سياسيون وحقوقيون بمصر: قرار رفض الرقابة الدولية على انتخابات البرلمان «متسرع وغريب»

السلطات الحاكمة ضد إشراف مراقبين أجانب على الاقتراع

TT

أثار رفض السلطات الحاكمة في مصر خضوع انتخابات البرلمان بغرفتيه (الشعب والشورى) للرقابة الدولية جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والحقوقية، والتي طالبت النظام السابق بضرورة وجود رقابة خارجية عليها لمنع تزويرها، في وقت تعهد فيه رئيس اللجنة العليا للانتخابات، أمس، بحرصه على توفير كل ضمانات نزاهتها وشفافيتها.

وجاء إعلان المجلس العسكري الحاكم، الذي يتولى إدارة شؤون البلاد عقب إسقاط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك في 11 فبراير (شباط) الماضي، رفضه للرقابة الدولية في ظل ضغوط أميركية ودولية للسماح لمراقبين أجانب بمراقبة العملية الانتخابية، ودعوة السيناتور الأميركي جون ماكين لوجود مراقبين دوليين خلال لقائه مع المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة الشهر الماضي.

وفي الوقت الذي أكد فيه اللواء ممدوح شاهين، المتحدث باسم المجلس العسكري، على أن المراقبين للانتخابات البرلمانية المقبلة والتي ستجرى في النصف الثاني من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سيكونون مصريين فقط، لأن وجود مراقبين أجانب يتعارض مع السيادة المصرية، اعتبر سياسيون وحقوقيون أن رفض الرقابة الدولية على الانتخابات وسيلة لعدم الشفافية، ويحول دون تحقيق التحول الديمقراطي، مؤكدين على أن الرقابة الأجنبية سوف تختفي من الناحية الرسمية فقط؛ لكن من الناحية الفعلية ستكون موجودة، واصفين القرار بـ«الغريب والمتسرع»، مستبعدين أن يكون رفض الرقابة مقدمة لتزوير الانتخابات.

ووصف جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قرار المجلس العسكري بـ«المتسرع»، قائلا لـ«الشرق الأوسط» «القبول بالرقابة الدولية على الانتخابات يمنحها مصداقية، ويعلن التحول الديمقراطي الحقيقي بمصر، خاصة مع ثقتنا في أنه ليس هناك طرف يرغب في تزوير الانتخابات»، موضحا أن الرقابة الدولية تعني رقابة مجتمع مدني دولي، لافتا إلى أن من يخاف من الرقابة هو من لديه نوايا مثل النظام السابق في تزوير الانتخابات.

ولم يستبعد «عيد» تراجع المجلس العسكري عن قراره برفض الرقابة الدولية، بقوله «المجلس سوف يتراجع ويقبل بالرقابة، لأنه ليس لديه ما يخشاه من الرقابة»، مؤكدا على أن منظمات المجتمع المدني طالبت كثيرا النظام السابق بالرقابة على الانتخابات؛ لكن طلباتها قوبلت بالرفض «وما زال هذا مطلبنا حتى الآن»، واصفا تطبيق الرقابة الدولية بـ«العرس الديمقراطي» والدليل على نزاهة الانتخابات وشفافيتها بعد 30 سنة من الانتخابات المزورة.

وحول إصرار المجلس العسكري على موقفه، قال عيد «سنظل نناشده ونشير إلى أن هذا كان خطأ»، موضحا أن بعض أعضاء المجلس العسكري الذين أيدوا القرار جانبهم الصواب، مؤكدا على أنه «يمكن إصلاح خطأ المجلس العسكري في انتخابات الرئاسة المقبلة؛ لكن في الوقت نفسه أتمنى أن يتم إصلاح هذا الخطأ الآن».

وأكد صفوت جرجس، مدير المركز المصري لحقوق الإنسان عضو حزب الوفد، على أن المصريين يسافرون إلى أميركا ومعظم دول العالم لمراقبة الانتخابات، وهذا ليس فيه مشكلة، مضيفا «ما المانع أن تكون لدينا رقابة دولية محايدة؟». وكشف جرجس عن أنه في الوقت الذي يرفض فيه المجلس العسكري الرقابة الدولية، قصر دور منظمات المجتمع المصرية في الانتخابات على المتابعة فقط وليس الرقابة، مستبعدا أن يكون رفض الرقابة الدولية مقدمة لتزوير الانتخابات؛ لكنه قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن رفضها نوع من عدم الشفافية». وأضاف جرجس أنه «في حال إصرار المجلس العسكري على موقفه، فسوف نطالبه بمنح الفرصة كاملة لمنظمات المجتمع المدني المصرية للمراقبة حسب المعايير الدولية».

وأكد القيادي اليساري عبد الغفار شكر، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع، على أن من يريد إجراء انتخابات حرة ونزيهة يجب ألا يرفض وجود مراقبين من الخارج خاصة من المنظمات الدولية المعتمدة، لافتا إلى أن رفض الرقابة الدولية لا يزال في موضع نقاش، مضيفا أن هناك قوى كثيرة من التي ستشارك في الانتخابات تريد توفير ضمانة الرقابة الخارجية.

وحول تمسك المجلس بموقفه، قال شكر لـ«الشرق الأوسط»: «في انتخابات عامي 2005 و2010 كانت الرقابة الدولية موجودة من خلال وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الدولية والسفارات الأجنبية في مصر»، لافتا إلى أن الرقابة الأجنبية لن تختفي كلية، وقد ترفض من الناحية الرسمية فقط؛ لكن من الناحية الفعلية ستكون موجودة، مؤكدا على أن القرار لن يفرق كثيرا.

ومن جانبه، تحفظ أحمد بهاء شعبان، القيادي بالجمعية الوطنية للتغيير، وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري، على رفض الرقابة الدولية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرفض يشير بشكل واضح إلى أن الانتخابات القادمة ستكون عليها شوائب كثيرة، ولن تختلف كثيرا عن سابقتها»، موضحا أنه لا جدوى من الانتخابات المقبلة مع إلغاء الرقابة الدولية، وأنها «لن تكون أفضل حالا مما كانت عليه في الماضي»، واصفا القرار بـ«الغريب والخطير».

وأشار شعبان إلى أنه «بجانب غياب الرقابة الدولية وتغلب العصبيات والقبليات ورأس المال والبلطجة والوضع الأمني المتردي، سنعيد إنتاج ما كان قائما قبل ثورة 25 يناير، مع تبادل المواقع، حيث ستحل جماعة الإخوان المسلمين محل الحزب الوطني المنحل (الحاكم سابقا) وسيتم عزل جميع القوى الجديدة وشباب الثورة».

وحول إمكانية طرح الأمر للنقاش، استبعد شعبان ذلك، قائلا «عودنا المجلس العسكري الاستماع لوجهات نظرنا بإنصات كامل، ثم ينفذ كل ما يراه من وجهة نظره». وكشف شعبان عن قيام بعض القوى السياسية بدراسة فكرة مقاطعة الانتخابات المقبلة، بسبب الإصرار على إقصاء الدم الجديد في السياسة المصرية والتركيز على الأحزاب الكارتونية القديمة وعلى «الإخوان» والتيار السلفي.

ومن جهته، أكد المستشار عبد المعز إبراهيم، رئيس اللجنة العليا للانتخابات، حرص اللجنة على توفير كل الضمانات لنزاهتها، مضيفا أن اللجنة العليا للانتخابات ستبدأ اعتبار من يوم غد (الاثنين) عملها بشكل رسمي والبدء في كل التحضيرات للانتخابات، موضحا أن الانتخابات القادمة سوف تجري تحت إشراف قضائي كامل تفعيلا لشعار «قاض لكل صندوق»، ومشيرا إلى أن مسألة تصويت المصريين في الخارج محل بحث ودراسة مكثفة من اللجنة.