أفغانيات يخشين العودة لمآسي طالبان

أعضاء بمجلس شكله كرزاي لمفاوضة المتمردين يشكون «التهميش» رغم الوعود الداخلية والخارجية

فوزية كوفي (واشنطن بوست)
TT

في وقت كانت فيه الأفغانيات التسع اللائي تم تعيينهن ضمن الفريق المكلف التفاوض مع قادة طالبان مستعدات لمواجهة مهندسي النظام الأفغاني السابق الأكثر قمعية، فإنهن لم يكن على استعداد لمواجهة عدد كبير من الانتقادات من النساء اللائي يزعمن أنهن يمثلنهن.

فمع تركيز الحكومة الأفغانية، وبتأييد من الولايات المتحدة والقوى الأجنبية الأخرى، على إنهاء الحرب التي يمكن أن تتضمن اتفاقا مع المتمردين، أحدثت هذه الاستراتيجية صدعا بين «المجلس الأعلى للسلم» الذي أنشأه الرئيس حميد كرزاي، والذي سيقود نساؤه التسع والرجال الستون إدارة المفاوضات مع طالبان، وقادة حقوق النساء في أفغانستان الوليدة.

والمشكلة الرئيسية في الحوار مع طالبان تتمثل في كيفية الحفاظ على المكاسب التي حصلت عليها النساء خلال السنوات العشر الماضية خلال المحادثات مع هذه المجموعة القاسية سيئة السمعة. فمنذ سقوط حكومة طالبان في أواخر عام 2001، تمت إعادة فتح مدارس للفتيات وتولت النساء مناصب حكومية رفيعة ولم يعد البرقع ضمن قانون اللباس الرسمي في الدولة. لكن مع انضمام طالبان إلى طاولة المفاوضات التي يفوق فيها الرجال النساء في المكانة والعدد، تبدي الكثيرات منهن خشية تجاه المستقبل، فتجد الكثير من عضوات «مجلس السلم النسائي» مثل نجية زيواري أنفسهن في موقف المدافع. وقالت زيواري: «النساء في المجلس، يرغبن في معرفة ما إذا كانت طالبان ستحترم حقوقنا، وأن هذا التقدم سيتواصل. نحن نرغب من النساء في أفغانستان أن يعلمن أننا قادرات على التعبير عنهن».

لكن النساء في أفغانستان غير مقتنعات بذلك. ويضم المجلس الذي قام كرزاي بتعيين أعضائه عددا من أمراء الحرب وأعضاء سابقين في جماعة طالبان. أما النساء الأعضاء في المجلس فيتألفن من مدرسات سابقات وناشطات وسياسيات، كل منهن تحمل في داخلها قصصا تتحدث عن الرعب الذي عاشته في ظل حكم طالبان في الفترة من عام 1996 إلى 2001 والمآسي أملا في ألا يعودوا إلى الماضي. وأشار كرزاي إلى أنهن قد يساعدن في دمج «إخواننا في طالبان» في حكومة تحالف.

ويرى المسؤولون الغربيون حضور النساء ضمن فريق التفاوض، أمرا إضافيا إلى اللجنة المهتمة بحقوق كل الأفغان. لكن عندما التقى المجلس للمرة الأولى، سرعان ما تم تهميش السيدات التسع. وقالت زيواري: «قال لنا الرجال في المجلس (مرحبا.. كيف حالكن؟) ثم بدأوا في تجاهلنا، ولم تكن لنا مساحة للتعبير».

أجرى أعضاء «المجلس الأعلى للسلم» العديد من المحادثات مع مسؤولي طالبان لكن المحادثات الرسمية لم تبدأ بعد، بحسب مسؤولين داخل اللجنة. غير أن طالبان من جانبها تنفي وجود مثل هذه المحادثات. وقال أحد الأعضاء البارزين في اللجنة طالبا عدم ذكر اسمه: «نحن نحاول أن نصل إلى نقطة يمكن من خلالها للطرفين الموافقة على إطار عمل المصالحة».

ولم يسمح للنساء الأعضاء في المجلس المشاركة في المحادثات التمهيدية، مما تركهن عرضة لاتهامات من قبل نظيراتهن من النساء بأن تواجدهن داخل المجلس هو لمجرد الدعاية فقط. وتقول فوزية كوفي، وهي عضو بالبرلمان الأفغاني: «هؤلاء الأفراد لا يمثلن النساء الأفغانيات. هم يفاوضون من أجل حقوقنا، من أجل حقوقي وحقوق بناتي، من موقف ضعف». الكثير من النساء يدعمن فكرة المحادثات مع طالبان، لكن من دون شروط مسبقة وتمثيل جوهري، بحسب كوفي والعديد من السياسيات والناشطات النسائيات الأخريات.

وقال كرزاي إن حقوق النساء لن تكون ضحية عملية السلام، لكن هذا التمثيل غير المتوازن للمجلس الأعلى للسلم، والتجربة الأولية للأعضاء من النساء ألقت بالشكوك على هذه التأكيدات. وترى سريا بارليكا، رئيسة «اتحاد كل النساء الأفغانيات» أن «حكومة كرزاي تفاوض على حقوقنا من خلال المفاوضات الحالية. المحادثات ستبدأ قريبا، وهم متسرعون جدا في بدئها، والنساء بيادقة في المجلس».

ويرى قادة المجلس من الرجال أن نظيراتهن من النساء ليس لديهن توقعات فعلية. ويقول عطاء الله لودين نائب مدير المجلس: «إنهن يرغب في الذهاب كمجموعة للقاء (زعيم طالبان) الملا عمر، لكن ذلك غير ممكن، فإذا ذهبن سيقتلن». ويقول ضاحكا: «جميعنا يعلم أنه لا يمكن إخفاء النساء لأكثر من 34 ساعة».

وخلال حكم طالبان عملت زيواري، عضو مجلس النساء، مع النساء الفقيرات، وقد تعرضت لمضايقات والسرقة والضرب. وقالت زيواري: «قلت لنفسي إنني لن أستسلم، وسأعمل من أجل إنشاء أفغانستان مسالمة تكون فيها مساحة للنساء، وهو ما يعني الجلوس للتفاوض مع طالبان».

ويرى الكثير من الأفغان في هذا النوع من التفكير أمرا خطيرا. فما إن تعود طالبان إلى الحكم مرة أخرى ستتمكن من استئناف معاملتها المروعة للنساء، بغض النظر عن بنود أي اتفاق للسلام. ويقول توم مالينووسكي، مدير فرع واشنطن في منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية: «عملية المفاوضات ضرورية لحل النزاع مع طالبان، لكنها ستعرض حقوق النساء للخطر. ربما يكون من الأفضل مواجهة ذلك بشفافية تامة وبذل الجهد لمحاولة احتواء الخسائر التي قد تنجم عن ذلك عوضا عن الاعتقاد بأن طالبان ستتراجع عن معتقداتها، أو أن تتصرف كما سيملي عليه أعضاء المجلس».

وكانت النساء في المجلس الأعلى للسلم الأعلى قد حصلن على حليف أساسي في سعيهن إلى المصالحة، وهي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي أبدت تشككها في السابق بشأن ما يمكن أن تعنيه المفاوضات مع طالبان بالنسبة لحقوق النساء وعملية السلام. والولايات المتحدة هي الأخرى تقيم علاقات مع طالبان، وأي مفاوضات جوهرية يتوقع أن توجه من قبل الدبلوماسيين الأجانب.

كانت الصور والملصقات الخاصة بكلينتون تنتشر على حوائط منظمات الحقوق النسائية في كابل. لكن البعض بدأ في التشكك بالتعهد الذي قطعته هي والمسؤولون الغربيون الآخرون في التمسك بحقوق النساء حتى وسط الجهود الشائكة لمحاولة التوصل إلى نهاية متفاوض عليها للحرب. وتقول كوفي: «هذا جعلني أكثر قلقا وارتباكا بشأن الوعود التي قطعها زعماء العالم. فهم دائما ما يقدمون الوعود للنساء الأفغانيات، لكن على أرض الواقع لا يبدو هناك أي نوع من الحماية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»