حرب رسوم كاريكاتيرية بين الخصوم السياسيين في مصر

آخرها تم نشره على موقع «الإخوان» ويتهكم على معتصمي التحرير

TT

دخلت «الرسوم الكاريكاتيرية» ساحة الصراع السياسي في مصر، لتصبح سلاحا يستخدمه فرقاء السياسة بمختلف توجهاتهم للهجوم على خصومهم. ورغم وصف البعض ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) بالـ«الثورة الضاحكة»، فإن خفة الظل التي يتمتع بها المصريون غدت أزمة تؤرق السياسيين، بعد أن بدأت تكتسي بعدا مذهبيا، مع بروز الحركات الإسلامية على السطح في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

وظهرت مؤخرا رسوم كاريكاتيرية تسخر من التيارات الإسلامية، لم يتعامل معها الإسلاميون كنقد سياسي، بحسب مراقبين، بل كإهانة للدين الإسلام. يقول الناشط السياسي الليبرالي التوجه حسين خالد «هذه هي الأزمة الحقيقية حينما يتداخل الدين مع السياسة، حيث إنهم رغم كل ما يقولونه لن يميزوا بين نقد موقف سياسي ونقد العقيدة».

لكن إسلاميين ردوا في المقابل «لماذا إذن أقاموا الدنيا (قوى الليبرالية واليسارية) حين نشر موقع (إخوان أون لاين) نقدا سياسيا مستخدما الرسوم الكاريكاتيرية؟». ويتابع عبد الرحمن أحمد، من أبناء التيار الإسلامي، بقوله «هناك أزمة في إدارة الحوار بين أطراف اللعبة السياسية في مصر.. هذه هي حقيقة الأزمة ولا شأن لمسألة الدين في الأمر».

وظلت الرسوم الكاريكاتيرية في مصر خلال سنوات حكم مبارك سلاحا في يد المعارضة المصرية في نقد النظام، حيث كانت بابا واسعا لرفع سقف حرية التعبير، رغم تعرض الكثير من رسامي الكاريكاتير لمضايقات وأحكام قضائية.

ونشر موقع جماعة الإخوان المسلمين «إخوان أون لاين» الأربعاء الماضي رسما كاريكاتيريا يتهكم فيه على المعتصمين في ميدان التحرير، ويتهمهم بتناول مخدر «الحشيش»، مما أثار استياء العديد من شباب الثورة والقوى السياسية المدنية. وأظهر الكاريكاتير الذي حمل عنوان «مزاجنجي.. مناضلا»، خيمة يجلس أمامها شخصان يدخنان الشيشة، يقول أحدهما «المكان ده طلع حلو بشكل.. بس يا سلام لو ينقلوا لنا المقطم هنا جنبه.. تبقى كملت (في إشارة لمنطقة المقطم الهادئة التي تشتهر بلقاءات المحبين)». وعلق محرر الموقع على الكاريكاتير قائلا «ظهر السيد مزاجنجي بجوار ميدان التحرير جالسا بصحبة عدد من أصدقائه.. متحلقين حول مائدة عامرة تتصدرها شيشة أحدث موديل واردة من لندن جلبها معه في زيارته الأخيرة للعاصمة البريطانية». وتابع المحرر «ترددت أنباء في الخيام المجاورة لخيمة مزاجنجي أن الذي يقوم بالإنفاق على مجموعات الشباب هو (البهظ بيه)، العضو النافذ في الحزب المخلوع سابقا».

وشاركت جماعة الإخوان المسلمين في المظاهرة المليونية التي أقيمت في 8 يوليو (تموز) الحالي، تحت شعار «الثورة أولا»، لكن وعلى خلاف معظم القوى الليبرالية واليسارية، رفضت الجماعة المشاركة في الاعتصام الموجود في التحرير ومعظم المحافظات المصرية حتى الآن، وقالت إنها ستمنح الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء فرصة لتنفيذ وعوده.

وأثار هذا الكاريكاتير غضب الكثير من شاب الثورة والقوى الليبرالية، وقال ياسر محمود (ناشط سياسي) «اعتدنا من الجماعة بعد الثورة إهانة كل القوى المدنية المخالفة لآرائها»، مشيرا إلى أن الجماعة «تعتبر أي مظاهرة أو اعتصام لا تشارك فيه هو غير وطني وضد الشرعية، وكأن الشرعية معها فقط». وقال محمود «ننتظر من (الإخوان) حذف الرسوم.. ثم الاعتذار كما حدث من قبل.. ثم إهانة جديدة..».

وكان هذا الهجوم من الإسلاميين قد سبقه هجوم آخر من قوى محسوبة على التيار المدني، حين أثارت رسوم كاريكاتيرية مماثلة نشرت قبل ذلك جدلا بين السلفيين وبعض القوى الليبرالية، اكتسى بعدا طائفيا. ونشرت جريدة «أخبار اليوم» منذ نحو شهرين كاريكاتيرا لشخصية تسمى «كمبورة»، وشخص آخر، وراقصة عارية، ورُسمت في الخلفية صورة لشيخ سلفي من أصحاب اللحى الكثيفة. وتمثل شخصية كمبورة شخصا متسلقا يستغل الفرص للصعود. وإثر ذلك قدم المحامي ممدوح إسماعيل، مقرر لجنة الحريات بنقابة المحامين، بلاغا للمستشار عبد المجيد محمود النائب العام، ضد الكاتب أحمد رجب والرسام مصطفى حسين، والسيد النجار رئيس تحرير «أخبار اليوم». وقال إسماعيل في البلاغ «إن المشكو في حقهم ارتكبوا أفعالا مسيئة للإسلام، وتمثل ازدراء للأديان».

كما تعرض رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس لحملة شرسة ردا على صور نشرها على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لـ«ميكي ماوس» (الشخصية الكارتونية الشهيرة) وهو ملتح، و«ميني ماوس» ترتدي النقاب، اعتبرها كثيرون صورة مسيئة للإسلام والمسلمين. ودعا مشايخ السلفية إلى مقاطعة الشركات المملوكة لساويرس ردا على ما قالوا إنه «تهكم على الإسلام». وتجاوب مصريون مع حملة المقاطعة، الأمر الذي أجبر ساويرس على الاعتذار أكثر من مرة. وقال ساويرس، الذي أسس حزب «المصريين الأحرار» بعد الثورة «أعتذر لمن لم يأخذ الصورة على محمل المزاح، أنا اعتبرتها صورة مضحكة، ولم أعن بها عدم احترام لأي أحد».

ويرى كثيرون أن فن الكاريكاتير، الذي هو إحدى أهم أدوات التعبير عن الرأي، لا يجب أن يفرض عليه أي قيود، ولا بد أن يتسم بالحرية المطلقة، إلا أن البعض خاصة من التيارات المحافظة يعتقدون أن حرية الرأي لا يجب أن تكون «منفلتة»، ولا بد أن تحترم التعاليم الدينية والخصوصيات المجتمعية. ومنها كانت الأزمة الشهيرة الخاصة بالرسوم الدنماركية المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتي أثارت استياء العالم الإسلامي.