اللواء سامح سيف اليزل لـ «الشرق الأوسط»: جهات خارجية وتيارات داخلية تعمل لتشويه شكل المجلس العسكري أمام الشعب

الخبير الأمني والاستراتيجي: رئيس الجمهورية المدني القادم قد يحتاج إلى نائب عسكري

TT

اعتبر اللواء سامح سيف اليزل، رئيس مركز الجمهورية للدراسات الأمنية والاستراتيجية، أن وجود الجيش المصري في الشارع لا يضر بأمن البلاد على الإطلاق. وفي رأيه أن استمرار وجود القوات المسلحة في الشارع أمّن البلاد بشكل كبير وحماها من المتربصين، وعلى رأس ذلك أعمال التجسس.

وعدد سيف اليزل لـ«الشرق الأوسط» في القاهرة العديد من معوقات عمل المجلس العسكري في الوقت الحالي كالضغط الشعبي واستمرار الاعتصامات، معتبرا أن زيادة عدد القوى السياسية تلعب دورا كبيرا في التشويش على قرارات المجلس، كما يبين أن عدم وجود مطالب ثابتة لشباب الثورة وارتفاع سقف المطالب يوميا يعد أكبر الأخطار على استقرار البلاد في الوقت الحالي.

وتوقع سيف اليزل، الذي خدم في صفوف المخابرات المصرية الحربية والعامة، أن الخطر الأكبر الآن على الأمن القومي المصري هو احتمالية مهاجمة المساجد، حيث اعتبر أن الهجوم عليها ولو بقنبلة «مولوتوف» واحدة من أي جهة خارجية سيؤدي إلى الإيقاع باللحمة الوطنية في البلاد وقد يحدث فتنة عنيفة تمتد لتكون حربا أهلية.. وهذا نص الحوار:

* كخبير استراتيجي، كيف يؤثر وجود الجيش المصري في الشارع على تأمين البلاد؟

- وجود الجيش المصري في الشارع لا يضر بأمن البلاد على الإطلاق، فاستمرار وجود القوات المسلحة في الشارع أمّن البلاد بشكل كبير وحماها من شر المتربصين بأمنها وهم كثيرون، فأعمال التجسس كثيرة وأعمال البلطجة منتشرة بشكل كبير، ومن وجهة نظري وجود القوات المسلحة في الشارع حد كثيرا من تلك العمليات، لأنه أرهب الكثير من الخارجين على القانون. أما بخصوص الحدود فالقوات الموجودة في الشارع حاليا تتبع المنطقة المركزية العسكرية الخاصة بتأمين منطقة القاهرة الكبرى، أما القوات الموجودة على الحدود فهي موجودة في أماكنها ولم تبرحها.

* كرجل عسكري، ما تقييمك لإدارة المجلس العسكري لمصر خلال ستة الأشهر الماضية؟

- بأمانة شديدة، وأنا على علم بما في عقول هؤلاء الناس، يمكنني أن أؤكد أنه لا رغبة لهم على الإطلاق في الاستمرار في السلطة وهم يريدون مغادرة السلطة بالأمس وليس اليوم، وليس لديهم أي طموح أو مطامع على الإطلاق في الاستمرار في السلطة، ولن تجد أحدا منهم في الحياة السياسية بعد تسليم السلطة. بالتأكيد هناك سلبيات وإيجابيات، فهناك تأخر في إصدار بيانات وقرارات ولكن ذلك يرجع أيضا إلى الحكومة، ولكن في النهاية تم إدارة البلاد بذكاء وحكمة.

* في تصورك ما هي الصعوبات التي يلقاها المجلس العسكري في إدارة زمام الأمور في مصر؟

- أولا الضغط الشعبي واستمرار الاعتصام، كما أن زيادة عدد القوى السياسية تلعب دورا كبيرا في التشويش على قرارات المجلس، والأدهى أن عدم وجود مطالب ثابتة لشباب الثورة وارتفاع سقف المطالب يوميا يشكل ضغطا كبيرا على المجلس.

* البعض يقول إن هناك تباطؤا في قرارات المجلس العسكري، كيف يمكنك تفسير ذلك؟

- الناس في سنة أولى ديمقراطية، والحماس يغلب على ممارستها، فهناك اعتصامات فئوية وهناك إغلاق لـ«مجمع التحرير» ودعوات لإغلاق الممر المائي لقناة السويس، مع كل تلك المطالب المتكررة أعتقد أنه من الصعب الاستجابة لكل تلك الطلبات بشكل سريع ودون تريث، أعتقد أن هناك حكمة لا تباطؤا.

* من يحاول إعاقة عمل المجلس العسكري في رأيك؟

- التكتلات والتيارات السياسية والدينية في الشارع، لأنها تضغط بشدة على عمل المجلس في الوضع الدقيق الذي تمر به البلاد.

* هل تعتقد أنه سيكون هناك تميز للقوات المسلحة بعد تسليم الحكم لرئيس مدني؟

- لن يحدث أي تميز للقوات المسلحة لأنها تعمل بتجرد كبير، ولن يحدث أي تميز للقوات المسلحة يزيد عما هو موجود، فالقوات المسلحة ليس لديها أي طموح لعمل أي مزايا للجيش.

* هل يمكن أن يتكرر سيناريو ثورة 23 يوليو (تموز) من بقاء للعسكريين في الحكم؟

- لن يحدث هذا على الإطلاق، وأثق ثقة عمياء في تسليم المجلس العسكري للسلطة في مصر.

* عذرا.. وما هي ضمانات ذلك؟

- الضمانات أن هؤلاء الضباط ليس لديهم النية على الإطلاق في مصالح شخصية أو أي مكتسبات شخصية أو للقوات المسلحة، كما أنهم لم يسعوا على الإطلاق وراء السلطة ولكنهم كلفوا بها فجأة.

* ساد نوع من الخوف والقلق بعد بيان المجلس الذي ألقاه اللواء محسن الفنجري، فهل بدأ صبر المجلس العسكري ينفد؟

- لا أتفق مع ذلك إطلاقا، فحين تم حرق آليات للقوات المسلحة في ميدان التحرير في بداية مارس (آذار) الماضي، تعامل المجلس بحكمة بالغة وكان هناك قدر كبير من ضبط النفس رغم أن الحادث حينها كان مستفزا ومدعاة لنفاد صبر المجلس ولكنه لم يحدث، فصبر المجلس العسكري أكبر من أن ينفد في ستة أشهر.

* لكن لماذا جاءت اللهجة قوية بذلك الشكل الذي اعتبره البعض مبالغا فيه؟

- جاءت اللهجة قوية حتى يظهر للشعب أن القوات المسلحة غير راضية عما يحدث في البلاد من استمرار للمظاهرات والاعتصامات واحتجاز «مجمع التحرير» وإغلاقه والسيطرة على ميدان التحرير بشكل فيه استفزاز.

* المجلس لا يجد من يمثل الثورة ليتحاور معه، هل يعد ذلك مشكلة؟

- بالتأكيد هو إحدى المشاكل الرئيسية، فالثورة أحد مميزاتها أنها لم يكن لديها قائد، ولكن أحد أبرز المشاكل الآن أن القوى السياسية والأحزاب والتكتلات فاقت المائة، وهي نفسها غير متفقة فيما بينها، والحديث والحوار مع مائة تيار وتكتل عملية مرهقة وصعبة، فلن يستطيع المجلس إرضاء كل القوى والتيارات لأن مطالبها أصلا متعارضة ومختلفة.

* البعض يتخوف من حدوث صدام بين المجلس العسكري والثوار، كيف ترى الفجوة بين الطرفين؟ وكيف يمكن رأبها؟

- أولا صبر القوات المسلحة لن ينفد، حتى لو تم دفعهم إلى محاولة اتخاذ إجراءات عنيفة أو فيها صرامة زائدة، فلن يتخذوها إلا إذا وجدوا أن الوضع قد انفجر ولم يعد هناك سيطرة على الأوضاع.

* في أي إطار فسرت صفارات الاستهجان التي تعرض لها اللواء طارق المهدي، المشرف على اتحاد الإذاعة والتلفزيون، في ميدان التحرير؟

- هناك محاولات لعمل شرخ بين الشعب والجيش، وهناك استفزاز متعمد الغرض منه في النهاية الوصول إلى الوقيعة بين الشعب والجيش، هناك جهات خارجية، وقد تكون بعض التيارات الداخلية التي ترغب في تشويه وجهة القوات المسلحة أمام الرأي العام لأغراض تخصها هي، فالقوات المسلحة لن تنال رضا جميع الأطراف، فهناك أطراف لا ترغب في استمرار القوات المسلحة لفترات طويلة وبالتالي لها رغبات.

* من خلال متابعتك للأحداث، إلى أي صف يميل المجلس العسكري، القوى الإسلامية أم أنصار الدولة المدنية؟ وهل يؤثر المد الديني على توجهات المجلس؟

- المجلس العسكري محايد ويتحدث مع الجميع، والقوات المسلحة فتحت الباب للحوار مع الجميع، ومن الخطأ أن يفهم البعض أن فتح الباب مع تيار معين يعني أن المجلس أقرب إليه؛ لأن القوات المسلحة لا تميز طرفا على حساب آخر.

* ولكن البعض يقول إن المجلس العسكري في صف الإخوان المسلمين؟

- يتردد ذلك ولكن يمكن تفسيره ببساطة من التاريخ السياسي للجماعة، فالإخوان المسلمون ظلوا لفترات طويلة جماعة محظورة وغير مرغوب فيها، لكن قادتها الآن يجلسون ويتحاورون مع أعضاء المجلس العسكري وهو ما أحدث ذلك الارتباك الواضح.

* المجلس العسكري يؤكد دائما تسليم السلطة لرئيس مدني، كيف ترى شكل العلاقة بينه وبين القوات المسلحة؟

- أعتقد أن العلاقة بين الطرفين ستكون طبيعية، لا أعتقد أن هناك أي مانع إطلاقا أن يكون رئيس الجمهورية مدنيا ولا يحمل أي خلفيات عسكرية، ولكن قد يكون من المناسب حينها أن يكون أحد نوابه من الشخصيات ذات الخلفية العسكرية، فأنا أتصور أن رئيس الجمهورية المدني القادم قد يحتاج إلى نائب عسكري.

* البعض يشعر بأن هناك حالة من التعاطف من قبل المجلس العسكري تجاه الرئيس مبارك، ما قولك؟

- هذا الكلام غير سليم على الإطلاق، المجلس العسكري يتعامل مع ملف الرئيس السابق حسني مبارك بموضوعية، أي التعامل الصحيح السليم في إطار قانوني بحت، وأعتقد أنه إذا صدرت ضد مبارك أحكام فسيتم تنفيذها بحذافيرها.

* في رأيك هل سيقيم المجلس العسكري جنازة عسكرية للرئيس السابق حسني مبارك وقت وفاته؟

- طبقا للقوانين العسكرية في مصر، فإن كل من حصل على رتبة فريق فما أعلى وأحيل إلى المعاش تقام له جنازة عسكرية حال وفاته، والوضع الذي نعيشه هو وضع فريد لم يحدث من قبل في تاريخ مصر، وهو أن رئيس الجمهورية السابق محبوس على ذمة إحدى القضايا، وبالتالي فنحن أمام وضع خاص جدا شاذ للغاية، وتصوري الشخصي لن تقام له جنازة عسكرية ولكن جنازة شخصية تقام بصفته الشخصية ومن يحضر سيحضر بصفته الشخصية وليس ممثلا لدولته.

* مع الكشف عن قضية الجاسوس الإسرائيلي وترحيل الدبلوماسي الإيراني، هل أصبحت مصر ساحة مكشوفة لأجهزة التخابر الخارجية في الوقت الحالي؟

- بالتأكيد مصر مستهدفة من الخارج وهو شيء غير مستغرب في ظل الوضع الأمني الهش الذي تشهده مصر حاليا، ومع وجود حراك شديد بعد الثورة يتمثل في تيارات سياسية ودينية وليدة، فمن الطبيعي أن الدول التي ترغب في الحصول على معلومات عن مصر أو العبث بالأمن المصري أو محاولة اختراق الأمن القومي المصري، فهذه الفترة هي فرصتها الذهبية للعب الآن، ونحن نعرف هذا وهو شيء طبيعي ومتوقع. وقيام المخابرات المصرية بالقبض على هذا العدد من الجواسيس في تلك الفترة الصغيرة يعد رقما قياسيا حقيقيا.

* إلى أي مدى تقيم اختراق الأمن القومي المصري حاليا؟ وأي جهات تهدده في رأيك؟

- الأمن المصري ليس في خطر كما يتصور البعض، ولكنه بالطبع مستهدف وسيظل مستهدفا لفترة طويلة، ولكن هناك أيضا خطط لمجابهة هذا الاختراق، والعاملون بأجهزة الأمن القومي المصري على علم كامل بالمخاطر التي تواجه البلاد، وهناك خطط كاملة لمواجهة أعلى درجات من الخطر.

* ما الخطر الأمني الذي تخشاه على مصر الفترة الحالية؟

- ما أخشاه حقيقة هو فتنة طائفية يكون وقودها الاعتداء على المساجد والكنائس، خاصة المساجد، لأن الهجوم عليها ولو بقنبلة «مولوتوف» واحدة من أي جهة خارجية بغرض الإيقاع باللحمة الوطنية في البلاد سيوقع عددا كبيرا جدا من الضحايا، وحينها قد تحدث فتنة عنيفة تمتد لتكون حربا أهلية، وأنا أخشى جدا من ذلك وأعتقد أن ذلك هو الضربة الجديدة لمصر، والحل في نظري هو إدارة جديدة لحماية دور العبادة.

* تتوافر المعلومات عن مصر على شبكة الإنترنت بوفرة، إذن فأي معلومات يبحث عنها الجواسيس؟

- المعلومات المتاحة على الإنترنت وعبر التصوير الجوي وما شابه تغطي ما على السطح فقط، ولكن ما بداخل الأدراج وما في عقول الناس من الصعب الحصول عليه عبر الإنترنت، لذا يأتي دور الجواسيس الموجودين لإخراج ما في عقول الناس عبر الحديث معهم أو عبر الحصول على مستندات قد تكون مهمة للطرف الذي يتجسس.

* تماشيا مع روح الثورة وعلى ضوء تجربة تونس، هل يمكن أن يقود شخص مدني وزارة الداخلية المصرية؟

- في الوقت الحالي هذا الوضع غير مناسب حاليا، فتجربة فؤاد سراج الدين كرجل مدني على رأس وزارة الداخلية كانت في ظروف مختلفة تتيح ذلك.

* بخبرتك الأمنية والاستراتيجية، كيف ستؤثر الظروف الأمنية على إجراء انتخابات تشريعية ثم رئاسية في وقت وجيز؟

- أعتقد أنه سيحدث تجاوزات وأعمال عنف وقتل وإطلاق نار، ورغم كل ذلك ستتم الانتخابات بشكل عادي، ولكن قد يكون هناك انفلات أمني أثناء الانتخابات، وستكون الانتخابات حرة تماما وغير مزورة.

* ما تعليقك على الدعوات التي ترشحك لانتخابات رئاسة الجمهورية؟

- هناك بعض الدعوات على «فيس بوك» تنادي بترشيحي لرئاسة الجمهورية، ولكن أنا في الحقيقة لم أقرر بعد وأنتظر قانون الانتخابات الرئاسية، والفيصل في اتخاذ هذا القرار هو القراءة الجيدة للأحداث والقراءة الجيدة للقانون وتقدير موقف عام لما يدور في مصر، ولكن هذا القرار لم يتخذ بعد.