ارتباط السياسيين بعالم الجريمة يعيق تقدم بلغاريا

أليكسي بيتروف يواجه اتهامات بالابتزاز والتهديد بقتل شريكه في العمل
TT

أُرغم أليكسي بيتروف، الملقب بـ«القاطرة» على الانبطاح الأرض والأسلحة مصوبة إلى عنقه، بعدما داهمت مجموعة من الكوماندوز المقنعين التابعين لجهاز الشرطة والمدججين بالسلاح منزله في بداية العام الماضي، في عملية ينظر إليها على أنها أبرز جهود بلغاريا للقضاء على عرابي عمليات ابتزاز الأموال والخطف والبغاء الذين قوضوا دعائم الثقة في مؤسسات الدولة والحياة اليومية.

أفرج عن أليكسي من السجن في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، ثم من الإقامة الجبرية في فبراير (شباط) من العام الحالي، ولا يزال يواجه اتهامات بابتزاز الأموال والتهديد بقتل شريكه في العمل. لكن هذا لم يؤد إلى القضاء على تبجحه.

وقد حاولت إدارة رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف، وشريك بيتروف السابق في العمل، الانتقاء من بين أباطرة الجريمة المشتبه بهم في حمله أطلق عليها «عملية الأخطبوط». وفي حوار معه أنكر بيتروف التهم الموجهة ضده أثناء قيامه بلف عصا ذات رأس على شكل أخطبوط بلاستيكي. وذكر أيضا أنه كان يتطلع إلى أن يرشح نفسه في انتخابات الرئاسة.

وإذا ما تمت إدانته سيكون بيتروف، بطل الكاراتيه السابق وعميل الاستخبارات، أول أقطاب عالم الجريمة المنظمة في بلغاريا يزج به في السجن. وقد واجهت هذه الدولة الشيوعية سابقا شكوكا قوية حول مدى استعدادها للانضمام للاتحاد الأوروبي عندما تم قبول عضويتها عام 2007. غير أن الاتحاد الذي أصيب بخيبة أمل شديدة نتيجة استفحال الفساد ألغى مساعدات بمئات الملايين من اليوروات كانت مخصصة لمساعدة حكومتها السابقة.

والآن ينظر إلى معركة بلغاريا مع الجريمة المنظمة على أنها اختبار لبيان مدى قدرتها على الوصول إلى المعايير الغربية للقانون والنظام وما إذا كان من الممكن التوصل إلى هذه المعايير ليس في بلغاريا فقط وإنما في الدول المحيطة بها مثل رومانيا ودول أخرى مثل صربيا التي قدمت طلبا للانضمام للاتحاد الأوروبي.

وصرح مارك غراي، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي: «إننا نراقب جميع الحالات عن كثب. لكن المشكلة الأساسية بالنسبة للجريمة المنظمة هي قلة الأحكام في القضايا الكبيرة الهامة». وقد ذكرت المفوضية الأوروبية في تقرير نشر الأربعاء الماضي أن عدد أحكام البراءة في قضايا الفساد الكبيرة والنصب والجريمة المنظمة «يكشف عن القصور الشديد في النظام القضائي في بلغاريا». ورغم امتداح التقرير لجهود الشرطة في تتبع العصابات الإجرامية، فإنه أكد على الحاجة إلى تحقيق إنجازات ملموسة، لأن المعركة ضد الفساد المستفحل لم تحقق نتائج مرضية بعد.

وذكر بوريسوف، الذي يلقب نفسه «باتمان» صوفيا، أنه منذ توليه منصبه عام 2009، استطاع القضاء على عمليات القتل والاختطاف حيث ألقت حكومته القبض على مجموعة متنوعة من العصابات ذات ألقاب عديدة مثل «القتلة»، المتهمة بارتكاب عمليات القتل المأجور ومجموعة «الوقحين» المتهمة بارتكاب 20 عملية اختطاف ومجموعة «التماسيح» المتهمة بارتكاب عمليات سطو على الطرق السريعة.

ويدعي رئيس الوزراء أنه بفضله «أصبح الفساد شبه مستحيل في الحكومة» ويذكر أنه واثق أنه سيتم تحديد موعد في القريب العاجل لبلغاريا للانضمام إلى منطقة شنغن الأوروبية التي يسمح للمسافرين فيها أن يتنقلوا بين الدول دون الحاجة إلى إظهار جواز السفر.

ورغم أن عملية ترقي بوريسوف نفسه من رجل مطافئ ومدرب جودو وحارس شخصي إلى قمة النفوذ السياسي تشير بشدة إلى أن تحول بلغاريا من الشيوعية أدى إلى تماهي الخطوط بين السياسات وأمن الدولة والعدوانية، فإن عدم وجود قيود على عملية صناعة المال لا يختلف كثيرا في بعض الأحيان عن الجريمة المنظمة.

ففي أعقاب انهيار الستار الحديدي قام عملاء الاستخبارات والمصارعون والنخبة من الرياضيين بإنشاء شركات حماية أمنية، لكن هذه الشركات عادة ما كانت تقوم بأعمال الحماية هذه بصورة غير قانونية.

ويقول بيتروف إنه التقى بوريسوف، بطل الكاراتيه الطموح عام 1982، ونشأت صداقة بين الرجلين في بدايات ما بعد الحقبة الشيوعية، عندما كونا شركة للترويج الرياضي. ويقول بيتروف: «لم ننجح، ولم نفعل شيئا، واتجه كل منا إلى حال سبيله».

وفي تلك الفترة ازدهرت عصابات المافيا - أو الموتري - في أنحاء بلغاريا، تحميهم في ذلك صرامة ذوي المعاطف الجلدية. تحول بوريسوف، الذي رفض الحديث عن علاقته ببيتروف، إلى العمل السياسي لينتخب بعد ذلك عمدة لمدينة صوفيا وزعيما لحزب يمين الوسط المعارض، قبل أن ينتخب رئيسا للوزراء. فيما انضم بيتروف في البداية إلى جهاز مكافحة الاستخبارات المضادة لسبع سنوات حتى عام 2007 ثم تولى بعد ذلك رئاسة جهاز الاستخبارات في الحكومة التي يقودها خصم بوريسوف السياسي. وذكر منتقدوه أنه كان يدير في الوقت ذاته إمبراطورية تجارية ترتبط بالجريمة المنظمة.

وعندما أعلن الحرب على عرابي الجريمة العام الماضي، أطلق بوريسوف اسم «عملية الأخطبوط»، على حملة فرض النظام التي تهدف إلى استئصال شأفة عصابات الجريمة المنظمة التي أنشبت أظفارها على نطاق واسع داخل المجتمع البلغاري. وذكر التقرير الذي صدر العام الماضي عن وزارة الداخلية أنه حدد 223 زعيما لمنظمات للجريمة - تم اعتقال 50 منهم - وهناك تقديرات بأن هؤلاء الأفراد يقودون ما يزيد على 1,200 شخص داخل عصاباتهم. ويقدر مركز الدراسات الديمقراطية للأبحاث حجم سوق المخدرات في بلغاريا بما يقرب من 124 مليون دولار سنويا، وأن حجم تجارة الجنس الداخلية تربو على 168 مليون دولار، فيما تبلغ أرباح تهريب السجائر ما يقارب 436 مليون دولار سنويا.

وسخر بيتروف، من الاتهامات الموجهة له بأنه يقود عصابة للجريمة تعمل في مجال حماية الأفراد والدعارة، وقال ملوحا بدمية أخطبوط ملونة بألوان ساطعة في طرف عصا: «لست بحاجة إلى ذلك بعد الآن، لم يعد هناك أخطبوط».

ويبدي بيتروف رغبة في الترشح للرئاسة لإعادة تنشيط الاقتصاد وتقديم خدمات أفضل. ولن يكون ذلك مقابل لا شيء فهو يحمل لقب «القاطرة»، اللقب الذي ناله بسبب تصميمه الدؤوب على تحقيق هدفه مهما كانت الصعاب التي تواجهه. وأضاف مشيرا إلى الاتهامات الموسعة ضده: «أنا طاهر اليد، وقد برئت ساحتي، وأرغب في أن أصبح رئيسا للبلاد»، ثم شن هجوما واسعا ضد رئيس الوزراء موجها إليه عدة اتهامات من بينها مزاعم بأن رئيس الوزراء ضلل العامة بشأن إنجازاته في بطولة العالم للكاراتيه واتهمه بأن كان وراء محاولة اغتياله عام 2002. وقد نفى بوريسوف هذه الاتهامات واصفا إياها «بالهجوم الشخصي الرخيص»، قائلا: «أنا أسمع مثل هذه الأشياء الغبية على مدى 12 عاما».

ويؤكد يونكو غروزيف، المحامي والباحث في مركز الاستراتيجيات الليبرالية، وهو معهد أبحاث في صوفيا أنشئ في عام 1994 في أعقاب سقوط الشيوعية، أنه في الوقت الذي تعثرت فيه الحملات الحكومية ضد أقطاب الجريمة المشتبه بهم، حاولت حكومة بوريسوف إشعار المواطنين بوجود بداية جديدة بملاحقة كل الأفراد الذين يظنون أنهم فوق طائلة القانون.

وأضاف غروزيف: «معروف عن أليكسي بيتروف أنه شخص لا يمكن العبث معه، وإذا كانت هناك دهشة بعد صعود هذه الحكومة إلى السلطة فهذا لأنهم قرروا العبث معه».

ويرى غروزيف أنه على الرغم من أن الرجلين كانا يديران شركات متشابهة في التسعينات، فإن بوريسوف كان أكثر تهاونا، ولكن بما أنه يوجد الآن على رأس الحكومة فهو صادق في رغبته في القضاء على الجريمة حتى وإن فشل في إصلاح مؤسسات تنفيذ القانون.

ويقول إن «المشكلة الرئيسة تتمثل في أن الشركات والجريمة والسياسة متحدة مع بعضها البعض في بلغاريا، لكنها نسخة ألطف من روسيا. فكل مسؤول حكومي شريك في عمل تجاري ويستخدمون سلطاتهم كأصل شخصي. ومن هنا تنتشر المحسوبية». وأضاف: «فرص السياسي في الانضمام إلى حكومة في بلغاريا دون معرفة كيفية التعامل مع هؤلاء الأفراد وأصحاب الأعمال، معدومة».

* خدمة «نيويورك تايمز»