الصوماليون يفرون من المجاعة على طريق الموت

نازحون قطعوا 100 ميل ومروا بجوار جثث لأمهات وأطفال وعجائز

TT

بدأ النازحون الصوماليون في التقاطر على مدينة دولو، الواقعة على بعد أميال قليلة من الحدود الإثيوبية، في مارس (آذار) الماضي، وبعدما ضرب الجفاف الصومال، تحول هذه التقاطر إلى فيضان، حيث يتوافد القادمون الجدد حاملين حقائب ملابسهم الصغيرة ومتعلقاتهم الشخصية الضئيلة الأخرى، وإلى جوارهم، سار أطفالهم الذين يعانون من النحافة والهزال. وتبدو غالبية هؤلاء الأطفال أصغر من أعمارهم الحقيقية، لكنهم محظوظون على الأقل لأنهم نجوا من هذه الرحلة، حتى الآن على الأقل.

للوصول إلى هنا، كان على هؤلاء النازحين قطع عشرات الأميال، والبعض منهم اضطر إلى قطع مسافة تزيد على مائة ميل. وقد مر غالبيتهم إلى جوار جثث لأمهات وأطفال وعجائز، ومن أضعفهم الجوع وجعلهم غير قادرين على النجاة بحياتهم.

هناك عشرات الآلاف من الصوماليين، غالبيتهم من النساء والأطفال الذين يعيشون حياة الترحال هربا من أسوأ مجاعة يشهدها القرن الأفريقي خلال ثلاثين عاما.

عانى هؤلاء الصوماليون من عقدين من الحرب الأهلية وموسمين متتالين من انقطاع الأمطار. والآن وبعد موت الماشية والمحاصيل الزراعية، ومعاناة أطفالهم من سوء التغذية وارتفاع أسعار الغذاء بشكل كبير، فقدوا الأمل في أي وسيلة تمكنهم من البقاء على قيد الحياة.

وقد تقوض أي أمل في الحصول على مساعدات عالمية، نظرا لسيطرة ميليشيا الشباب المرتبطة بـ«القاعدة» على قطاعات كبيرة من مناطق جنوب الصومال التي ضربتها المجاعة، التي تحول دون وصول وكالات المساعدات الدولية لتقديم المساعدة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرتها. وقد فرضت المنظمة ضرائب باهظة على الصوماليين على الطعام والبضائع الأخرى، وهو ما زاد من عمق الأزمة. وتنكر ميليشيا الشباب وقوع مجاعة، رافضة زعم الأمم المتحدة مقتل عشرات الآلاف من الصوماليين غالبيتهم من الأطفال بسبب المجاعة.

بيد أن ما يقرب من 170.000 صومالي فروا إلى معسكرات اللاجئين المزدحمة بالفعل في كينيا وإثيوبيا منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة التي نشرتها يوم الاثنين الماضي. ففي كينيا، يصل ما يقرب من 1.300 صومالي يوميا، وما يقرب من 1.700 إلى إثيوبيا. وغالبيتهم يقطعون رحلات شاقة وعلى أجسادهم حفرت الرحلة آثارها التي قد لا تندمل في أي وقت قريبا.

وتشير تشوكون محمد إلى أنه قطعت أكثر من 130 ميلا للحصول على مساعدة لطفلها الذي أنهكه الجوع.. وفي حين تمشي بصعوبة عبر هذا المشهد الكئيب، الذي خيمت عليه المجاعة، تتساءل عما إذا كان ابنها صادق سينجو من المرض أم لا. وتقول تشوكون بصوت متهدل: «إذا قدر الله موته فسوف يموت. لقد رأيت الكثير من الأفراد يموتون عبر الطريق».

ويقول جوسيت شيران، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء للأمم المتحدة، لمراسلي وكالات الأنباء في نيروبي يوم الأحد: «لقد أصبحت هذه طرق الموت. فأكثر من نصف النساء الذين تحدثت معهم اضطروا إلى ترك أطفالهن ليموتوا أو مات أطفالهن». وأضاف: «يمكننا القول إن جيلا كاملا يموت في القرن الأفريقي، ومن سينجون من هذه المجاعة يمكن أن يتأثروا بشدة».

حملت تشوكون طفلها في هذه البلدة الحدودية، حيث وصلوا قبل يوم من رحلتهم التي استمرت شهرا.. كان صادق ساكنا.. عيناه نصف مغلقة، وجسده متغضن من سوء التغذية، وقبل لحظات كان قد استقاء الحليب القليل الذي رشفه.

لم يكن هناك أطباء أو وكالات مساعدة توزع الطعام، ولم يجد القادمون الجدد سوى الجلوس تحت ظلال الأشجار أو قطع الأراضي الخالية في انتظار المساعدة.

وتقول تشوكون: «أنا أطلب من المجتمع الدولي أن يمنحني الدواء لأساعد طفلي والطعام لإطعام عائلتي. لكني حتى الآن لم أحصل على أي دعم».

من بين القصص الأخرى قصة «هوا مادي» التي اعتمدت على مساعدة أقاربها، لكن محاصيل عائلتها ماتت غالبيتها، ومات قطيعها من الماشية والماعز، وقد عزل النزاع منطقتها ليقوض التجارة مع المناطق الأخرى، وارتفع سعر الذرة، الغذاء الرئيسي، بصورة زادت على 70 في المائة.

يذكر أن حركة الشباب منعت وكالات الإغاثة من الدخول إلى المناطق التي تسيطر عليها، متهمة إياها بأنها جواسيس للغرب أو جنود صليبيون. وقد زادت الهجمات الأميركية المتصاعدة ضد الميليشيا من الشكوك وزادت من تعقيد المفاوضات في وصول المساعدات. وأشار مسؤولو الأمم المتحدة الأسبوع الماضي إلى أن «الشباب» تعهدوا بالسماح لوكالات المساعدات الأجنبية بالدخول إلى المناطق التي تسيطر عليها لمساعدة الضحايا.

وقد قوض رجال الميليشيا من وصول كمية الطعام الضئيلة التي تستطيع مادي أن تبيعها في السوق؛ ففرضوا الزكاة على كل ما يبيعه الأفراد. وهذه الضريبة عادة ما تشكل 5 إلى 10 في المائة من قيمة المبيعات، لكنها قالت إنهم كانوا يحصلون منها على أكثر من ذلك. ثم فقد أقاربها محاصيلهم وماشيتهم ولم يكن أمامهم سوى أن يغادروا المنطقة.

وتقول مادي، 25 عاما، التي وصلت إلى دولو مساء السبت الماضي بطفليها بعد أن قطعت 60 ميلا خلال أربعة أيام: «لم نعد نملك شيئا».

نظرت إلى طفليها، اللذين يتراوح عمريهما بين الثالثة والثانية، وكان جلدهما أصفر، والقروح على رؤوسهم، دليلا على سوء التغذية، وتقول مادي: «أنا قلقة كثيرا بشأن ما سيحدث لأطفالي، هل يمكنك أن تساعدني».

في مكان قريب وتحت شجرة جرداء، جلست أميسو، البالغة من العمر عاما واحدا، في حالة مزرية، تعاني من الإسهال والأنيميا، وقد تحولت جفونها إلى اللون الأبيض، وتقول والدتها غاني إبراهيم: «منذ ولادتها، لم نطعمها سوى اللبن المخفف».

كان عليهم أن يسيروا ليومين من المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة الانتقالية الضعيفة والفاسدة المدعومة من الولايات المتحدة والتي لم تخصص سوى موارد محدودة للتخفيف من هذه الأزمة. وتركز الحكومة على منع «الشباب» من إقامة إمارة إسلامية في الصومال؛ آخر تجسيد للحرب الأهلية منذ أن ابتليت بها البلاد.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»