نتنياهو يسقط اقتراح تشكيل لجنة للتحقيق في تمويل الجمعيات الحقوقية خشية رد الفعل الدولي

النائب العربي بركة: التحقيق يجب أن يتم مع المجرم وليس مع من يدين الجريمة

TT

مع إسقاط اقتراح اليمين المتطرف لتشكيل لجنة تحقيق في مصادر تمويل عدد من جمعيات حقوق الإنسان الإسرائيلية، أطلق صاحب هذا المشروع، وزير الخارجية أفيغدور ليرمان، تهديدات مبطنة لحليفه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بأن يسقط الحكومة ويسعى لتقديم موعد الانتخابات العامة. ورأى العديد من المراقبين أن هذا التهديد بالغ الجدية وأن ليبرمان خطط لهذه النتيجة بشكل مقصود حتى يهيئ الرأي العام الإسرائيلي لانتخابات جديدة.

وكان الكنيست قد أسقط اقتراحين لتشكيل لجنة تحقيق مع جمعيات حقوق الإنسان، حول عملها ومصادر تمويلها، وذلك بمعارضة أغلبية 57 صوتا، مقابل 28 صوتا، أحدهما من النائبة فاينه كيرشينباوم من حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يقوده ليبرمان، والثاني من النائب داني دانون من حزب الليكود. ومع أن نتنياهو يتعاطف مع القانون، لكنه خشي من الانتقادات الدولية خاصة أن دول أوروبا هي التي تمول نشاط تلك الجمعيات بما يعادل 35 مليون يورو في السنة، فقرر التصويت ضد القرار. وعندما سأله رئيس الجلسة عن رأيه في الموضوع، أجاب بصوت خافت خجول «ضد» فسمعها النواب كما لو أنها قيلت «دد». ولكي يخفف من غضب اليمين المتطرف في حزبه ومعسكره، قرر في اللحظة الأخيرة منح حرية التصويت لأعضاء الائتلاف.

وصوت إلى جانب الاقتراح أعضاء حزب «إسرائيل بيتنا» و«الاتحاد القومي» وعدد من نواب كتلة الليكود. في المقابل، عارضه نواب الكتل العربية وحزب «ميريتس» اليساري و«العمل» و«الاستقلال» ووزراء الليكود، من بينهم نتنياهو وبنيامين بيغن ودان مريدور وموشي كحلون وميخائيل إيتان. كما عارضه رئيس الكنيست من الليكود رؤوبين ريفلين.

واستغرق النقاش حول الاقتراح 7 ساعات متواصلة، تحدث فيها 35 نائبا. وخلال مناقشة الموضوع، قال النائب جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي البرلمانية، إن ملاحقة جمعيات حقوق الإنسان والجمعيات العربية تجري دون لجان تحقيق، فقد سنت قوانين تخص هذه الجمعيات مثل «قانون المقاطعة» و«قانون تمويل الجمعيات»، ومن خلال طرح موضوع جمعيات حقوق الإنسان بشكل تحريضي في عدد من لجان الكنيست. وفشل اقتراح تشكيل لجان تحقيق لا يلغي الملاحقة، مشيرا إلى أن هذا الاقتراح سيعاد طرحه بالتأكيد مرة أخرى بعد إجراء تغييرات طفيفة عليه، وهناك أيضا قوانين كثيرة للتضييق على عمل المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان.

واعتبر زحالقة تصويت نتنياهو ضد الاقتراح بالتكتيك لتجنب الانتقادات الدولية، مشيرا إلى أنه والائتلاف اليميني الذي يدعمه في حالة استنفار دائم لتمرير القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا نهج مستمر بكثافة غير مسبوقة منذ تشكيل هذه الحكومة.

وقال النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، إنه «من المفارقة أن يطرح مشروع القرار في الأسبوع نفسه الذي يحتفل فيه المناضل التاريخي نيلسون مانديلا بيوم ميلاده الثالث والتسعين؛ مانديلا المناضل الأبرز ضد العنصرية والقهر والاستبداد في تاريخنا المعاصر، حتى تحول إلى رمز لهذا النضال. ففي الوقت الذي يحاصر فيه العالم مظاهر العنصرية والاستبداد، ويرفع من شأن حقوق الإنسان، تصر الأغلبية البرلمانية على إحياء كل مصطلحات وأدوات الاستبداد التي عرفتها كل الأنظمة العنصرية البائدة، وحتى دول قائمة، ونفضها التاريخ بيديه، وهي تطرح من جديد بتغليفات أخرى، ولكنها أخطر من حيث المضمون والجوهر».

وتوجه بركة للمبادرين، وقال إنه «ليس لكم أي حق أخلاقي ولا قانوني للتحقيق مع هذه المنظمات والجمعيات التي تقوم بمهمة إنسانية من الدرجة الأولى، وإذا وجدت حاجة للتحقيق فهناك قانون وجهات تحقيق ومحاسبة، وليس أنتم. ونحن على يقين أن المشكلة لا تكمن في شخص هذا النائب أو ذاك، أو في شخص أفيغدور ليبرمان، بل في رئيس الحكومة نتنياهو ذاته الذي بارك ودعم كل القوانين العنصرية، ومن السخرية أن يبدي معارضته للقرار المطروح هنا، من باب أنه (خط أحمر)، فهو أيد هذا القرار قبل بضعة أشهر، وهو ذاته تخطى كل الخطوط الحمراء منذ زمن بعيد».

وقال بركة، إن «ما يجري هنا في هذه الدورة البرلمانية، حالة انفلات، فكل واحد يعتقد أنه كوجاك أو كولومبو (محققان في مسلسلين تلفزيونيين يحملان اسميهما)، يحق له القيام بما يحلم به، هناك من يقول إن الأغلبية وجدت هنا لتحكم، ولكن الأغلبية هنا جعلت من نفسها صف إعدام لخصومها من كل المستويات، والدولة التي تتغنون بها وتزعمون أنها (يهودية ديمقراطية)، هي على أرض الواقع (يهودية عنصرية)، وأنتم تجذرون هذا الاستنتاج أكثر فأكثر». واختتم بركة كلمته قائلا: «إذا كان هناك من يجب التحقيق معه فليس من يتابع ويلاحق الجريمة ويحقق فيها، بل من يرتكبها، أولئك الذين يمارسون سياسة القهر والتنكيل والحصار، وعصابات المستوطنين التي تدحرج الدواليب المشتعلة على الحقول الفلسطينية، ومن ينفلت يوميا في الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، وسط تواطؤ قوات الاحتلال وسلطاته».

وعقد ليبرمان، مؤتمرا صحافيا حذر فيه من «دفعه إلى الزاوية» وقال: «قدمنا الاقتراح بالتنسيق والموافقة الكاملة من الائتلاف ومررناه في الإجراءات البحثية في الكنيست ولجانها بالتنسيق مع الحكومة. لكنهم تراجعوا. ونعتقد أن سبب التراجع يعود لضغوطات إعلامية ودولية. وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لنا. فنحن نريد حكومة يمين قوية لا ترضخ للضغوط الخارجية أو الداخلية. نريد قيادة قوية لا تضعف أمام كل هبة ريح».

واعتبر المحرر السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم بارنياع، هذا التصريح ليس فقط هجوما كاسحا على نتنياهو، بل شرارة أطلق بها افتتاح المعركة الانتخابية. وكتب يقول إن ليبرمان يعرف أن كل خسارة لنتنياهو في اليمين ستكون لصالحه. لذلك هاجم نتنياهو بهذه الطريقة حتى يكسب أصواتا من مؤيدي الليكود.

لكن ليبرمان أشار إلى أنه لن يترك الائتلاف الحاكم في هذه المرحلة، وقال إن هناك تصرفات عديدة تتيح له أن يترك الائتلاف فورا ولكنه لن يفعل. وسينتظر اللحظة المناسبة لذلك، طالبا: «لا تدفعوا بي إلى الزاوية».