واشنطن ودبلوماسية الإنشاد الديني

فرقة «نايتيف دين» الإسلامية تقوم بجولات في الخارج بالتنسيق مع الخارجية الأميركية

(من اليمين) عبد المالك أحمد وجوشوا سلام ونعيم محمد أعضاء فرقة «نايتيف دين» (نيويورك تايمز)
TT

في عام 2005 عندما دعت وزارة الخارجية الأميركية «نايتيف دين»، إحدى أبرز فرق الـ«هيب هوب الإسلامي» في أميركا، للقيام بجولة نوايا حسنة تشمل مالي والسنغال ونيجيريا، لم يعرف أعضاء الفرقة ما الذي يمكن أن يفعلوه.

قال عبد المالك أحمد، أحد الأعضاء الثلاثة بالفرقة: «أينبغي أن لا نقوم بذلك؟ أم ينبغي علينا القيام بذلك؟ يقول البعض إننا سنكون مثل دمى نذهب إلى هناك لنقول إن كل شيء على ما يرام ونقول إننا نفجر بلدكم، لكن نحن أيضا لدينا مسلمون».

لم تكن الولايات المتحدة تدمر هذه الدول بالطبع، لكن الفرقة كانت تدرك جيدا العداء الذي يكنه العالم الإسلامي تجاه الحكومة الأميركية. ولذا عقد أحمد، 35 عاما، وزميلاه نعيم محمد، 35 عاما، وجوشوا سلام، 37 عاما، الذين يعيشون جميعا خارج واشنطن، اجتماعا للشورى أملا في تحديد الموقف المناسب الذي عليهم اتخاذه. وقال أحمد خلال لقائي به في جورج تاون: «لقد دعونا أشخاصا مطلعين ولديهم معرفة كبيرة. وقد قررنا عدم قبول أي عرض، لكن إذا كانت مهمتنا هي نشر التسامح والدين، فلا بأس من قبول ذلك العرض».

منذ ذلك الحين، سافر الثلاثي، الذي يعتمد على موسيقى تستخدم فقط الدفوف، لأن بعض المسلمين يعتقدون أن الآلات الموسيقية الأخرى غير إسلامية، مع وزارة الخارجية الأميركية إلى مصر وتنزانيا والأردن والأراضي الفلسطينية. وفي 1 يوليو (تموز) الحالي أصدرت فرقة «نايتيف دين» ألبومها الغنائي الثالث «ذا ريميدي» «العلاج» الذي تضمن أغنية «أونلي فير الله» «لا تخش إلا الله» و«رمضان جانا».

تقيم الفرقة نحو 40 حفلا سنويا أكثرها في محافل إسلامية ثقافية ومعسكرات صيفية. وبلغ عدد النسخ المدمجة التي بيعت خلال السنوات العشر الأخيرة 40 ألفا رغم أن أحمد أشار إلى أنه «يتم تقليد الأسطوانة المدمجة بسبب سوء حال منافذ توزيع الموسيقى الإسلامية».

أحمد ومحمد من المسلمين الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية ونشآ في ولاية ميريلاند مع قليل من المسلمين. وقال أحمد إن والديه انضما إلى مؤسسة «أمة الإسلام»، ثم أصبحا من المسلمين الملتزمين وقاما بتربيته ليصبح إنسانا ملتزما دينيا. وقال أحمد: «حاول والدي غرس قيم الالتزام بأداء الصلاة خمس مرات في اليوم، والصوم، وكل القيم الإسلامية.. لكن كشباب، كان من الصعب علينا رؤية من حولك لا يفعلون ذلك، حيث يمثل ذلك عليك ضغطا كبيرا حتى لا تصلي كي تتماشى مع الوضع». وانضم إلى منظمة «شباب أميركا الشمالية المسلمين» من خلال المسجد الذي يوجد في منطقته في تجربة وصفها بالـ«مذهلة». وقال أحمد وهو يتذكر شعوره: «شباب آخر لكن يعتنقون الديانة نفسها».

كان أحمد في الخامسة عشرة من العمر عندما قابل محمد في معسكر لتلك الجماعة في روكفيل بولاية ميريلاند. وبعد ذلك بفترة قصيرة، قابل سلام في معسكر صيفي تنظمه الجماعة في أوهايو. وفي عام 1992 ساهما في إعداد أغان في شريط كاسيت تحت عنوان «مسلم يوث أوف نورث أميركا رابس». وخلال السنوات العشر التالية، ساهم الشبان الثلاثة في إعداد أربعة ألبومات متتالية. وقال أحمد: «لقد وافق والدي على ذلك وكانت موسيقى ممتعة وذات طابع أميركي. لقد كانت مذهلة رغم قلة جودتها».

وبعد ألبوم «مسلم يوث أوف نورث أميركا رابس» الأخير عام 2000، قرر الثلاثة تشكيل فرقة «نايتيف دين». ولم يكن من الممكن أن يعتمدوا على الفرقة لجني رزقهم؛ فهم يعيلون أسرا، لذا كانوا يعملون صباحا. ويعمل أحمد مصمم مواقع إلكترونية ومن عملائه وكالة «ناسا». ويعمل سلام مسؤول الشباب بمسجد في فيرجينيا، بينما يعمل محمد في وكالة للإغاثة.

بعض المشاهير من مغني الراب المسلمين، مثل موس ديف ولوب فياسكو، منفتحون في ما يتعلق بدينهم، لكنهم لا يجعلونه المحور الذي يدور حوله فنهم؛ بل على العكس من ذلك، تكتب فرقة «نايتيف دين» كلمات إسلامية واضحة.. ولذا، تحظى الموسيقى التي تقدمها الفرقة بشعبية بين أوساط الشباب الذين ينتمون إلى أسر محافظة على حد قول سلام. ويضيف سلام: «نسعى إلى التعامل مع مجتمع المسجد. لكن الغالبية العظمى من هذا المجتمع لا يداومون على الذهاب إلى المسجد، بل ربما يرتادونه مرة كل أسبوع أو كل عام. لكننا نقابلهم من خلال دعوة هذا المسجد؛ هذا المركز الإسلامي أو إحدى منظمات الإغاثة لنا».

تعود أصول الجزء الأكبر من الجمهور، الذي يحضر العروض التي تقدمها الفرقة، إلى دول بالشرق الأوسط أو جنوب آسيا، وليس إلى أصول أفريقية أميركية. ويرى سعود عبد الخبير، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة بوردو الذي يدرس الـ«هيب هوب الإسلامي»، من أسباب ذلك أن أنغام فرقة «نايتيف دين» مثل النشيد الذي ينتمي إلى منطقة الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، يقول الدكتور عبد الخبير إن المهاجرين المسلمين، الذين ينظرون بازدراء إلى الثقافة الأميركية الأفريقية، ربما يستسيغون أعمال «نايتيف دين»، بينما يرى فيها الأميركيون من ذوي الأصول الأفريقية عدوانية مبالغا فيها في ما يتعلق بالصوت. ويضيف عبد الخبير: «لا يتفاعلون مع خفة الـ(هيب هوب) بالطريقة نفسها. لكن الجمهور من ذوي الأصول الأفريقية يمثل هذا النوع من الخفة».

لكن ديانة فرقة «نايتيف دين» تضعها في مكانة بارزة في تاريخ الـ(هيب هوب) الأميركي. ويتضح التأثير الكبير للإسلام على الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية من خلال كلمات أغاني فناني الـ«هيب هوب» الرائدين من أمثال أفريكا بامباتا ووتانغ كلين. ويوضح عبد الخبير أنه حتى عندما لا يدين مغني الراب بالإسلام، يستعير كثيرون أفكار ومفردات من الإسلام والجماعات المسلمة مثل «نيشين أوف إسلام» و«فايف بيرسيت نيشين».

ويوضح سلام قائلا: «لم يسبق أن رأينا أنفسنا كذلك لأننا كنا نقوم بالأمر بحسب. لكن الناس تنظر إلينا باعتبارنا روادا في الموسيقى الإسلامية». ويعود تأسيس (مسلم يوث أوف نورث أميركا رابس) إلى عشرين عاما مضت». وأضاف: «أعتقد أنه سيُكتب في ما بعد أن فرقة (نايتيف دين) تمثل جزءا كبيرا من تجربة المسلمين الأميركيين».

* خدمة «نيويورك تايمز»