النازحون الصوماليون يروون حكايات مفزعة أثناء هروبهم من المجاعة

سيدة مات ابنها في الطريق وزوجها لا يقدر على الحركة

TT

من المقرر أن تبدأ الأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، إيصال كميات كبيرة من المواد الغذائية إلى المتضررين من المجاعة في الصومال، وقالت جوزيت شيرن: «إن برنامج الغذاء العالمي حدد ثلاثة أماكن لإنزال الشحنات الغذائية، وهي مدينة (دولو أدو) على الحدود الإثيوبية الصومالية، ومخيم (دداب) للاجئين في شمال كينيا، وأيضا مطار العاصمة مقديشو، وتم اختيار هذه المناطق الثلاث لأنها الأقرب إلى أماكن وجود المتضررين من المجاعة».

وتقول المنظمات الطوعية غير الحكومية، إنه بسبب عدم كفاية إمدادات الإغاثة التي تصل، للتعامل مع الاحتياجات، وازدياد الطلب على الغذاء، ترك الكثير من النازحين الضعفاء دون إغاثة بسبب التدافعات الخطيرة. إلى ذلك، قالت مصادر طبية إن الأوضاع الصحية في المخيمات التي تؤوي المتضررين النازحين، الذين شردهم الجفاف، تتفاقم، مما أدى إلى سقوط عدد من الأطفال وكبار السن جراء إصابتهم بالأمراض المعدية. وتوفي نحو 9 أشخاص معظمهم أطفال بسبب الإسهال والحصبة، بينما يوجد آخرون في الأكواخ، وهم يعانون من الأمراض نفسها، دون أن يجدوا علاجا. وذكر أطباء بمستشفى بنادر بمقديشو للأطفال والأمهات، أنهم يستقبلون حوالي أربعين حالة يوميا، معظمهم من أطفال الأسر النازحة. وأشار الأطباء إلى أن الاكتظاظ بالمخيمات وعدم الاهتمام بالنظافة في مخيمات النازحين، واستعمال مياه ملوثة، هي من العوامل الرئيسية التي تساعد في انتشار الأمراض المعدية بسرعة كبيرة داخل مخيمات النازحين.

وفي مخيم «بدبادو»، الذي أنشأته الحكومة الصومالية في الجزء الجنوبي، الذي يتوافد إليه النازحون من المناطق القريبة، روى الناس شهادات مفزعة عن معاناتهم في الطريق، وتروي فاطمة مادي (34عاما) التي هربت بأطفالها الثلاثة، مقبلة من منطقة شبيلي السفلى (أعلنت الأمم المتحدة أنها منكوبة بالمجاعة)، أن أسرتها الصغيرة فقدت كل مواشيها بسبب الجفاف، «وقرر زوجي بعد أن فقدنا آخر ما نملكه، وهو بعير العائلة الذي أصيب بالإنهاك الشديد، أن نغادر المنطقة بحثا عن الطعام لأولادنا، وقطعنا مسافة 120 كم مشيا على الأقدام، إلى أن وصلنا إلى الطريق العام بحثا عن سيارة متوجهة إلى العاصمة مقديشو». وتابعت: «لم نستطع الذهاب إلى مخيمات اللاجئين في كينيا؛ لأننا لم نكن نملك الثمن الكافي للوصول إلى هناك، وبدلا من ذلك توجهنا إلى العاصمة مقديشو، وحملنا الأطفال على حمار لنا، كان يعاني هو الآخر من التعب والهزال، وانتظرنا ثلاثة أيام كاملة في جانب الطريق، وتوفي أحد أطفالنا بسبب الجوع والمرض، لم يكن لدي شيء، فقط لففناه بأحد الأسمال التي كانت معنا ودفناه بجانب الطريق، وبكينا عليه كثيرا. وأخيرا تبرع أحد سائقي الشاحنات، الذي كان ينقل مجموعة من اللاجئين، بنقلنا إلى مقديشو بعد توسلات طويلة؛ لأننا لم نكن نقدر على دفع أجرة التوصيل (نحو 15 دولارا). وكان آخر مشهد رأيته حمارنا وهو يغالب التعب بجانب الطريق، وبكيت مرة أخرى؛ لأنه كان جزءا من العائلة وعمادنا لسنوات طويلة».

لم تنته مأساة فاطمة عند هذا الحد فخلال الرحلة تقاسم طفلاها المتبقيان أرغفة خبز جافة مع الركاب وبعض الماء، وتقول إنها كانت قلقة على حياتهما، وأن يلقيا مصير أخيهما الأصغر الذي توفي لتوه بسبب الجوع. وعندما وصلت الشاحنة إلى مشارف العاصمة، تركهم السائق بالقرب من مخيم بدبادو بجنوب مقديشو، وعندما وصلت العائلة إلى المكان لم تجد مكانا تأوي إليه من الحر والبرد، فهي وزوجها وطفلاها الاثنان أصابهم الهزال الشديد والإعياء؛ نتيجة طول السفر والجوع، وفي داخل المخيم جمع بعض النازحين لهم عددا من ورق الكرتون وبعض العيدان، «وبما أننا لا نقدر على بناء كوخ صغير فقد ساعدنا الناس على إقامة الكوخ، وجيء لنا ببعض الطعام والماء والأدوية»، إلى أن وصل موظفو المنظمات المحلية وتم إسعافهم.

وتتذكر فاطمة المشاهد التي رأتها في الطريق وهي في السيارة، حيث الرعاة والقرويون المنهكون يجثون على جانبي الطريق المغبر وهم يلوحون بأيديهم للسيارات العابرة، وتقول فاطمة وهي تغالب الدموع إنها تعتقد أن كثيرين منهم سيموتون وهم ينتظرون شاحنة تنقلهم، كما مات ابنها الأصغر «مسعود» على جانب الطريق وهم ينتظرون السيارة، وترى نفسها محظوظة لأنها الآن، على الأقل، وسط أناس مثلها، وتجد بعض الطعام وما يشبه المأوى، وزوجها على قيد الحياة مع أنه لا يقدر على الحركة بشكل جيد؛ لأنه متعب ومصاب بعدد من الأمراض.

لا تفكر فاطمة في شيء غير أسرتها الصغيرة: زوجها المريض وطفليها الاثنين، وليس لديها أخبار عن أقربائها في المنطقة، الذين ذهبوا هم أيضا في كل اتجاه بحثا عن الطعام والماء بعد أن تقطعت بهم السبل، وقد يكون بعضهم فارق الحياة قبل أن يصل إلى مكان يجد فيه طعاما، وقد يكونون محظوظين مثل فاطمة، وينجون من الموت جوعا في نهاية الأمر.