أمازيغ ليبيا تحرروا ويستعيدون هويتهم بعد 42 عاما

ليبيون سعداء في جبل نفوسة يتحدثون بلغتهم ولا يتعرضون للسجن

TT

لو كانت يفرن وجادو وقرى جبل نفوسة الأخرى بقيت تحت حكم نظام معمر القذافي مدة أطول، لظل أمازيغ هذا الجبل الذي بات يسيطر عليه الثوار غير قادرين حتى على تبادل كلمات التحية بلغتهم في الصباح، علانية، وربما خلسة أيضا. لكن سارة عبود، قالت ذلك بصوت عالٍ وابتسامة واثقة: «أزول»، أو «السلام عليكم»، أمام عدد من أطفال يفرن اجتمعوا لتعلم اللغة التي قالت سارة إنها ستعلمها لهم، فهي «لغة أجدادهم».

أمازيغ قرى جبل نفوسة يشهدون اليوم نهضة ومنعطفا تاريخيا في حياتهم، فقبل 17 فبراير (شباط) الماضي، كان تبادل التحية بالأمازيغية في هذه المنطقة ينتهي بمن تبادلها في السجن، حيث ظلت اللغة محظورة على أبنائها، ليست وحدها، بل وكل أشكال التعبير الفني والفلكلوري المرتبط بالأمازيغ الليبيين، الذين تنفسوا اليوم فرحا ظل مكبوتا أكثر من أربعة عقود.

«انتشرت الرسوم الهندسية الملونة، ورمز الأمازيغ المتمثل في نصف دائرتين، واحدة مفتوحة إلى الأعلى، والثانية إلى الأسفل، يربطهما خط أفقي يجسد تواصل الروح بالسماء والأرض»، على حد تعبير وكالة الصحافة الفرنسية.

تقول تغريد عبود (22 سنة) بحماس: «كانوا يعتبروننا مواطنين من الدرجة الثانية، في حين أننا سكان هذا البلد الأصليون، والآن أصبح لدينا الحق أن نمشي مرفوعي الرأس».

كان التحدث في زمن الزعيم الليبي علنا بالأمازيغية ممنوعا، وكذلك الكتابة والقراءة والطباعة. وكان الخوف يشارك سكان هذه المنطقة حياتهم.

كان الأمازيغ في ليبيا منذ القرن السابع الميلادي، أي قبل الفتح الإسلامي للبلاد، وعرفت عنهم مقاومتهم الشرسة للاحتلال الإيطالي بداية القرن العشرين. وعلى مر السنين فقد الأمازيغ أبجدية لغتهم التي كانوا يتكلمون بها خلسة خوفا من السجن، لأنهم لم يقوموا بطباعتها.

تقول سارة عبود (27 سنة)، التي بادرت إلى تقديم أول درس باللغة الأمازيغية لأطفال في يفرن، في جو بدأت تزدهر فيه الثقافة وتنتشر فيه الجمعيات والمتاحف وتسمع الأغاني وتدرس اللغة ويتم إحياؤها على أيدي أبنائها، إن «الكثير من الناس لا يعرفون تاريخهم». لذلك فهم غير مستعدين لإضاعة دقيقة واحدة لاستعادة هويتهم. ومن جادو إلى يفرن يتردد الأطفال على المدارس مرات عدة في الأسبوع. وأوضحت سارة: «الأهم اليوم هو أن يتعلموا اللغة» من أجل استمراريتها.

ويواظب صالح كافو (14 سنة) على الدروس منذ اليوم الأول، ويقول: «أنا أعتبر هذا بناء المستقبل، سنتعلم لغتنا وسيتعلمها أبناؤنا بدورهم».

يشارك الجميع في ذلك. ويعود الكهول إلى كراريس الدراسة. وفي مبنى قديم كانت تستعمله أجهزة الاستخبارات، وتحول إلى متحف، يكثف رسام من يفرن الرسوم بالأمازيغية على لوحات كبيرة، رسم عليها معمر القذافي في شكل جرذ أو مصاص دماء. ويقول هذا الفنان (47 سنة)، طالبا عدم الكشف عن اسمه: «لا أريد أن أتوقف عن الكتابة، أشعر وكأنني أولد من جديد».

من جانبه يعكف أمازيغ بزوخار، الذي قضى ثلاثة أشهر في السجن لنضاله من أجل الأمازيغية قبل أن يحرره الثوار، على تدوين الأساطير التي يتناقلها الأمازيغ شفويا، ويسجل حكايات أمراء وأميرات يتحلون بالحكمة من أشخاص مسنين يحرسون التقاليد. قال الشاب (29 سنة): «من المهم جمع الحكايات والأساطير الأمازيغية. كانت ثقافتنا شفوية طيلة 1400 سنة. نحن في حاجة إلى صيانتها للأجيال المقبلة».

وفي يفرن كل الوثائق مكتوبة بالعربية أو الأمازيغية، بينما يتطلع الجميع إلى الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية في ليبيا محررة من القذافي.

وفي هذه الانتفاضة تحرر العرب والأمازيغ معا جنبا إلى جنب في الجبال، بعيدا عن الانشقاق الذي عمد الزعيم الليبي على فرضه طيلة 42 عاما.

وقال سليم أحمد، المذيع في إذاعة جادو التي تبث برامج باللغتين، إن «الدم العربي والأمازيغي امتزجا في ميدان المعارك ضد الطاغية. إننا نخوض معركة واحدة، نحن أشقاء، إنه نضال سيربطنا طيلة الخمسين سنة المقبلة».

لكن الماضي لا يمكن محوه أو تغييره في فترة زمنية قصيرة، فثمة إرث ضخم من الدعاية السيئة، والتثقيف الخاطئ، والتشويه المتعمد، مورس جميعه على امتداد أربعة قرون من حكم القذافي. ورواسب تلك الفترة تنعكس اليوم في التنافس القائم بين القرى العربية والأمازيغية في المنطقة. والبعض يتحدث عن نوع من العنصرية أيضا. وسكان مدينة زنتان العربية على سبيل المثال تأخذ على الأمازيغ قلة أعدادهم في الخطوط الأمامية.

وقال المهندس إبراهيم الزنتاني (30 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنهم ناس خير»، لكنه أضاف: «لكنهم لا يحبذون الظهور في المقدمة، إنهم ليسوا من أفضل المقاتلين، إنهم لا يضحون بما يكفي من الدماء من أجل الثورة».