريخ القريب ومن تاريخ الثورات الحديث وصم آذانه عن سماع أصوات المتظاهرين وتصرف بعنجهية مبالغة وغريبة.

* لكن البعض يقول إن المعارضة خسرت بتفويتها فرصة المشاركة والحوار، ما رأيك؟

- لم تخسر المعارضة على الإطلاق لأن النظام لم يكن جديا في الحوار، والدليل على ذلك عدم تنفيذ أي شيء من قراراته، فقد تم منع سفر القيادي الكردي عبد الحميد درويش بعد مؤتمر الحوار مع أن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع والمسؤول الأول عن الحوار قال إن قوائم الممنوعين من السفر زالت.

* شاركت في مؤتمر الإنقاذ في اسطنبول، كيف يمكنك أن تفسري التخبط الذي حدث بين المشاركين هناك؟

- يؤلمني ما رأيته في مؤتمر الإنقاذ الوطني الذي انعقد مؤخرا في اسطنبول من انقسام في حال بعض أطياف المعارضة وعدم استطاعتهم انتخاب قائمة لينتهي الأمر في وقت متأخر وبعد مشاكل وصد ورد في الوصول لقائمة توافقية، كما أن انسحاب عدد من الأطياف ومنهم الأكراد يعني أن المعارضة لم تستطع أن تتجاوز مشاكلها في التنسيق والحوار.

* برأيك، لماذا تبدو المعارضة السورية مفتتة ومقسمة بهذا الشكل؟

- لنعترف، نعم المعارضة السورية لم تفرز شكلا تتفق أطياف المعارضة عليه، ولكن للحالة السورية خصوصيتها، والنظام في سوريا عمد عبر الزمن إلى شق صفوف المعارضة بشراسة، ولكن في تلك اللحظة التاريخية لا بد من تجاوز هذه المشكلة بسرعة وإلا فالقطار سيمضي إلى محطات جديدة.

* وما هي أبرز مشاكل المعارضة؟

- المعارضة السورية تنتج نفس أمراض النظام بحذافيرها، مثل الفردية والأنا والاستبداد، هناك رموز دفعت من الزمن والدم الكثير وتريد اليوم أن تحصد ثمن تضحياتها، ولكن للأسف هذا ليس وقت حصاد وجني للتضحيات، هذا وقت تضحيات من أجل الوطن. المشكلة الأكبر أن المعارضة لم تتجاوز الماضي ولم تنقلب على نفسها لتعيد إنتاج معارضة موحدة وقوية ذات كلمة واحدة قادرة على تقديم نفسها كبديل قوي ومقبول للنظام السوري.

* ما الحل برأيك؟

- الحل هو توحيد الصفوف ورصها عبر مؤتمر جامع لأكبر عدد من الأطراف والأطياف لأننا نحتاج إلى معارضة قوية متراصة تشكل جبهة واحدة وقوية تتحدث باسم عموم السوريين.

* هناك روايات عن قصص لاغتصاب نساء من قبل الجيش السوري، هل يمكنك تأكيد ذلك؟

- استمعت إلى شهادات منظمات حقوقية ذات ثقة مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومقرها القاهرة في شأن حوادث اغتصاب لنساء، وحقيقة كنت أظن أنها تلفيقات إلى أن قرأت التقرير الذي يضم شهادات حية لمغتصبات، كما اعترف النظام بحوادث الاغتصاب في إعلامه، معتبرا أن العصابات المسلحة هي المسؤولة عنها.

* برأيك كيف سيتعامل النظام مع اللاجئين السوريين في تركيا عقب عودتهم؟

- وردتني أنباء عن اعتقالات في صفوف الأهالي العائدين من معسكرات النازحين في تركيا، كما تقوم السلطات بأخذ عائلات بعض النازحين كرهائن للضغط عليهم للعودة لديارهم في سوريا.

* هناك مزاعم عن وجود اقتتال طائفي في حمص، إلى أي مدى يمكن للاقتتال الطائفي أن يقضي على الاحتجاجات في سوريا؟

- لا يعقل أن تحدث فتنة طائفية بصورة طبيعية بينما الشعب السوري كله متوحد في الشارع، لا توجد فتنة طائفية أساسا في سورية، كل الطوائف تعيش في مودة ووئام عبر الزمن، وما يحدث في حمص هو من افتعال شبيحة النظام الذين يحاولون قدر استطاعتهم هدم الجسم السوري المتوحد.

* ماذا يعني لكِ استخدام النظام السوري لورقة الفتنة الطائفية؟

- نظام بشار الأسد يستخدم الفتنة كآخر أوراقه، وهي ورقة ضعيفة ونتنة ومكشوفة وتدل على أنه استنفد كل أوراقه الأخرى، وصدقني لن تنجح تلك اللعبة القذرة في الإيقاع بالسوريين والنظام يعيد إنتاج أوراقه التي استخدمها سابقا في بانياس لتخويف الناس.

* لكن البعض يقول إن هناك أبعادا طائفية في الثورة السورية؟

- عفوا هذا كلام أبواق النظام الذين يسهرون الليل لتشويه صورة الثوار، فجوهر الثورة السورية اقتصادي سياسي، هناك غياب للحياة السياسية في سوريا وهناك سوء توزيع للثروة التي تقع مكبلة في أيدي فئة قليلة من المقربين من النظام وعائلة النظام، بينما عموم السوريين يرزحون في فقر ومهانة، إذن جوهر الثورة ليس طائفيا.

* هناك شائعات تطلق في سوريا عن مشاركة إيران وحزب الله في قمع الاحتجاجات، فما هو دليلكم على ذلك؟

- دعني أقلها لك بصراحة ووضوح، إيران هي من تدير الدفة الآن في سوريا، ولا أستغرب ذلك لأن بقاء النظام السوري أمر استراتيجي بالنسبة لإيران، فالعلاقات استراتيجية بين النظامين، وكما نجحت إيران في قمع انتفاضة شعبها في يونيو (حزيران) 2009 فمن المتوقع أن تقوم بمساعدة سوريا لقمع ثورة الشعب السوري، كما أن وسائل الإعلام الإيرانية تحاول تارة بث الفرقة في صفوف المعارضة عبر نشر إشاعات عن خلافات بين المعارضين، وتارة تتحدث عن فتنة طائفية في سوريا وهو أمر لا وجود له، إيران ترسل طائراتها وسفنها إلى سوريا والأخبار زاخرة بإلقاء القبض على سفينة إيرانية تحمل أسلحة لسوريا إضافة إلى الدعم الإعلامي.

* وماذا عن حزب الله؟

- الحقيقة أن حزب الله في 2006 غير حزب الله الآن في عيون السوريين، فحزب الله انحاز للنظام السوري دون أن يأبه للشعب السوري الذي سانده يوما بكل ما يملك، والذي تسيل اليوم دماؤه أنهارا، وما يفعله حزب الله انتحار سياسي لأن الشعب السوري أبقى والنظام زائل، ولدينا دلائل أن حزب الله وضع كل قدراته في دعم النظام السوري، فأنا رأيت بأم عيني منذ يومين ملابس أشخاص من حزب الله قبض عليهم.

* البعض يقول إن خروج تظاهرات حاشدة في دمشق سيكتب كلمة النهاية لنظام بشار، ما تعليقك؟

- طبعا للعاصمة ثقل كبير ففيها كل الوزارات وإدارات الفروع الأمنية، والحقيقة أنه ما زال هناك خوف من البطش في العاصمة السياسية والإدارية دمشق والعاصمة الاقتصادية حلب كما أن بعض التجار والعشائر الموالين للنظام يحاولون الإمساك بتلابيب الشارع لمنعه من الخروج، إلا أنه برأيي أنه لا حل أمام الناس في المدينتين إلا الخروج إلى الشارع، وإن دخلت دمشق في التظاهرات والإضراب بشكل شامل فهذا يعني نهاية النظام.

* وزيرة الخارجية الأميركية قالت إنه من الصعب التأثير على سوريا من الخارج، إلى أي مدى توافقينها الرأي؟

- لا أوافقها الرأي على الإطلاق، إذ يمكن التأثير على سوريا من الخارج بمعنى الضغط الدولي الأميركي تحديدا وكلنا كنا نرى عند التهديد الأميركي لسوريا وتصعيد التصريحات كان النظام يخفف من وتيرة قتله لشعبه.

* هل فقد الرئيس بشار الأسد شرعيته؟

- من يقتل شعبه يفقد شرعيته بشكل تلقائي، الشرعية تأتي من الشارع، والشارع تغير في الأشهر الأربعة الأخيرة ونضج وكشف النظام فأصبح الشعب يعلو بمطالبه ويرتفع السقف يوما بعد يوم ليصبح فقط إسقاط النظام.