راؤول كاسترو يقود كوبا بقليل من الكلام وكثير من الوعود

الرئيس الكوبي يتجنب الخطابة على عكس شقيقه فيدل.. وتوقع إطلاقه خططا إصلاحية الشهر المقبل

TT

للعام الثاني على التوالي أوكل راؤول كاسترو إلى نائبه مهمة إلقاء كلمة بمناسبة عيد الثورة. اكتفى راؤول بالتلويح أمام الحشد الذين تجمعوا يوم الثلاثاء من أجل الاحتفالات السنوية بأعياد الثورة، وكما كان عليه الحال في العام الماضي، جاءت رسالته واضحة، من الرفيق الذي حارب إلى جانبه خلال التمرد، وتضمنت مطالبة الكوبيين بالعمل الجاد وتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية.

وقال خوسيه رامون ماتشادو فنتورا، وهو واقف أمام لافتة تمتدح «انتصار الأفكار» «يجب علينا أن نكسر هذه الحالة من الجمود»، لكنه بدلا من التطرق إلى ما يفتقره الكوبيون قال «إن على الكوبيين تقييم ما يمكن إنجازه بما هو متاح».

قدم الاحتفال الذي يحتفي بالهجوم على ثكنات مونكادا عام 1953 (الانطلاقة الأولى للحركة الشعبية التي أسقطت الرئيس فولجنسيو باتيستا بعد ست سنوات) مثالا آخر على الشيوعية المعدلة التي جاءت لتمثل حكومة كاسترو. وعلى الرغم من أن الشقيق الأكبر فيدل اعتاد استغلال خطته من أجل حشود الكوبيين برؤية أخلاقية صارمة، وتصوير كوبا على أنها بطلة والولايات المتحدة في صورة سلبية، فإن راؤول كاسترو لا يحب الأضواء ونادرا ما يلقي الكلمات في المناسبات العامة، ويؤكد على الحاجات الآنية. ويرى خبراء في ذلك ضرورة قصوى بالنسبة له، فقد وضعت الأزمة المالية العالمية كوبا في مأزق لم تشهده منذ سنوات في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي. وحتى قبل ذلك، كانت هذه الجزيرة بسكانها البالغ عددهم 11 مليون نسمة، تعاني من عقود من التدهور الاقتصادي. ويرى الكثير من الكوبيين، خاصة في العاصمة هافانا، أن الإصلاحات التي بدأها راؤول كاسترو منذ توليه رسميا السلطة في عام 2008 جاءت متأخرة 20 عاما على الأقل.

بيد أن التغييرات في المحتوى والطريقة واضحة للغاية. كان التوجه الأكثر وضوحا حتى الآن، محاولة إعادة هندسة عملية التوظيف. فقد أعادت كوبا فتح 200 مهنة لشركات خاصة محدودة، وتقول الحكومة إن صفوف الوظائف الشخصية تضاعفت العام الماضي لتصل إلى 325.000. وباتت التغييرات والمتطلبات واضحة تماما في هافانا. فاللافتات المكتوبة بخط اليد على الأبواب تعلن عن السلع المعروضة للبيع مثل أحذية الأطفال واللحوم. وبدأت المطاعم الخاصة تفتح أبوابها كل ليلة تقريبا - وهو ما أدى إلى وقوع مشكلات أخرى في دولة لا تزال تسيرها حكومة مركزية وموارد محدودة. فالكوبيون يشكون الآن، على سبيل المثال، من أن المنافسة تزيد في أسعار السلع الرئيسة مثل الطعام ومواد البناء التي تباع في السوق السوداء (بعد سرقتها من قبل موزعين تابعين للدولة).

وفي كلمته التي استمرت 25 دقيقة اعترف ماتشادو فنتورا، ببعض من هذه العقبات، وانتقد الرجل الثمانيني الذي احدودب ظهره قليلا بسبب تقدم العمر وكان يرتدي قميصا أبيض، هذه السرقات وسوء استخدام الموارد. وطالب أمام حشد ضم عدة آلاف من الكوبيين، بالعيش وفق القيم الواضحة التي يتبناها راؤول كاسترو «النظام والانضباط والصرامة».

لكن الخبراء يقولون إن الحكومة تصارع سؤالا جوهريا: ما هو القدر الذي يمكن تغييره ومدى سرعة هذه التغييرات في إنشاء نمو اقتصادي دون فوضى؟.

يقول فيليب بيترز، وهو خبير في الشؤون الكوبية في معهد ليكسنغتون، بولاية فيرجينيا «إن خطة الإصلاح تتضمن الكثير من الأجزاء المؤثرة والمعتمدة على بعضها، والمهمة الرئيسلة هي التسلسل» في تطبيق تلك الخطوات.

ويرى بيترز وآخرون من المحللين أن حكومة كاسترو بدت أنها تدرك أن التوقيت مهم. وفي خطوة مفاجئة للعديد من المراقبين الكوبيين، قام راؤول، كما يصفه الكوبيون، بتعزيز ردود الفعل والتكيف. ويقول تيد هينكين، أستاذ دراسات أميركا اللاتينية في كلية براوتش في نيويورك «لا يمكنني القول إنه ديمقراطي، لكنه يملك أسلوبا في الإدارة أكثر براغماتية. فهو يرغب في إدارة الأمور بشكل ناجح».

ويضيف بيترز إن راؤول أحيانا ما يميل إلى تغيير موقفه، فعلى سبيل المثال، أعلنت الحكومة خريف العام الماضي أنها بحلول الربيع القادم ستستغني عن نصف مليون عامل. ثم جاءت معارضة علنية. ويقول بيترز «يجري تطبيق هذا الأمر (التسريح) الآن لكن بصورة بطيئة للغاية، وهو ما يعكس حقيقة أن توفير الوظائف يأتي في المقدمة بالنسبة لهم».

وقد أعلنت حكومة كاسترو أيضا أنها ستجري تغييرات أخرى خلال الأشهر القليلة المقبلة. لكن لم يكن من بينها الحريات السياسية ما عدا وعد بتيسير السماح للكوبيين بالسفر إلى الخارج. إلا أن كاسترو يتوقع أن يتحدث في جلسة افتتاح البرلمان في أغسطس (آب) المقبل، ويشرح بشكل مفصل خططه لإحداث تغيير جذري في قوانين القطاع الخاص وهو ما سيسمح بشراء وبيع العقارات والسيارات. وتعتري الكثير من الكوبيين حالة من الشكوك بشأن الثقة في قدرة الحكومة على إدارة كل القوانين والتأثيرات الجديدة، وأصبحت كلمة «الأمر معقد» التعبير الشائع التي تختتم بها الأحاديث حول العقد الاجتماعي الجديد في بلد لا يشهد جديدا إلا فيما ندر. بيد أن آخرين يصرون على أن الدولة تعد بالكثير لكنها لا تنفذ سوى القليل. ويقول إنريكي سواريز، 50 عاما، أثناء استعداده لاحتفالات السادس والعشرين من يوليو (تموز) «نحن لا نزال نعيش أزمة». أما صديقه بلكيس فيرنانديز فيصف الأمر بالقول «لا تزال الأوضاع سيئة».

* خدمة «نيويورك تايمز»