فريدون عباسي.. من عالم ناج من محاولة اغتيال إلى رئاسة الطاقة الذرية الإيرانية

منذ تعيينه شهدت طهران «تسريعا» في ملفها النووي.. وصرامته تناقض «كياسة» سلفه صالحي

TT

بعد ثمانية أشهر من نجاته من محاولة اغتياله في أحد شوارع طهران، يشرف فريدون عباسي، أستاذ الفيزياء والعالم النووي الإيراني الذي عينه ملالي إيران رئيسا لمنظمة الطاقة النووية، على عملية يصفها مسؤولون استخباراتيون في عدة دول بأنها إسراع غير متوقع في عملية إنتاج الطاقة النووية في إيران.

وكان اختيار عباسي في بداية هذا العام في حد ذاته بمثابة رسالة واضحة إلى الغرب. وبوصفه عالما أكاديميا، كان محظورا عليه من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة السفر خارج إيران، نظرا لوجود أدلة على أن تركيزه الأساسي ينصب على كيفية بناء أسلحة نووية، وليس محطات لتوليد الطاقة النووية. غير أنه في الأسابيع الأخيرة، أعلن على الملأ أن بلده يستعد لزيادة معدل إنتاجه من أحد أنواع الوقود النووي بمقدار 3 أضعاف، وهو النوع الذي ينتظر أن يمكن إيران بشكل سريع من إنتاج مواد يمكن استخدامها في صناعة متفجرات نووية.

وبتحليل الغلو المحيط بالتصريحات الأخيرة التي مفادها أن تقدم إيران الملموس دائما ما كان أمرا صعبا، خصوصا في وقت تؤكد فيه إيران أنه لم يثبت كون فيروس «ستوكس نت»، الذي قوض جزءا من بنيتها التحتية النووية العام الماضي، أو العقوبات المفروضة عليها من جانب دول الغرب، أكثر من مجرد عراقيل بسيطة يمكن تخطيها. ونادرا ما يشاهد أو يسمع عباسي خارج إيران.

غير أن مفتشي الطاقة النووية الدوليين والمسؤولين الأميركيين يقولون إن كل الأدلة تشير إلى قرب إنشاء أجهزة طرد مركزي في محطة لتوليد الطاقة النووية تحت الأرض على قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة قم. وكشفت إيران عن وجود محطة توليد الطاقة النووية في عام 2009، بعد علمها أن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية على وشك إعلان اكتشاف المحطة داخل القاعدة العسكرية الإيرانية.

وما يشغل المفتشين والمسؤولين الأوروبيين والأميركيين هو جهد إيران المعلن لزيادة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء تقدر بنحو 20 في المائة. وتؤكد إيران حاجتها إلى هذا الوقود لاستخدامه كمفاعل في مجال الأبحاث الطبية. غير أنه في الأسبوع الماضي، رفض وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، ذلك الزعم بوصفه مجرد خبر يهدف لجذب الانتباه.

وتحدث هيغ لصحيفة «الغارديان» البريطانية قائلا: «حينما تتم زيادة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 20 في المائة بمحطة توليد الطاقة النووية الموجودة تحت الأرض في مدينة قم الإيرانية، سيتطلب الأمر مدة تتراوح ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر من العمل الإضافي لتحويل اليورانيوم إلى مادة يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية».

ويشير محللون إلى أنه خلال الفترة القصيرة لعباسي في منصبه الجديد، ركز كبار قادة إيران على إظهار أنهم قد تغلبوا على الكثير من العقبات، التي واجهتهم بفعل ما شكوا في كونه إجراءات سرية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، والعقوبات الاقتصادية الخارجية.

«ثمة أدلة على أن هذه الجهود تتسارع»، هكذا قال مارك فيتزباتريك، الخبير في الشأن الإيراني ومدير برنامج حظر الانتشار النووي ونزع الأسلحة النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن. وأضاف: «لقد رفعوا معدل إنتاج اليورانيوم، كما رفعوا عدد أجهزة الطرد المركزي، فضلا عن أنهم بدأوا في إدخال تعديلات على عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي من الجيل الثاني».

ويقول مسؤولون رفيعو المستوى في إدارة أوباما على اتصال بأجهزة الاستخبارات، إنهم متفقون مع ذلك التقييم، غير أنهم لا يبدون انزعاجهم منه. وهم يرون أن استمرار اعتماد إيران على نموذج أجهزة طرد مركزي غير موثوق فيه يدل على أنها تواجه مشكلة في التحول إلى استخدام نماذج أخرى أكثر تطورا وفاعلية.

وقال مسؤول رفيع: «لقد تحدثوا عن تحديث نماذج أجهزة الطرد المركزي لسنوات، قبل تولي عباسي منصبه الجديد».

ويبدو صمت البيت الأبيض ملحوظا نظرا لأن الرئيس أوباما ركز جزءا كبيرا من سياسته في التعامل مع شؤون الشرق الأوسط، قبل اندلاع الانتفاضات العربية الأخيرة، على تنظيم جهود دول أخرى في المنطقة في مجال الطاقة النووية من أجل تقويض تقدم إيران في هذا الشأن. ولم تعلق الإدارة على معظم التصريحات الإيرانية الأخيرة، إلا حينما طلب منها ذلك.

«إيران ممنوعة من إنشاء أو تشغيل أي أجهزة طرد مركزي نتيجة عقوبات مفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة»، هذا ما ذكره تومي فيتور، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي عند سؤاله عن تصريحات عباسي الأخيرة. وأضاف: «مثل هذا النوع من السلوكيات المستفزة يقتضي ضرورة تنفيذ الدول عقوباتها الدولية ضد إيران».

ويرى دبلوماسيون أن أسلوب عباسي تجاه الدبلوماسية النووية يأتي في مقارنة صارخة مع أسلوب سلفه في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قسم الهندسة النووية، وهو دبلوماسي مهذب يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويتعامل مع وسائل الإعلام الإخبارية بكياسة.

والدكتور عباسي «ليس ماهرا أو مريحا بدرجة كبيرة في التعامل معه»، هذا ما قاله دبلوماسي في فيينا شاهده مؤخرا عند زيارته النمسا لحضور مؤتمر عن الأمان النووي. وأضاف: «إنه صارم جدا في تعامله مع الصحافة». ومنذ أن بات عباسي أحد أكبر المسؤولين الحكوميين في إيران، حصل على استثناءات متكررة من حظر السفر المفروض من قبل الأمم المتحدة.

ووفقا لما أفاد به الموقع الإخباري الإيراني «مشرق نيوز»، فقد حصل الدكتور عباسي على دكتوراه في الفيزياء النووية، كما أنه عضو في الحرس الثوري الإيراني منذ تأسيسه عام 1979. ويدير الحرس الثوري الإيراني جهود البحث الخاصة بالأسلحة النووية، وظل لأعوام يتجنب طلبات من مفتشين بخصوص تفاصيل حول ما يشكون في أنها تجارب ربما تشير للعمل على سلاح.

وفي مارس (آذار) 2007، وضع مجلس الأمن الدكتور عباسي على قائمة العقوبات بسبب مزاعم بأن له علاقات بالجهود النووية الإيرانية، التي تطرح مشكلة دبلوماسية: يشك في أن الرجل الذي يصر على أن جهود إيران سلمية بالكامل يعمل على مكونات تجربة أسلحة.

وقد وصفت الأمم المتحدة الدكتور عباسي بأنه عالم بارز في وزارة الدفاع و«عمل عن قرب» مع محسن فخر زاده، وهو ضابط في الحرس الثوري تعتبره استخبارات غربية المشرف على جهود إيران للحصول على أسلحة نووية.

ولم يُشاهد فخر زاده علنا منذ أعوام. وربما توضح خبرة الدكتور عباسي لماذا: أثناء ذهابه بالسيارة إلى العمل في 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، رأى الدكتور عباسي سائق دراجة نارية يضع قنبلة على باب سيارته. وهرب بعد أن جذب زوجته معه قبل ثوان من انفجارها. وأدى هجوم منفصل في ذلك اليوم إلى مقتل أحد زملائه. وقالت إيران إن «الموساد» والولايات المتحدة مسؤولان عن ذلك.

وكمسؤول عن الجهود الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، أشرف الدكتور عباسي على عملية تحقيق استقرار داخل المفاعل في ناتانز، في الصحراء. وداخل أحد الجبال بالقرب من قم، يشرف على توسيع برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني في قاعات تحت الأرض.

ويقول دبلوماسيون إن الموقع الجبلي، المعروف باسم «فوردو»، كان على وشك أن يحصل على أول أجهزة الطرد المركزي، وهي أجهزة تدور سريعا لتنقية اليورانيوم. وفي يونيو (حزيران) أعلن الدكتور عباسي أن إيران سوف ترفع إنتاجها من اليورانيوم عالي التخصيب لديها بمقدار 3 أضعاف وتحول بعض الإنتاج من «فوردو» إلى ناتانز. وأشار الدبلوماسي الموجود داخل فينيا، قائلا: «زيادة الإنتاج بمقدار 3 أضعاف تمثل سياسة تصعيد حقيقية. هذا أمر استفزازي».

* خدمة «نيويورك تايمز»