درعا «مهد الانتفاضة».. اسم جديد لمواليد سوريين ينبئ بعهد حديث من الولاءات

ناشطون سوريون أكدوا تماسك المجتمع.. لكنهم حذروا من استمرار الحكومة في اللعب بالورقة الطائفية

TT

اختار ناشط سوري في مدينة حمص السورية لطفلته، التي ولدت هذا الشهر، اسما لم يكن له صدى واسعا حتى وقت قريب، وهو اسم «درعا»، تلك المدينة السورية الجنوبية التي انطلقت منها الشرارة الأولى للانتفاضة السورية المناهضة للنظام الحاكم.

تزخر سوريا بمثل هذه القصص التي تعبر عن التضامن هذه الأيام، مما يساعد على تجاوز خلافات سيطرت على الساحة السياسية في سوريا على مدار عقود. وعلى الرغم من ذلك، ما زالت هناك خلافات قديمة قائمة مرتبطة بالجغرافيا والطبقات الاجتماعية والطوائف الدينية، على وجه التحديد. ويقدم السوريون تفسيرات متباينة لذلك، ويقول متظاهرون إن الأمر يعود إلى تصرفات خبيثة من جانب حكومة تعتمد على مبدأ «فرق تسد»، بينما تشير الحكومة إلى متعصبين إسلاميين يسعون إلى فرض استبداد الأغلبية.

وربما يحدد الاتجاه الذي سيسود - الولاءات الجديدة القادمة من رحم الانتفاضة أم الخصومات القديمة - مصير الانتفاضة السورية التي بدأت قبل 4 أشهر. وتتصادم هذه القوى بمختلف المناطق التي تشهد احتجاجات، لا سيما داخل حمص، وتشير إلى واقع كئيب لانتفاضة مناهضة للرئيس بشار الأسد. وكلما بقيت الحكومة في السلطة، قلت قدرة سوريا على تجنب فتنة أهلية وعمليات تطهير عرقي وأعمال عنف طائفية، مثل تلك التي قتل فيها 24 شخصا على الأقل في حمص الأسبوع الماضي. وعلى عكس مصر، وعلى الرغم من أمل المحتجين وتفاؤلهم، فإن الوقت ليس بالضرورة في صالحهم، ويقر البعض بهذا الأمر.

ويقول إياد (27 عاما)، الناشط الذي سمى ابنته على اسم مهد الانتفاضة: «إذا استمرت الحكومة تلعب بالورقة الطائفية، فسيحدث ما يريدون. وإذا استمر هذا النظام، فستقع حتما حرب أهلية»، ولا يعني ذلك أن الجميع يعرفون بالفعل شكل الدولة التي يريدها المتظاهرون.

وفي حمص الأسبوع الماضي، تناقش نشطاء حول أوجه الاختلاف بين الدولة المدنية والدول الإسلامية، وقالوا إن كلا منهما يجب أن يعتمد على الشريعة. وتخشى أقليات من تيارات مسلحة داخل الأغلبية السنية. ويشعر السنة بالضيق من الظلم الذي عانوا منه على مدار عقود تحت دولة تقودها أقلية علوية. ويحتفي بعض النشطاء بالوحدة التي تسببت فيها الانتفاضة، محذرين من أن القمع يثير فتنة.

ويقول ضابط سابق في الحرس الجمهوري انضم إلى صفوف المحتجين داخل حمص، ثالث أكبر المدن السورية التي توجد بها أغلبية سنية وأقلية علوية: «ستدفعنا الحكومة تجاه أعمال العنف. يظن الكثيرون أن الأمر انقضى تقريبا، ولكني لا أرى ذلك. للأسف، سيتحول الوضع إلى أزمة»، وكان يعني بذلك سقوط دماء.

وكما هو الحال داخل العراق، يسيطر على المشهد تنوع طائفي، على ضوء الأقليات الكبيرة المسيحية والعلوية والكردية في سوريا. وتوجد انقسامات أقل وضوحا، بين مدن مثل دمشق وحلب، والريف والمناطق الحضرية وداخل العشائر، لا سيما شرق البلاد. ويقول سكان داخل حماه إنهم يشعرون منذ زمن طويل بالتمييز ضدهم، لا سيما داخل الجيش، الذي نفذ إجراءات قمع وحشية في حماه عام 1982. وكان هناك تنافس تقليدي بين حماه وحمص في وسط سوريا. وفي هذه الأيام ترتفع هتافات في احتجاجات تشير إلى إحساس متنام بالقومية.

وفي جامع خالد بن الوليد، مركز المعارضة في حمص، هتف متظاهرون: «بالروح بالدم نفديك يا درعا»، ويمكن سماع عبارات التضامن مع حمص، التي تشهد إجراءات قمعية باستمرار، داخل حماه، حيث يقول نشطاء إنه في بعض الأحيان يسافرون ذهابا وإيابا في سعي لإيجاد ما وصفه أحد النشطاء بـ«ثقافة الاحتجاج».

وقال أحمد (28 عاما)، وهو محتج، بينما كان يجلس مع آخرين في منزل آمن بالقرب من حمص: «هذا هو جمال الثورة»، مشيرا إلى أن أصدقاءه الجالسين لم يكونوا يعرف بعضهم بعضا قبل الاحتجاجات. وقال: «هذه هي نتيجة قمع النظام. والآن نحن مستعدون للدفاع عن بعضنا».

وغالبا ما يردد نشطاء أن الانتفاضة السورية هي «ثورة أيتام»، ويفخر نشطاء شباب بأنهم ينظمون أنفسهم وفقا للمناطق في المعركة ضد حكم الأسد. ولكن يشير ذلك إلى انقسامات تتشكل، حيث تتشابك التوترات الطائفية مع مباعث ضيق أخرى.

ويشعر الكثيرون في حمص وحماه بالغضب مما يعتبرونه إذعان أميركي وأوروبي وتركي لبقاء الأسد في السلطة. وغالبا ما يعبرون عن استياء من حلب، ثاني أكبر المدن السورية، التي لا تزال هادئة نسبيا. ويقول ناشط شاب في حماه، قال إن اسمه مصطفى: «توجد حالة من الغضب من حلب، هذا موجود بالفعل». وعبر باسم، وهو أحد أصدقائه، عن موافقته على هذا الرأي، وأضاف: «تستفيد حلب من النظام الحاكم ومن نشاط تجاري مع النظام الحاكم».

وربما الأبرز وضوحا هو الغضب من حزب الله، داخل لبنان، الذي دعم الحكومة السورية بشكل لافت. وكان حزب الله يحظى بشعبية كبيرة داخل سوريا، حيث تسود مشاعر العداء لإسرائيل والضيق من السيطرة الأميركية على المنطقة. ولكن دعم حزب الله لنظام الأسد أثار إحساسا من الخيانة من حركة تثمّن فكرة المقاومة. وقال ماهر، أحد المحتجين داخل حماه، بينما كان يجلس مع صديق قال إن اسمه أبو محمد: «لقد بدأنا نكرههم أكثر مما نكره إسرائيل». وقال أبو محمد إنه في حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، التي أجبرت مئات الآلاف على ترك منازلهم، وفرتُ مكانا لـ40 عائلة شيعية لمدة شهر. وقال: «(وفرتُ) الطعام والشراب، ولم آخذ شيئا في المقابل. والآن هم مع النظام. ولكن ليس النظام هو الذي فتح أبواب المنازل لهم».

وكثيرا ما يؤكد السوريون أن دولتهم ليس بها الانقسامات الطائفية الموجودة داخل العراق أو لبنان، وكل منهما شهد حربا أهلية. وفي حماه، كان مواطنون يحتفلون الأسبوع الماضي بزيارة قام به 6 علويين من قرى مجاورة في يونيو (حزيران) لينضموا إلى مظاهرات ضخمة في ميدان عاصي.

ويرى الكثير من سكان حمص وحماه أن الحكومة وراء عمليات تحريض، وأن لها يدا واضحة في أي عملية استفزاز للمواطنين. وأكد السكان أنه بعد جمعة دموية في يونيو، قامت قوات الأمن بإلقاء حقائب تحتوي على «كلاشنيكوف» وذخيرة في شوارع منطقة هدير، وهي منطقة في حماه يعيش فيها معظم الضحايا، في محاولة لدفع المواطنين نحو قتال مسلح. وقال ناشط شاب، يطلق على نفسه اسم عبد الرزاق: «لم يقترب أحد من هذه الأشياء. لقد أدركوا أن عليهم تركها. وأدركوا أيضا أن هذه خدعة من النظام».

وبعد مرور بضعة أسابيع، ساعدت الحكومة في تنظيم مظاهرة مؤيدة للأسد في بلدة تقول كل أسرة تقريبا داخلها إن لديها أحد قُتل أو جُرح أو اعتقل أو اختفى في الأعمال القمعية عام 1982، التي أمر بها حافظ الأسد. وأكد الكثير من السكان أن الموالين قد هتفوا «يا حافظ.. أعد أحداث 1982.. فهم لم يتعلموا الدرس».

ويتذكر ناشط آخر ما حدث قائلا: «عندما ذكروا هذا، لم يستطع أحد السيطرة على نفسه». وقال مواطنون إنه خلال دقائق معدودة استشاطت الحشود التي كانت تحافظ على هدوئها وقامت بالهجوم على سيارات المتظاهرين وأحرقوا بعضها وحافلة جاءوا فيها إلى المدينة.

ويقر المتظاهرون أنفسهم بالصورة التي تعمقت بها التوترات الطائفية، خصوصا بين السنة والعلويين في حمص، وداخل المناطق الريفية على وجه التحديد. واتسعت صفحات «فيس بوك»، تتبع المظاهرات بصورة ظاهرية، لكلام بذيء ضد علويين رغم أنهم غير موحدين في دعمهم للنظام الحاكم، كما أنهم من الناحية التاريخية من أكثر من تعرضوا للاستغلال والإهانة في سوريا.

ويتحدث المتظاهرون عن أهمية التواصل مع المسيحيين والعلويين، ويحذرون في الوقت نفسه من أن العلويين في الريف سيواجهون رغبة في الانتقام من سنة يصرون على الثأر من جرائم قوات الأمن. وتتصاعد الشكاوى في حمص من أن عملاء الحكومة يفتشون منازل السنة فقط.

وفي عمليات إراقة الدماء التي تعرضت لها حمص الأسبوع الماضي، والتي حملت بصمة طائفية واضحة، وقعت حادثة أخرى لم تلاحظ على نطاق واسع، حيث قتل أحد العلويين يوم الأحد الماضي في مدينة أقربية بالقرب من الحدود اللبنانية. وفي الساعات التالية، اندفعت قوات الأمن إلى المنطقة ومكث السنة في منطقة برهانية المجاورة داخل بيوتهم. وعلى الرغم من أنه يربطهما طريق واحد، لم يجرؤ أحد على أن يذهب إلى المنطقة الأخرى. وتوقع الجميع وقوع المزيد من عمليات القتل.

يقول إياد، والد «درعا»: «عملية قتل واحدة كانت كافية لخلق الكراهية».

* خدمة «نيويورك تايمز»