الفرنسية تريستان بانون.. ضحية سياسي نافذ أم شابة تسعى للشهرة؟

عاشت طفولة صعبة.. وتعتبر دعواها ضد ستروس - كان «أقوى وأعنف قرار» اتخذته في حياتها

تريستان بانون
TT

بالنسبة للبعض، هي امرأة شابة معذبة ضعيفة وقعت ضحية لسياسي صاحب نفوذ وزير نساء معروف. وبالنسبة لآخرين، هي امرأة تسعى للشهرة. غير أن ثمة آخرين يرونها متحايلة بارعة لعبت دورا في حياكة مؤامرة ضد الحزب الاشتراكي.

وسواء كان ذلك عدلا أم لا، فإن الكاتبة تريستان بانون، 32 عاما، التي تدعي أن دومينيك ستروس - كان، حاول اغتصابها في عام 2003، باتت واحدة من أشهر الشخصيات في فرنسا، حتى بالنسبة لبعض زملائها وأصدقائها.

وقد تعرضت لوابل من الانتقادات هذا الشهر حينما أقامت دعوى قضائية ضد ستروس - كان تتهمه فيها بمحاولة اغتصابها بعد ثماني سنوات من حدوث واقعة الاعتداء عليها، على حد زعمها، وبعد أربعة أيام من إلغاء الإقامة الجبرية التي كانت مفروضة عليه في نيويورك بتهمة الاعتداء الجنسي على عاملة في فندق. وعلى الفور، أقام محاموه دعوى مضادة ضدها بالسب والقذف، مصرين على أن اتهامات بانون عارية تماما عن الصحة. وبالنسبة لبانون نفسها، وضعت شكواها حدا لسنوات من الاضطراب وعدم القدرة على اتخاذ القرار. «إنه تحرر»، هكذا قالت في حوار معها عبر الهاتف. وأضافت: «إنه أكثر قرار تحرري وعنيف اتخذته في حياتي».

بدت بانون هذه المرة ناضجة وواثقة من نفسها ومتحلية بالعزيمة والإصرار، خلافا لصورة المراهقة النحيلة الشاحبة التي ترتدي جينز مهترئا، والتي عادة ما كانت تظهر به في المجلات. وقالت إنه إذا قرر المدعون الفرنسيون عدم كفاية الأدلة للنظر في دعواها ضد ستروس - كان، «سيتعين علي التعايش مع الأمر، لكنني سأكون في حالة نفسية مزرية».

في بداية عام 2003، كانت صحافية عمرها 23 عاما تعمل كمتدربة بمجلة «باري ماتش» حينما أجرت مقابلة مع ستروس - كان، أبرز قادة الحزب الاشتراكي، عن كتاب كانت تجري بحثا عنه حول أخطاء الشخصيات المؤثرة.

وفي سياقات عدة منذ 2007، ومؤخرا في المجلة الفرنسية الأسبوعية «ليكسبرس»، وصفت ما تقول إنه حدث، وكيف حاول ستروس - كان، الذي رتب لمقابلتها في إحدى الشقق، اغتصابها، بعد بدئه تجريدها من ملابسها وتحسس جسدها. لكن على مدار ثماني سنوات، التزمت الصمت، بناء على نصيحة والدتها وأصدقائها، وقالت بانون إنها لم تملك الشجاعة الكافية لتوجيه تهمة جنائية ضد ستروس - كان، الذي كانت زوجته الثانية أمها بالمعمودية. وقالت: «كنت في ريعان شبابي، وفي حالة ذعر شديد».

وفي المقابلة، قالت بانون إن الحادث دمر ثقتها بنفسها وأثر على علاقاتها بالرجال، وقلل من فرص إيجادها عملا في مجال الصحافة. وقالت: «لم أفهم على الإطلاق لماذا دمر بعض الناس حياتي المهنية والشخصية وأهانوني، في الوقت الذي كنت فيه الضحية وليس الجاني». وفي عام 2006، تزوجت بصاحب مطعم كان والده مربي ماشية في نورماندي، لكن زواجهما انتهى بعد عدة سنوات.

واستمرت واقعة محاولة اعتداء ستروس - كان عليها تعكر حياتها، وحتى قبل أن يلقى القبض عليه في نيويورك، تعاقدت مع محام على دراية إعلامية كبيرة، هو ديفيد كوبي، الذي سبق أن تعامل مع قضايا أخرى لمشاهير. وتصر بانون على أنها وكوبي لديهما أدلة تدعم اتهامها ستروس - كان بمحاولة اغتصابها، غير أنها أشارت إلى أنه بإمكانها تقديم مزيد من التفاصيل لأن النظر في القضية ما زال مستمرا.

ومن المتوقع أن يقدم مدعو مانهاتن طلبا للسلطات الفرنسية بإجراء مقابلة مع بانون، حسبما ذكر مصدر مطلع على التحقيقات.

وبعد الواقعة، قالت إنها قد أعلمت صديقة مقربة منها بالإضافة إلى والدتها آنا مانسوريت، بالأمر. وبعد أربع سنوات، تحدثت في برنامج ترفيهي على شاشة التلفزيون بشكل غير متوقع عن الواقعة، غير أنه تم حذف اسم ستروس – كان، وبعد عام، كشفت عن اسمه. وقد صاغت القصة في قالب روائي في رواية «ترابيزيست». غير أنه في ظل غياب شكوى قانونية، تابع عدد محدود من الصحافيين اتهاماتها.

نشأت بانون في الحي الثامن في باريس بالقرب من قصر الإليزيه. لكن تعين عليها التكيف مع العزلة والمحنة في سن مبكرة. وقالت: «لم يكن لدي مطلقا شجرة عائلة. لم أكن شخصية غير متوازنة، ولكني كنت أكثر ضعفا من الآخرين». كان والدها، غابريل بانون، رجل أعمال فرنسيا من أصل مغربي ومستشارا ماليا سابقا للزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، متزوجا من امرأة غير والدتها. وقد اعترف بأبوته لبانون، ولكنه سرعان ما اختفى بعد مولدها.

وقد أشارت بانون لوالدتها باسم «كذبتي المحببة» ووصفتها بـ«المدبرة الحسناء» التي لم تترك منزلها مبعثرا على الإطلاق. وفي لقاء معها في عام 2008 على قناة «فرانس 3»، اعترفت منسوريت، أمام ابنتها، بأنها لم تحب الأطفال مطلقا. وقالت: «لم أتمكن مطلقا من التعبير عن عاطفتي. أنا وابنتي صديقتان أكثر من كوننا أسرة».

ومؤخرا، أخبرت مانسوريت ضباط الشرطة بأنها قد أقامت علاقة جنسية مع ستروس - كان في عام 2000، بحسب وسائل الإعلام الإخبارية الفرنسية. وقد جاءت هذه التصريحات بعد قيام الشرطة باستجوابها كجزء من التحقيقات التي تجري في اتهامات ابنتها ضد ستروس - كان. وقالت بانون لصحيفة «لو فيغارو» إنها لم تكن على علم بهذه العلاقة، لكنها زادت من كراهيتها وبغضها لستروس - كان ونشرت أولى روايات بانون، «نسيت أن أقتلها» (إحدى رواياتها الكثيرة التي تبدو أشبه بسيرة ذاتية، مثلما تطلق عليها) في عام 2004 في صورة تقارير. وفيها، استرجعت بانون كيف تعرضت للضرب على يد مربية مغربية مدمنة للكحول، وكيف عرفتها مربيتها على رجل تحرش بها لاحقا. تركت بانون المنزل في سن 14 عاما للعمل كمربية. وتخرجت لاحقا في مدرسة الصحافة وعملت كمتدربة في صفحات ومجلات بارزة، من بينها «لو فيغارو». ووصفتها هارولد كوبرت، وهي كاتبة وصديقة مقربة لها، بأنها امرأة ذكية وشجاعة واجهت لطمات الحياة بروح دعابة ومرح. وقالت كوبرت عن بانون: «هي تعتقد أنه لا يمكن لأي فرد الركون إلى الماضي». غير أنه بعد قصتها مع ستروس - كان، تقول إن ذلك أساء لسمعتها. فكثير من العاملين في الإعلام الفرنسي عرفوا باتهاماتها لستروس - كان، الأمر الذي بث الخوف في نفوسهم. لقد لمحت ضمنيا إلى أنها كانت شخصية مشهورة. وقالت: «كان قد تم تعييني في محطة إذاعية، وبعد شهر، أخبرني رئيسي بكل صراحة بأنه لا يمكنه إبقائي بوظيفتي بعد الآن».

وعلى غرار الكثير من الصحافيين الفرنسيين الشبان، بدأت في تكوين اتصالات قوية. فقد كونت صداقات مع شخصيات ذائعة الصيت في عالم الإعلام، من بينهم فريدريك بيغبدر، وهو كاتب وصحافي شهير، وباتريك بوافر دارفور، وهو مذيع تلفزيوني ذائع الصيت في ذلك الوقت.

وذكر مقال نشر مؤخرا في مجلة «باري ماتش» أنها ترددت على حلقات المثقفين ورجال الفكر الباريسيين الأثرياء والمسايرين للاتجاهات الحديثة في سان جيرمان دو بري، «حيث دائما ما يتم الترحيب بحفاوة بالشقراوات اللاتي يتمتعن بجاذبية طاغية».

واتجهت بانون إلى الأدب، قائلة إنها «أصيبت بالإحباط من العمل بالصحافة». وتقول عن ذلك: «أشعر بقدر أكبر من الحرية عند كتابة الروايات مما أشعر به عند كتابة المقالات الصحافية». وفي عام 2009، بدأت العمل في مجال النشر كمحررة حرة لحساب دار نشر «لو شيرش ميدي» الشهيرة، إلا أنها أقيلت في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه. وبعدها، أقامت دعوى إقالة تعسفية ضد رئيسها السابق، فيليب هيراكليس. وحدد شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه للنظر في الدعوى.

* خدمة «نيويورك تايمز»