إسرائيل تنفذ مخططا للاستيلاء على أراض «استراتيجية» في الضفة الغربية

لضمان توسيع المستوطنات المزمع ضمها ومنع قيام دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا

فلسطيني يتجادل مع جنود إسرائيليين أثناء احتجاجات ضد جدار الفصل في منطقة الخليل جنوب الضفة أمس (إ.ب.أ)
TT

كشفت وثيقة داخلية أعدتها الإدارة المدنية الإسرائيلية بتكليف من الجيش، عن خطة جديدة للسيطرة على مساحات «استراتيجية» واسعة من أراضي الضفة الغربية، بما يسمح بتوسيع المستوطنات الكبيرة التي تقول إسرائيل إنها ستحتفظ بها في إطار أي اتفاق مستقبلي، وبما يبدد كذلك آمال الفلسطينيين في إقامة دولة متواصلة جغرافيا.

وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، إن الكولونيل نسبي كوهين، المسؤول عن البنية التحتية في الإدارة المدنية، أعد فعلا هذه الوثيقة في يناير (كانون الثاني) الماضي، على أساس أن «الأراضي التي لن تعرف ملكيتها، هي من حق الدولة، ويمكن للحكومة الإسرائيلية السيطرة عليها».

واللافت في الأمر، أن الأراضي المستهدفة حسب الوثيقة، تحيط بالتجمعات الاستيطانية الكبيرة، وهي نفس التجمعات مثل غوش عتصيون جنوب بيت لحم، وأريئيل القريبة من نابلس، ومعالية أدوميم شرق القدس المحتلة، ومنطقة القدس الكبرى، وفي مناطق استراتيجية في الأغوار وشمال البحر الميت.

وعقبت «هآرتس» على الأمر، بقولها، «إنه لم يكن معروفا من قبل أن الإدارة المدنية، وهي وكالة عسكرية، مكلفة بالتمييز بين الكتل الاستيطانية التي تطالب إسرائيل بضمها إليها كجزء من اتفاق نهائي، وبقية المستوطنات».

وتكمن خطورة الأمر بالنسبة للفلسطينيين، ليس فقط في سيطرة إسرائيل على أراض إضافية وتوسيع المستوطنات، بل في كون هذه المناطق استراتيجية، تمنع إقامة دولة متواصلة جغرافيا، وتصعيب إمكانية تبادل الأراضي في أي تسوية سلمية، باعتبار أنه لا يوجد في الجانب الغربي من الخط الأخضر مساحة كافية لتعويض الفلسطينيين عن التوسع، في حال ضم أراض بهذا الحجم.

وجاء في المستند الأول في الوثيقة، التي تحدد أولويات الإدارة المدنية في تنفيذ الاستيلاء على أراضي الضفة، أن البناء سيتم على الأراضي المملوكة للدولة. وقال كوهين، «هذا مرتبط بحقيقة أن بناء المستوطنات على أراض ذات ملكية خاصة، كما هو الحال في معظم البؤر الاستيطانية، يشكل خرقا للقانون الدولي بالإضافة إلى أنه قرار حكومي».

وفصلت الوثيقة قواعد العمل التي سيتبعها طاقم الإدارة المدنية المتخصص في إشهار أراضي الدولة في الضفة والمعروف باسم «طاقم الخط الأزرق».

وشرح كوهين في الوثيقة إجراءات عمل هذا الفريق، الذي يعمل في هذا المجال منذ عام 1999، محددا مهمته في تدقيق ترسيم الدولة لملكية الأراضي التي أعلنت في الثمانينات والتسعينات على أنها أراضي دولة، أو ما زالت محل خلاف.

وحسب الوثيقة فإن الطاقم سيعطي الأولوية لتصنيف الأراضي المختلف عليها قضائيا وتشهد جدالا قانونيا في المحاكم بين المستوطنين والفلسطينيين من جهة، وبين الفلسطينيين والدولة من جهة أخرى. كما تشمل أولويات الفريق، السير قدما في بناء مؤسسات عامة ومدارس ومتنزهات، و«مسائل أخرى تصنفها الهيئات المسؤولة على أنها عاجلة»، في الكتل الاستيطانية الكبيرة وفي منطقة الأغوار والبحر الميت.

وتقول الوثيقة إن هدف الفريق هو التأكد من أن إجراءات التخطيط وتخصيص الأراضي التي تملكها الحكومة، تتم وفق أحكام القانون الدولي، تماشيا مع قرار الحكومة الإسرائيلية لعام 1979 الذي جاء فيه أنه لا يجوز القيام بتوسيع الاستيطان في الضفة وإقامة مبان جديدة إلا على أراض تملكها الدولة.

ورغم أن عشرات المستوطنات والعشوائيات أقيمت فعلا بمعرفة السلطات على أراض ذات ملكية خاصة، مثل مستوطنات «أوفرا»، و«بيت إيل»، و«إلي» وعشوائيات «أمونا»، و«غيبعات آساف» و«ميغرون»، فإن الوثيقة أكدت أنه ليس مطلوبا من طاقم «الخط الأزرق» أن يدقق ويتحقق من ملكية الأراضي التي تحولت إلى «مستوطنات الأمر الواقع».

وقال الناشط اليساري درور إتكيس، الذي يراقب أعمال البناء في المستوطنات، إن الطاقم أشهر فعلا أراضي 26 بؤرة استيطانية في الأراضي المحتلة على أنها أراضي دولة. «وهذا يعني أن الدولة بدأت عملية لإضفاء الشرعية على هذه البؤر». وتكشف البيانات الرسمية، التي سلمتها الإدارة إلى إتكيس بمقتضى قانون حرية المعلومات، أن نحو نصف أعمال طاقم «الخط الأزرق» جرى تنفيذها في مناطق حددتها إسرائيل على أنها «مناطق استيطان»، وبلغ مجموع ما دققه هذا الفريق في 12 عاما 195 ألف دونم.

ووفق إتكيس، فقد أوصى الطاقم في معظم الحالات بتصنيف الأراضي التي جرى تدقيقها على أنها أراضي دولة، غير أن الطاقم تراجع بعد ثبوت أن هذه الأراضي ذات ملكية خاصة.

وقال إتكيس «في 99.9 في المائة من الحالات كانت إجراءات إشهار أراضي الدولة وتخصيصها تتجه لما فيه مصلحة المستوطنين» وأضاف «تلك هي الطريقة الأساسية التي تنفذ بها إسرائيل سياستها العنصرية تجاه ملكية الأراضي التي تهدف لإخراج الفلسطينيين من معظم الضفة الغربية واستملاك تلك الأراضي».

أما المستند الثاني في الوثيقة فإنه مرتبط بآلية عمل فريق آخر للتدقيق في الأراضي التي لا تعرف ملكيتها أو غير واضحة.

وجاء في رسالة أحيلت لمجموعة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان» أن «القائم على رعاية ممتلكات الحكومة مخول بامتلاك هذه الأراضي التي لم تشهر على أساس أنها من أراضي الدولة بعد، أو لم تنته بعد خطوات الإعلان عنها كأراضي دولة، وهي غير مسجلة في سجل الأراضي العثماني أو قوانين الأمن السارية في المنطقة، وذلك باعتبارها ملكا للحكومة».