جدل بشأن التمويل الأجنبي لمنظمات أهلية بمصر

خبراء قالوا إنه مراقب من الدولة ودعوا للدعم المحلي حفاظا على الأمن القومي

TT

وجه المجلس العسكري الحاكم في مصر اتهاما صريحا لحركة 6 أبريل بتلقي تمويل خارجي لأنشطتها، وكذا تلقي أعضائها تدريبا في دولة صربيا، وذلك من خلال بيانه رقم «69» الذي أشار فيه صراحة إلى أن حركة شباب 6 أبريل تسعى للوقيعة بين الجيش والشعب، وهو ما تلقاه أعضاء الحركة بهدوء، حيث أكدوا أن زيارة صربيا عادية ولا شبهات حولها؛ بل وجاءت بموافقة من الدولة وتحت أعينها.

وشكلت الاتهامات الموجهة لحركة شباب 6 أبريل قمة الجدل حول حقيقة التمويل التي تتلقاه الحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني بعدما أثير أن الولايات المتحدة قد خصصت ما يفوق الـ65 مليون دولار أميركي لمنظمات المجتمع المدني لدعم أنشطة الديمقراطية في مصر، وهو ما قوبل في القاهرة باستهجان واستنكار شديدين من مختلف القوى السياسية وأصبح مادة خصبة للتشكيك في وطنية الحركات الشبابية. ووفقا لصحافية أميركية مطلعة في الكونغرس الأميركي، فإن الكونغرس خصص المزيد من الأموال هذا العام لمنظمات المجتمع المدني المصري من فائض المشروعات الأخرى التي يمولها.. كذا أشارت إلى أنه ربما يكون هناك مخصصات أخرى في الطريق للقاهرة.

كما كشفت موظفة بهيئة تمويلية أممية بالقاهرة عن وجود تغير كبير في تخصيص أموال المنح الواردة لمصر من برامج التنمية المحلية التي كانت تلتهم النصيب الأكبر من التمويل، إلى برامج دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، كما أوضحت أن الاتحاد الأوروبي مهتم بشدة ببرامج دعم ثقافة حقوق الإنسان. كما كشفت أيضا عن وجود تكالب من جهات عدة على سرعة الانتهاء من إجراءات إنشاء جمعيات أهلية للحصول على منح خارجية.

وحصلت «الشرق الأوسط» على المواد الأكاديمية التي تلقاها المشاركون في التدريب بصربيا، خاصة الجزء المثير للجدل المتعلق بالكفاح السلمي؛ حيث انصب التدريب الذي استغرق أسبوعا حول كيفية مواجهة قمع الأجهزة الأمنية التابعة للنظم الديكتاتورية بالطرق السلمية، و«كيفية حشد المظاهرات الحاشدة السلمية». ولعل الجزء الأبرز كان حول استخدام الطرق غير التقليدية للمقاومة السلمية عبر تأليف الأغاني الحماسية البسيطة، والرسم الغرافيتي على الجدران لبعث رسائل سياسية، وكذا استخدام أقل الموارد المتاحة لتحقيق أكبر نتائج ممكنة على الأرض، وعبر استخدام «فيس بوك» لحشد المتظاهرين.

وعن مدى استفادة حركة 6 أبريل أثناء الثورة من التكتيكات التي تلقتها في تدريبها بصربيا، قال المتحدث الرسمي باسم الحركة محمد عادل: «القول إننا أسقطنا نظام مبارك من خلال تلك التدريبات مغالطة كبيرة، فلقد طورنا كل ذلك من خلال دراستنا لتجارب الثورات العالمية الأخرى، فالغرافيتي والمسيرات السلمية ثقافة عالمية موجودة منذ قديم الأزل».

وأضاف عادل أنه حضر المعسكر التدريبي بصربيا بصفته مدونا مصريا لا غير. وتقول مؤسسة «فريدوم هاوس» للديمقراطية، على موقعها الإلكتروني إنها درجت على إرسال نشطاء حقوقيين وسياسيين ضمن برنامجها «جيل جديد للناشطين» بالتعاون مع بعض المنظمات المحلية في مصر بهدف خلق جيل جديد من دعاة الديمقراطية في مصر، وأضافت المنظمة أنها أرسلت رحلات مماثلة لعدة دول، كان من بينها رحلة لجمهورية الصرب. ووصف عادل الهجوم الشرس على الحركة الآن بأنه محاولة تشويه متعمدة لكل القوى الثورية الموجودة في الشارع المصري، وقال عادل لـ«الشرق الأوسط»: «هي مؤامرة على الثورة، وحركة 6 أبريل مجرد البداية. بعض الفلول يحرضون المجلس العسكري علينا بشكل فج». واستشهد عادل بالصورة التي عرضها التلفزيون المصري له حاملا سلاحا بجوار سيدة حيث قال: «أجهزة الدولة تعرف أنها صورتي في غزة حين زرتها في يناير (كانون الثاني) 2008 وذلك حين ذهبت للتضامن مع أم نضال السيدة التي استشهد أبناؤها الثلاثة في عمليات استشهادية».

يذكر أن عادل اعتقل لأربعة أشهر على خلفية تلك الزيارة. واعترف عادل، الذي نفى تلقي حركته لتمويل خارجي، بأن الاتهامات الموجه للحركة ستقلل من مصداقية الحركة وكل قوى المجتمع المدني في مصر حيث قال: «ما يحدث هو اغتيال معنوي لنا، ولكن يكفينا أننا واجهنا مبارك حين توارى الآخرون».

وقالت سارة فؤاد الناشطة الحقوقية إن الزيارة التدريبية التي جرت في صربيا وشغلت الرأي العام بمصر كثيرا كانت عبارة عن منحة دراسية تابعة لمؤسسة «فريدوم هاوس» للديمقراطية ضمن برنامج «جيل جديد للناشطين» في يونيو (حزيران) 2009. وأوضحت فؤاد، وكانت إحدى المشاركات في الزيارة، أن الزيارة كانت عبارة عن تدريب على كيفية إحداث التغيير بالطرق السلمية، وأن الكثير من المزاعم تم تلفيقها حول التدريب الذي تلقيناه في مدينتي باليتش وبلغراد الصربيتين على مدار أسبوعين.

وأضافت فؤاد لـ«الشرق الأوسط» أن «المدربين لم يختصوا حركة 6 أبريل بأي معاملة تفضيلية أو مميزة»، حيث أوضحت أنه «تم التعامل معنا بصورة محايدة ودون تفضيل لأحد ولم يكن هناك أي معاملة تمييزية أو تفضيلية».

ويعتقد حافظ أبو سعده، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن الاتهامات الموجهة لحركة شباب 6 أبريل تطعن في شرعية الثورة أساسا، وقال أبو سعده لـ«الشرق الأوسط»: «الرغبة في التغيير كانت موجودة لدى المواطن المصري، كما أن حركة 6 أبريل جزء من الحراك السياسي في مصر ولا تحتكره».

ويرى أبو سعده أن التمويل الخارجي بمختلف مصادره، أجنبيا كان أو عربيا أو إسلاميا، يشكل خطرا على الأمن القومي المصري في ثلاث حالات، إذا كان سري المصدر وغير معلن، ودون محاسبة، ودون موافقة الدولة المصرية، موضحا بقوله: «نعم هناك جهات خارجية تلعب في مصر عن طريق التمويل الأجنبي، وهو قد لا يرتبط بطبيعة الحال بمنظمات المجتمع المدني فقط»، محذرا أيضا من تلقي بعض الأحزاب السياسية تمويلا سرا (من الخارج) لأنه «سيكون الطامة الكبرى»، و«قد يأتي بحكومة تدين بالولاء لدولة أجنبية».